قصر الشلالة العتيق بولاية البيض… منطقة ذات بعد تاريخي عريق تستحق الاكتشاف

قصر الشلالة العتيق بولاية البيض… منطقة ذات بعد تاريخي عريق تستحق الاكتشاف

من أهم المناطق الأثرية وقديمة العهد بولاية البيض أو بالأحرى بالجنوب الغربي للبلاد تأتي في المقدمة مدينة الشلالة التي عمرها الإنسان منذ حوالي 17 قرنا حسب أرجح المعطيات التاريخية المستقاة من قبل جمعية تشرافين النشيطة في حماية التراث ..

إذ تعتبر منطقة الشلالة بوابة الصحراء تطل على جل مناطق الجنوب الكبير حيث تقع هذه الأخيرة جنوب غرب ولاية البيض على محور الطريق الوطني رقم 47 الذي يربط مقر الولاية بمعظم مناطق الوطن خصوصا الولايات الكبرى الجنوبية منها بشار والنعامة، البيض..،
تبعد عن العاصمة بـ 740 كلم وعن مقر الولاية بـ 140 ميلا تتربع على عدة محطات سياحية ومعالم أثرية تاريخية نادرة منها النقوش الحجرية، الحفريات، الرسومات

علاوة عن التحف العمرانية الحضارية الإسلامية المتمثلة في المباني القديمة الطوبية التي تميز الشلالة بأنها منطقة ذات بعد تاريخي وعمق حضاري وثقافي لاسيما تقنيات بناء قصرها العتيق ومسجدها العريق.. علاوة عن على ما تزخر به هذه المدينة المباركة من مناظر طبيعية خلابة كمصادر ومنابع المياه منها العيون التي لا تزال تسيل إلى يوما هذا بالرغم من مرور قرون طويلة على اكتشافها.. هذه المواقع الطبيعية تستهوي الآلاف من السياح الأجانب والزوار من مختلف مناطق الوطن.

ومن أهم الشواهد وأكبر دلائل على أن مدينة الشلالة قديمة النشأة عصرها يرجع إلى بناء قصرها الأول ما قبل الإسلام أكثر من 17 قرن حسب التقرير العلمي التاريخي الذي أعدته الجمعية سالفة الذكر ولا يزال قصر الشلالة العتيق شاهدا على التاريخ يعد من أهم و أكبر القصور في المنطقة مرصوص من الطين والحجارة وشجر العرعار وجذوع النخيل .

مدينة الشلالة ضاربة في التاريخ فالقصرالعتيق والحفريات الموجودة بالمنطقة تدل على أنها كانت مأهولة منذ أمد بعيد، ومن الأماكن التي تتواجد فيها المغارات والحفريات والنقوش الحجرية منها سماط الحجر، الحجرة الطايحة، كبية الجمل، جبل برام ..

تأسس قصر الشلالة العتيق على يد مولاي يوسف الإدريسي سنة 1180 ميلادية (القرن الخامس هجري) حين كان متجهاً إلى البقاع المقدسة رفقة مولاي علي الحناشي إبن عمه أما تسمية الشلالة جاءت على يد مولاي يوسف حين وجد في طريقه على كمية ماء (عين) قدر “تشليل” اليدين فسميت بالشلالة وهذه العين موجودة إلى يومنا هذا تسمى في الوقت الحالي “عين يوسف”.. يعد قصر الشلالة إحدى أشهر القلاع الجزائرية الرائدة وسط الأطلس الأشم وبالضبط في جبال القصور وهو من ضمن القصور التاريخية المعروفة ببوابة ولاية البيض من الناحية الغربية على بعد 140 كلم بارتفاع 1173 متراً على سطح البحر، كما يعد هذا القصر الثامن بعد سبع قصور سبقته رواها جيل بعد جيل وهذا ما تثبته النقوش الحجرية والأسامي البربرية.

ويحتوي قصر الشلالة العتيق على 220 مسكن ذو طابقين و50 دكان تجاري وثلاث طاحونات للدقيق والمحكمة والحمام التقليدي ودار الضيافة إضافة إلى الدروب الأربعة وستة أزقة وساحات (جماعات) وأشهرها ساحة الجماعة “تيشرافين “وبوابتان رئيسيتان تيشرافين وتافرنت إضافة إلى السور المحيط على البساتين وأبراج المراقة والحراسة، وكذلك حوالي 42 منبع مائي أهمها عين يوسف، إضافة إلى الجامعة التي تخرج منها العلماء والشعراء حيث كانت منارة لطلبة العلم في المنطقة.

القصر العتيق مصمم بهندسة معمارية إسلامية بني بالحجارة والعرعار والجبس التقليدي ويتوسطه المسجد العتيق هذا الأخير تأسس سنة 1180 م أي القرن الخامس الهجري ولا زال موجوداً إلى يومنا هذا يحتوي المسجد على بيت لتعلم القرآن والمقصورة والمكتبة وبوابتان وأربعة نوافذ صممت على حسب أوقات الصلاة ومحراب محفور في الجدار وأقواس مصممة بهندسة معمارية إسلامية والقبة السطحية والصومعة التي تعرضت إلى قصف بالمنجنيق في العهدة العثمانية سنة 1786 ميلادية.

