الفنان الراحل عبد القادر علولة… قامة مسرحية شاملة ونادرة

الفنان الراحل عبد القادر علولة… قامة مسرحية شاملة ونادرة

وُلد عبد القادر علولة في الثامن جويلية 1939 بمنطقة الغزوات التابعة لمدينة تلمسان، درس الدراما وفنون العرض بباريس، قبل أن يشرع في ممارسة المسرح في خمسينات القرن الماضي، وهو فتى صغير.

لمع علولة بشكل خاص مباشرة بعد استقلال الجزائر، حيث أسهم في تأسيس المسرح الوطني، وصار أحد أعمدته رفقة الراحلين مصطفى كاتب، ولد عبد الرحمان كاكي، عبد الحليم رايس ورويشد.

وكان علولة السبّاق رفقة كاكي بإدخال شخصية “المدّاح” أو “القوّال” (الحكواتي) العلامة الأبرز لمسرح الحلقة، حيث يتوجه “القوّال” إلى الجماهير في جوٍ حداثي موشى بنظرة اجتماعية ناقدة وفكاهة لاذعة جعلت المتلقين يتجاوبون بحماس مع العروض، تبعا لاعتمادها على الارتجال والفرجة ضمن حيز شعبوي حميمي يغرف من تراث الشعر الملحون والأقوال المأثورة.

وسمح تعيين علولة كمدير لمسرح وهران الجهوي سنة 1972، بالانفتاح على المزيد من التجارب الجديدة مثل إسقاطاته لرؤى المسرحي الألماني الشهير “برتولدبريشت” ونظريته حول كسر التباعد وتحطيم الجدار الرابع، مثلما اهتم علولة أيضا بالعمل الجماعي وهو ما جسّده على صعيدي التأليف والاخراج.

ويرى الباحثان “أحمد البيوض” و”شريف الأدرع” أنّ تأسيس علولة للتعاونية المسرحية “الفـاتح ماي” شكّل مبادرة نوعية لتحرير المسرح الجزائري من عبودية القوالب وتقاليد الفكر المسرحي الغربي، وساعد على تحقيق المعادلة الصعبة بين التراث المسرحي العالمي والتراث الشعبي الجزائري، فانعكس هذا على نوعية العروض.

وحاول علولة عبر الكتابة والتمثيل والإخراج أن يطوّر مسرحاً شعبياً، فعمل مع الشركات والمدارس، وحوّل المشاهدين إلى عناصر واعية تتفاعل بعفوية مع ما يُعرض أمامها، وهو معطى حاسم جعل مسرح وهران يتحوّل إلى قطب ضخم للأنشطة الثقافية في ثمانينيات القرن الماضي.
وذكر علولة في محاضرة ألقاها ببرلين في ربيع 1987، أنّه اكتشف مسرح الحلقة من خلال احتكاكه بواقعه الحي، وزادت جولاته في المصانع والثانويات والمقاهي والساحات العامة من رغبته في قولبة شكل مسرحي جديد.

واقتضت ثورة علولة على النمط الكلاسيكي، التخلي تدريجيا عن الديكور، إلى أن انتهى به الأمر إلى الاكتفاء بالإكسسوارات الضرورية فحسب وإدارة ممثليه وسط دائرة مغلقة استوحاها من عراقة مسرح الحلقة الشعبي، حيث كانت عملية إحماء المؤدين وتغيير ملابسهم واستراحاتهم تتم أمام أعين المتفرجين، بعيدا عن الكواليس في صورة فرجوية رائقة.

وقال علولة في كتاباته إنّ هوسه الشديد بالمسرح الشعبي، نبع عن رغبته في تحقيق التلاحم بين الممثلين والمتلقين عبر دائرة تتحطم فيها كل الجدران و(الطابوهات)، بعيدا عن الانعزالية التي طبعت سلوك المتفرجين داخل القاعات المغلقة، مما أفقد اللعبة المسرحية ماهيتها وجعل الممثلين في حالة تسلل مزمن، وما ترتب عن ذلك من اجترار وملل وخطابية سياسية مسطّحة.

وأقرّ علولة بتعلمه كثيرا من الجماهير، مفسرا اشتغاله المكثف على المسرح الشعبي، برغبته في التوجه نحو مواطنيه الكادحين وعموم الفئات الشعبية، ولفت إلى أنّ الجزائر تمتلك تراثا قصصيا على ما ينطوي عليه من حكائية ذات طبيعة مسرحية وينم عن خيال مسرحي وفهم متميز للشخوص ومتطلبات المشاهد وسائر عناصر البناء المسرحي.

واقترح علولة أن يتعامل المسرحيون مع الفنون الإبداعية التي ابتكرتها الحضارات العربية القديمة، طالما أنّ الأذن العربية كانت ولا تزال بمنظوره محكا مدرّبا لالتقاط الجمال واستكشاف مآقيه وتشكلاته.

ولعلولة كم هائل من المسرحيات المميّزة، أشهرها مونودرام “حمق سليم” (1972)، ثلاثية القوّال (1980)، الأجواد (1985) اللثام (1989)، إضافة إلى مسرحيات “التفاح” (1992)، “أرلوكان خادم السيدين” (1993) والعملاق (1994) التي لم يكمل كتابتها بسبب رحيله التراجيدي برصاصات إرهابية غادرة في الثاني عشر مارس 1994.

وظلّ علولة إنسانا متجذرا في مجتمعه، وكان رجلا ذو بنية كبيرة سواء من حيث الجسد والفكر والجانب الإنساني، وتختصر أعمال علولة عبقرية إبداعية وارتباط وثيق بالمجتمع، مما يجعل مسيرة علولة تجربة رائدة في المسرح الجزائري الحديث، إذ اعتنق أب الفنون ممثلا، ومكنه اجتهاده وبراعته من الخوض باقتدار في الكتابة الدرامية والإخراج.


شاركنا رأيك في الفنان الراحل عبد القادر علولة… قامة مسرحية شاملة ونادرة

شاهد ايضا