يعتبر قصر بني حماد واحد من أهم المعالم التاريخية والتراثية في الجزائر،
هذه القلعة الألفية تتمتع بموقع استثنائي، حيث تقع في منطقة جبلية مطلًة وتشرف على كافة مرافق المنطقة.
وتقدم هذه القلعة لمحةً تاريخية ونظرة شاملة عن تاريخ الحياة خلال فترة الإمبراطوريّة الحمادّية التي نشأت في الجزائر خلال القرن الحادي عشر،
كما تميزت القلعة بتصميمها المعماري الذي اسٌتخدمت فيه أساليب العمارة الإسلامية من المزخرفات والمقرنصات والأبراج الشاهقة.
اول صومعة مستطيلة في شمال إفريقيا
قلعة بني حمّاد ، فيها اقدم صومعة مستطيلة الشكل في المنطقة المغاربية، أسَّسها حماد بن بلكين بن زيري الصنهاجي سنة 1007 م في منطقة المعاضيد على مشارف مدينة المسيلة حيث كانت اول عاصمة للدولة الحمادية قبل ان تنقل الى بجاية
ذكر ياقوت الحموي القلعة، فقال: “ويتخذ بها لبابيد الطيلقان جيدة غاية، وبها الأكسية القلعية الصفيقة النسج الحسنة المطرّزة بالذهب، ولصوفها من النعومة والبصيص بحيث ينزّل مع الذهب بمنزلة الإبريسم”.
وقال جورج مارصي: “وحوالي سنة 457هـ / 1065م صارت القلعة مدينة تجارية عظيمة وارفة الخيرات، وقصدها أرباب الصنائع من المشرق وإفريقية، ويظهر أن صناعة الفخار يومئذ بلغت بها مبلغا عظيما ويظهر عليها تأثير الفرس ومصر فنا وعملا، وجد بها من ذلك آثار كثيرة، ثم ترقَّت الصناعة وتطورت حسب تطور الدولة في العظمة”.
جل الصوامع بنيت اما ابان الفترة الموحدية او بعدها فقد انتشرت الصومعة الحمادية الجزائرية المستطيلة في العالم الاسلامي بقطبيه المغاربي و الاندلسي.
و يرجع الفضل للموحدين في نشرها و منهم سليل مدينة تلمسان الجزائر عبد المؤمن الكومي الزناتي الذي خالج العلوم الاسلامية ابان فترة حكم بني حماد في الجزائر فتأثر بمعمارهم و نقله .
وتعد قلعة بني حماد بالمعاضيـد التابعة لولاية المسيلة من أحد رموز الدولة الإسلامية بالجزائر وتعتبر امتدادا لدولة حماد بن بلكين الذي حاول صقل
وتثبيت الهوية الإسلامية، ورغم أهمية هذا الصرح التاريخي والإسلامي الكبير .
يعود تاريخ إنجاز وبناء قلعة بني حماد إلى سنة 1007 إلى 1008 م على يد حماد بن بلكين الذي اختار مكانا محصنا لقلعته وإستراتيجيا فوق سفح جبل تيقريست
وعلى ارتفاع 1000 متر فوق سطح البحر وذلك بغية عمليات المراقبة العسكرية للأماكن المجاورة، وقد دامت مدة بناء هذا الصرح الإسلامي العظيم 30 سنة أستخدمت
فيها الهندسة المعمارية الإسلامية الأصيلة بزخارف وتصميمات تعكس التراث الإسلامي الممتد عبر القرون الغابرة في أي بقعة يوجد بها الإسلام.
يحد القلعة من الغرب هضبة قوراية ومن الشرق شعاب وادي فرج وقد وضع للقلعة ثلاثة أبواب، باب الأقواس وباب جراوة وباب الجنان ويحيط بالقلعة سور عظيم
مبني بطريقة مذهلة وبالحجارة المسننة المستخرجة من جبل تيقريست، ويوجد بالقلعة عديد الكنوز والمعالم الأثرية المهمة وأهمها المسجد الكبير ومصلى قصر المنار
الذي يعتبر أصغر مسجد في العالم بطول بلغ 1.60 سم، هذا بالإضافة إلى القصور الأخرى الممتدة عبر مساحات القلعة وعلى امتداد أكثر من 50 كم
والتي بناها حماد بن بلكين على غرار قصر الأمير والذي يحتوي على بحيرة تعد مشابهة لقصر الحمراء بالأندلس، بالإضافة إلى قصر المنار
والذي يمثل أعظم صرح وذلك بفعل حجمه الهائل والذي يحتوي على عديد الكنوز الأثرية أهمها المصلى الصغير الذي اكتشف سنة 1968 من طرف الدكتور
رشيد بورويبة، كذالك قصر السلام وقصر الكواكب والذين ما يزالان تحت الأنقاض إلى حد الآن ولم تجر بهما أية حفريات حتى اليوم.