ويعد هذا المسجد الثالث في القصر بعد مسجد الزيتونة والجامعة ومازالت بقايا المسجدين شاهدة ولقد تعرض المسجد العتيق بالشلالة ببعض الأضرار جراء الزلزالين سنة 1942 وزلزال 1964 بالإضافة إلى العوامل الطبيعية خاصة الأمطار والسيول ولقد لعب المسجد دورا في التحصيل العلمي عبر تاريخ الجهة تداول عليه حوالي 37 عالماً جليلاً كما احتضن 48 قاضياُ منهم رجال الفتوى والقضاء واشتهر المسجد بمكتبة كبيرة بعد تعرضها للإتلاف والسرقة مرات عديدة من طرف الاستعمار الفرنسي خاصة سنة 1946 بعد مبايعة الأمير عبد القادر سنة 1846 أثناء مطاردته من طرف العقيد “رونو” وتعرض أيضاً للنهب والإحراق والتخريب في 19 و 22 ماي 1881 أثناء معركة الشلالة.

كما عرف المسجد الكثير من المؤلفين من بينهم السيد عمارة الكبير وسليمان بلقاندي ومحمد بن عبد الكريم والسيد عد الله باقي وغيرهم…، كما تعرضت كتبهم إلى النهب سنة 1864م، بالإضافة إلى علماء الفتوى والقضاء وشهد كذلك المسجد عدة حلقات من الذكر للطرق الطيبية والقادرية والتيجانية، حضرة سيدي سليمان ابن سماحة، وهذا المسجد شهد حركة رائجة في العلم والمعرفة والثقافة والشعر ونشر تعاليم الدين الحنيف والحث على الجهاد في مختلف الحقب التاريخية والاستعمارية، كما تداول عليه الشرفاء من بينهم: سيدي سليمان ابن أبي سماحة (1402م-1539م)، محمد بن سليمان ابن أبي سماحة (1461م-1570م)، عبد القادر ابن محمد ابن سليمان ابن أبي سماحة المعروف بسيدي الشيخ (1533م-1616م)، صفية بنت سليمان بن بوسماحة (1510م-1585م)، سيدي أحمد بن يوسف شيخ مدينة مليانة وإبنته لالة عائشة سنة 1506م، سيدي أحمد المجدوب (1480م-1570م)، سيدي أحمد التيجاني (1737م-1817م) ومكث بالشلالة 5 سنوات، والعالم الجليل الشيخ الحافظ المصري سنة 1964م.

كما تداول على المسجد العتيق أكثر من 65 معلم قرآن من بينهم السيد سليمان السروري، السيد أحمد المذنب من المغرب الأقصى، السيد أحمد بوحسن من فجيج بالمغرب، السيد محمد آعراب من أولاد سعيد، السيد علي قوراري، كما تخرج منه علماء قرآن من القصر نذكر منهم قاندي محمد ابن حمزة محمد، بلية الحاج الحبيب، حسني العربي، السيد عمارة الصغير، كما تخرج عدة حفظة للقرآن نذكر منهم: مباركي بلقاسم، جبري أحمد، بلية لعرج، حمولية علي، هبور العرابي

وقام بأداء الصلوات في هذا المسجد عدة مشاهير وشخصيات دينية و وطنية من بينهم: الباي محمد ولد علي التركي سنة 1786م، الأمير عبد القادر وجنوده في جوان 1846م، وأحفاد أولاد سيدي الشيخ والسيد لعلى في سنة 1864م، الشيخ بوعمامة وجنوده في سنة 1881م، البشير الإبراهيمي رفقة الحاج علي حميتو سنة 1955-1956م، مصالي الحاج 1947م.هجر المسجد والقصر بالكامل سنة 1964م بعد تعرضه إلى زلزال، وتقوم إحدى الجمعيات الناشطة في مجال حماية التراث والآثار بمحاولة لإعادة الاعتبار له بتوصيل الكهرباء بالمسجد وإنارته وتفريشه .

لذا يأمل كافة سكان بلدية الشلالة الذين يتميزون بالشهامة والكرم والثقافة الجادة لاسيما الجمعيات النشيطة منها جمعية تشرافين التي تساهم بقدر كبير في حماية التراث بالمنطقة من كافة الجهات المعنية بإلتفاتة الجهات المعنية لترميم القصر وكذا المواقع الحضارية بالمنطقة من اجل الحفاظ على هذه الكنوز التي لها عمق حضاري وثقافي في محطات تاريخ الجهة المعروفة بالجهاد والعلم .


شاركنا رأيك في قصر الشلالة العتيق بولاية البيض… منطقة ذات بعد تاريخي عريق تستحق الاكتشاف

شاهد ايضا