معركة باب الوادي 1541م … اليوم الذي تحطم فيه كبرياء وهيبة أعظم ملوك أوروبا

معركة باب الوادي 1541م … اليوم الذي تحطم فيه كبرياء وهيبة أعظم ملوك أوروبا

لحي باب الواد العتيق قصة ضاربة في تاريخ الجزائر، حتى إن هذا الحي صار من “صناع” تاريخ البلاد بفعل الأحداث التي كان مسرحا لها.

و سُمّي باب الواد بهذا الاسم بسبب وادي يمرّ بجانب هذا الحي ويصب في البحر. ويقع الحيّ في الجهة الشمالية الغربية للعاصمة محاذيا البحر.

وباب الواد هو أحد أبواب الجزائر الخمس القديمة في المدينة يوم كانت محاطة بسور يحميها من الغزاة، وهذه الأبواب هي: باب عزون وباب الجديد وباب الجزيرة وباب البحر أو الديوانة وباب الواد

معركة باب الواد
هذه واحدة من أروع المعارك البحرية في عصر الدولة العثمانية، والتي تجلت فيها كل معاني البذل والتضحية والصبر والثبات أمام الشدائد، وهي المعركة التي حطمت كبرياء وهيبة أعظم ملوك أوروبا في حقبة ما بعد العصور الوسطى، وهو الإمبراطور شارل الخامس أو شارلكان ملك أسبانيا والبرتغال وألمانيا وهولندا والنمسا وإيطالي وهي الدول التي كانت تشكل قديمًا ما يسمى بالإمبراطورية الرومانية المقدسة.

عزم شارل الخامس على القيام بحملة صليبية كبيرة تستهدف القضاء على حركة الجهاد البحري في الحوض الغربي للبحر المتوسط، وقد أخذ مباركة صليبية من الباب بول الثالث، وانطلق بأسطول ضخم يقدر بأكثر من خمسمائة سفينة من ميناء برشلونة، فوصل إلى شواطئ الجزائر العاصمة في 28 جمادى الآخرة سنة 948هـ / 15 أكتوبر 1541م، فجمع حسن الطوشي قادة الجند وأمراء البحر والأعيان وكبار رجال الدولة، وشرح لهم خطورة الأمر، ونية شارل الخامس، وحثهم على الجهاد والدفاع عن الدين والأرض والعرض، وقد ألهب حماسهم عندما قال لهم: “لقد وصل العدو عليكم ليسبي أبناءكم وبناتكم، فاستشهدوا في سبيل الدين الحنيف ….” فبايعوه جميعًا على الجهاد والثبات.

أخذ حسن الطوشي في إعداد أساطيله البحرية وقواته البرية وأخذ في تحصين قلعة ميناء الجزائر بمنتهى النشاط والجدية، فتعجب شارل الخامس من استعدادته، فأرسل إليه بخطاب يفيض غطرسة وسخرية يريد من ذلك تحطيم معنويات المدافعين وقد هدده فيها بتخريب البلاد كلها وقتل السكان جميعًا، فرد عليه حسن الطوشي بالقول العمل معًا، إذ أرسل إليه يقول: “غزت أسبابا الجزائر في عهد عروج مرة وفي عهد خير الدين مرة، ولم تحصل على طائل، بل انتهبت أموالها، وفنيت جنودها، وستحصل المرة الثالثة كذلك إن شاء الله، فتعالى واستلم القلعة، ولكن لهذه البلاد عادة، أنه إذا جاءها العدو، لا يعطى إلا الموت”.

هذا كان الرد بالقول، أما الرد بالعمل فلقد أرسل في نفس الليلة إلى معسكر شارلكان رسولاً يطلب منه السماح للنساء والأطفال وكبار السن بمغادرة المدينة عبر باب الواد وفي ذلك إشارة واضحة على عزم حسن الطوشي ورجاله على الدفاع عن المدينة حتى آخر رمق في حياتهم.

على ما يبدو أن شارل الخامس لم يكن يتوقع ذلك الإصرار والثبات من أهل الجزائر في ظل غياب القائد خير الدين بربروسا، وقد اتضح ذلك جليًا في عدم إنزاله لمدفعية الحصار حتى وصول رسالة حسن الطوشي إليه، فأمر في الحال بإنزال القوات الأسبانية إلى البر، فلم يمهلهم المجاهدون الجزائريون شيئًا لالتقاط الأنفاس، فهجموا على الفور بكل قوة وشجاعة رغم ضخامة القوات الأسبانية البرية، وكان مجاهدو الجزائر بهاجمون الصليبيين على شكل الأمواج المتتالية، فوج بعد فوج.

وكان الجزائريون قد أقبلوا من كل مكان عندما علموا بنزول الصليبيين إلى البر الجزائري، وكأن السموات والأرض ومن فيهن يقاتل مع العصبة المؤمنة، وقد سخر الله عز وجل الريح والأمواج العاتية والأمطار الغزيرة لصالح جنود الإسلام، فقد هبت ريح عاصف استمرت عدة أيام فاقتلعت خيام الصليبيين، وارتطمت سفنهم بعضها ببعض، فغرق كثير منها بمن عليها، وقذفت الأمواج الهادرة بعض السفن إلى الشاطر فأخذه المسلمون غنيمة باردة، أما الأمطار فقد أفسدت مفعول البارود.

بعد فشل الهجوم البحري حاول شارلكان مهاجمة مدينة الجزائر بفرقة الخيالة الأسبانية بالاشتراك مع فرسان القديس يوحنا، فتصدت لهم فرقة الحاج البشير قائد خيالة الجزائر، وكما هو معلوم عبر التاريخ بكل مراحله أن المجاهدين المخلصين لا يستطيع أحد مهما كانت قوته وتعداده أن يصمد أمامهم في ميادين القتال المفتوحة حيث القتال فيها رجل لرجل، وبعد خسارة ضخمة في الأرواح اضطر شارل الخامس أن ينسحب بفلول جنوده، وركب ما تبقى من أسطوله واتجه ناحية إيطاليا بدلاً من أسبانيا.

كان شارل الخامس أو شارلكان أكبر ملوك النصرانية في حقبة ما بعد العصور الوسطى، وكان إمبراطورًا على الدولة الرومانية المقدسة التي تشمل معظم دول أوروبا، لذلك كان فشله على أبواب الجزائر للمرة الثالثة ضربة عميقة الأثر لهيبة ونفوذه ومكانته، وتطورت الأحداث في أوروبا بشدة، وانضم العديد من ملوك أوروبا إلى حلف فرنسا والدولة العثمانية، مثل ملك الدانمارك وملك السويد، ولم يبق على ولائه لشارل الخامس سوى هنري الثالث ملك إنجلترا.

ولم يعد شارل الخامس قادرًا على توجيه حملات كبيرة إلى الشمال الإفريقي، وأخذ في تغيير خططه والاعتماد على الخونة والعملاء من بقايا الأسر القديمة مثل بني زيان وبني وطاس وغيرهم وهو التكتيك الذي ما زال أعداء الإسلام يتبعونه مع الأمة الإسلامية.

 

 

المصادر :
islamstory
maghrebvoices


شاركنا رأيك في معركة باب الوادي 1541م … اليوم الذي تحطم فيه كبرياء وهيبة أعظم ملوك أوروبا

شاهد ايضا