وتحدَّث ابن خلدون في تاريخه عن مراحل تطوُّر المدينة، فذكر أن حمّادًا أتم بناءها وتمصيرها على رأس المائة الرابعة، وشيّد بناياتها وأسوارَها، واستكثر فيها من المساجد والفنادق، وأن الناصر بن علنّاس بنى المباني العجيبة المؤنقة، وأن المنصور بنى فيها قصر الملك والمنار الكوكب وقصر السلام.
ويضيفُ ابن خلدون قائلا: (اختطّ حماد مدينة القلعة سنة ثمان وتسعين بجبل كتامة وهو جبل عجيسة… ونقل إليها من أهل المسيلة وأهل حمزة ونقل جراوة من المغرب وأنزلهم بها).
وشيئا فشيئا غدت مدينة القلعة واحدة من أحصن المدن حتّى أنّ المؤرّخ ابن الأثير وصفها بقوله: (من أحصن القلاع وأعلاها، لا ترام على رأس جبل شاهق، يكاد الطرف لا يحققها لعلوِّها). ولقد تنوّعت فيها المباني والمنشآت، وصارت واحدة من أعاجيب الدّهر، وأشاد صاحب كتاب “الاستبصار” بما وُجد فيها من مبان عظيمة، وقصور منيعة متقنة البناء عالية السّناء.
وصارت هذه المدينة المُتقنة تعيشُ حالةَ رخاء واستقرار من حيث الأمن الغذائي، فأهلها كما يقول عنهم الإدريسي: (أبد الدهر شباع، وذلك لغناها بالحبوب).
وقد استفادت مدينة القلعة كثيرا من خراب القيروان الناجم عن الغزو الهلالي، إذ سرعان ما انتقل إليها أكثرُ أهل إفريقية، وأصبحت مقصد التجّار وبها تحلّ الرّجال من العراق والحجاز ومصر والشام وسائر بلاد المغرب.
إنّ جمال هذه المدينة وروعتها وحصانتها دفعت الشاعر”ابن هاني الأندلسي” إلى القول: (قلعة بني حمّاد جنة الله في أرضه). وفضلا عمّا اتّصفت به المدينة من جمال وحسن تدبير، فإنّها كانت ترفلُ في النّعيم ويعمّ فيها الرّخاء، لتشهد حركة علمية ونهضة فكرية وانتشرت في أرجائها الحِلق العلمية ونبغ فيها كثيرٌ من العلماء وطلبة العلم، ويصف ابن خلدون ذلك بقوله: (استبحرت في العمارة، واتّسعت بالتمدُّن، ورحل إليها من الثغور القاصية والبلد البعيد طلابُ العلوم، وأرباب الصنائع؛ لنَفاق أسواق المعارف والحِرف والصنائع بها).
وكغيرها من المدن الإسلامية، فقد عاشت قلعة بني حمّاد مراحلَ صعبة، لكنّها بالرغم من ذلك صمدت متحديّة صروف الدّهر وحوادث الزّمان، وتعاقُب المحن وتوالي النكّبات إلى غاية سنة 454هـ/ 1062م، عندما بدأ خامس ملوك بني حمّاد وهو الناصر بن علناس (454- 481هـ/1062- 1088م) ببناء بجاية التي أصبحت فيما بعد عاصمة الحمّاديين.
وكان سبب بناء مدينة بجاية هو ما آل إليه وضعُ دولة بني حمّاد عقب هزيمة جيوشها أمام القبائل الهلالية، ومنذ ذلك الحين بدأت العرب من بطون بني هلال تتربّص بأطراف القلعة وجنباتها فبادر الناصر بن علناس -بعد نصيحة ابن البعبع عامل تميم- إلى بناء مدينة جديدة هي مدينة بجاية.
وعلى إثر بناء بجاية تقهقرت القلعة وغادرها غالبية السكّان، وانتقلوا إلى المدينة الجديدة، قبل أن ينتقل إليها المنصور بن الناصر بن علناس سنة 481-1088م.
المصادر:
الشروق
ويكيبيديا
شاركنا رأيك في شيدت في القرن الـ 11… تعرف على قلعة بني حماد ثاني اقدم عاصمة في الجزائر