للعشر الاواخر من رمضان فضل عظيم؛
لأن أحد لياليها هي ليلة القدر التي قال الله تعالى فيها:
إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ * فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ الدخان:4،
فأنزل الله فيها القرآن جملة واحدة من اللوح المحفوظ إلى بيت العزة في السماء الدنيا، ثم نزل بعد ذلك مفصلاً، ومنجماً، ومفرقاً بحسب الوقائع والأحداث، وقال: إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِالقدر:1، فهي ليلة ذات قدر، وشرف، ومنزلة، وذات خير، وبركة، وعظمة، وذات رحمة، ومغفرة، وعتق، وقد قال ﷺ: إن هذا الشهر قد حضركم،وفيه ليلة خير من ألف شهر من حُرمها فقد حُرم الخير كله، ولا يُحرم خيرها إلا محروم ، وهذه الليلة العظيمة؛ العبادة فيها أفضل من العبادة في ألف شهر، وهو عُمر إنسان مُعمَّر، أكثر من ثلاث وثمانين سنة.
وهذا موسم المتسابقين، وسوق العابدين، وفرصة المجتهدين، هذه العشر التي كان نبيكم ﷺ يشد مئزره إذا دخلت، ويعتزل النساء للعبادة؛ لأنه كان يعتكف في المسجد وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِالبقرة:187، وأحيا ليله، وأيقظ أهله، وهذا فيه اهتمام بالأهل والأولاد، وليس أن يجتهد الأب، والبقية نائمون، وإنما هو اجتهاد واستنفار عام في البيت لهذا الحدث الكبير الذي وقع، وهو دخول هذه العشر، ومن الناس من لم يدركها؛ لأن الله تعالى كتبه في الأموات.
فقد كان هدي النبي صلى الله عليه وسلم في هذه العشر الاواخر أنه يجتهد فيها ما لا يجتهد في بقية الشهر؛ فعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: “كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيره”.
وعنها -رضي الله عنها-: “أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل العشر شدَّ مِئْزَرَه، وأحيا لَيْله، وأيقظ أهله”.
أحيا ليله؛
أي: بالصلاة والذِّكر والدعاء، وأيقظ أهله؛ أي: أيقظهم من نومهم؛ ليجتهدوا في الصلاة والذِّكر والتضرُّع إلى الله تعالى، وهذه السُّنَّة قد لا ينتبه لها بعض المسلمين، والله تعالى يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم: 6].
أما شدُّ المئزر؛ فقد قال كثيرٌ من أهل العلم: إنَّه كنايةٌ عن اعتزال النساء والتفرُّغ للعبادة؛ ولذلك كان صلى الله عليه وسلم يعتكف في هذه العشر في المسجد، وينقطع عن الدنيا، ويخلو بربِّه؛ يدعوه، ويناجيه، ويسأله، ويتضرَّع إليه.
و الاعتكاف من أنفع العبادات لإصلاح القلوب، وجمع الهِمَم، والتخلُّص من العيوب، ومن جَرَّبَ عَرَفَ؛ فعن عائشة -رضي الله عنها-: “أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتَّى توفَّاه الله تعالى، ثم اعتكف أزواجُه من بعده”
ومن فضائل هذه العشر و خصائصها و مزاياها ان فيها ليلة القدر ،
قال الله تعالى : ( حم . و الكتاب المبين . انا انزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منذرين. فيها يفرق كل امر حكيم . امرا من عندنا إنا كنا مرسلين . رحمة من ربك انه هو السميع العليم )سورة الدخان الايات 1-6
فضائل ليلة القدر
فمن فضائل هذه الأمة أن الله أعطاها في كل سنة، في كل رمضان، في هذه العشر يوماً فيه ليلة العبادة فيها تفوق العبادة في ثلاث وثمانين سنة، فعندك يا عبد الله في كل ليلة قدر من كل سنة تمر بك في عمرك عبادة إنسان مُعمَّر بهذه السنوات الطويلة؛ كأنك عبدت الله في ثلاث وثمانين سنة، كل سنة من السنوات، فتأمل فضل الله على هذه الأمة، وهو سبحانه وتعالى ذو الفضل العظيم. في هذه السنة تنقل مقادير الخلائق من الأرزاق، والآجال من اللوح المحفوظ، إلى صحف الملائكة، تفصل المقادير من اللوح المحفوظ الذي كتب الله فيه الأقدار قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة، وفي ليلة القدر من كل عام تفصل أقدار كل سنة من اللوح المحفوظ إلى صحف الملائكة لتقوم بإنفاذها، فترى شخصاً يمشي في الأرض وهو مكتوب في هذه السنة من الأموات.
أشهر ما يفعل في هذه الليلة:
القيام، وقد اعتكف النبي ﷺ العشر الأواخر كلها لإصابة ليلة القدر؛ لأن من اعتكف العشر الأواخر، وقام في كل ليلة منها وهو يدعو فإنه بالتأكيد سيصيبها، والنبي ﷺ كان يقوم حتى تتورم قدماه كما قال الله: كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ الذاريات:17، وكان السلف يسيرون على هذا المنوال، يقومون ليلهم، ويخفون دعائهم، إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا مريم:3، وكان ظمأ الهواجر، يعني: العطش في الصيام لأجل حر النهار، وألم الأرجل في الليل من طول القيام هو أشهى ما عند العابدين، والذي يرغبهم في البقاء في الدنيا، وليس كثرة الأموال، ولا السعي في الاستثمارات، ولا الضرب في السياحات، وإنما هو ظمأ الهواجر، وقيام الليل، ومن أطال قيام الليل هون الله عليه وقوف يوم القيامة كما قال الأوزاعي رحمه الله؛ لأن يوم الدين فيه وقفة طويلة جداً؛ لأنه في الطول خمسين ألف سنة، الناس واقفون على أقدامهم، لا قاعد، ولا مضطجع، ولا متكئ، وإنما هم قيام كما قال الله: يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَالمطففين:6، ويشتد الحر على الناس لأمور ثلاثة: الزحام، فليس للإنسان إلا موضع قدميه، ودنو الشمس قدر ميل من رؤوس العباد، وتقريب جهنم وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ الفجر:23، تجرها الملائكة، فيأخذ الناس من العرق والكرب ما الله به عليم، ويذهبون يطوفون على الأنبياء ليطلبوا منهم التدخل عند الله لفصل القضاء، فينالها الحبيب محمد ﷺ صاحب المقام المحمود.
خصائص ليلة القدر:
هي الليلة التي أنزل الله تعالى فيها كتابه الأعز؛ القرآن الكريم. التعبد فيها خيرٌ من تعبّد ألف شهر. ليلة تقدير الله تعالى لكلّ ما سيكون في العام المقبل؛ الأموات، والأحياء، والهالكون، والأعِزَّاء، والأذِلَّاء، غير أنّ هذا التقديرَ تقديرٌ ثانٍ؛ فقد قدَّر الله تعالى الأشياء قبل الخلق. ليلة تعمُّ فيها البركة كافة الأرجاء. هي الليلة التي ينزل فيها الروح الأمين؛ جبريل -عليه السلام- إلى الأرض، ومعه الملائكة الكرام، حاملين معهم كل بركة، وخيرٌ يعُمَّان العالمين. ليلة سلام، تكثر فيها أعمال البر، والإحسان، والخير، والتقرّب إلى الله تعالى، وتخلو من الأعمال المؤذية، والشريرة.
شاركنا رأيك في تعرف على فضائل الـعشر الأواخر من شهر رمضان