البريد المركزي… تحفة معمارية بهندسة إسلامية في قلب العاصمة الجزائرية

البريد المركزي… تحفة معمارية بهندسة إسلامية في قلب العاصمة الجزائرية

متحف البريد المركزي، يتوسط مبنى “البريد العام”، كما كان يسمى في الحقبة الاستعمارية الفرنسية، أرقى أحياء العاصمة الجزائرية، ليلتقي عنده شارعا الشهيدين “العربي بن مهيدي” و”ديدوش مراد” (إيزلي وميشلي سابقاً)، منفتحاً على حديقة قصر الحكومة الواسعة والتي تنحدر بأشجارها الباسقة إلى أسفل الجبل لتلامس جذورها مياه البحر الأبيض المتوسط.

تقع ساحة البريد المركزي بين شارعين يحملان اسمين من أسماء شهداء الثورة التحريرية الجزائرية، إذ تقع بين شارع الشهيد العربي بن مهيدي، ومن الأعلى شارع الشهيد ديدوش مراد، وهما رمزان خالدان من رموز الثورة التحريرية.

وتضم الساحة مقر البريد المركزي أو “البريد العام” كما كان يسمّى في الفترة الاستعمارية، وأصبح اليوم معلماً تاريخياً، إذ تشير المعلومات المكتوبة في جدارية بسيطة معلقة في جانبه الأيمن إلى أن البنّائين شرعوا في تشييده في عام 1910، وعلى مر ثلاث سنوات، إذ تم استغلاله آنذاك في مختلف الخدمات البريدية والمالية، ليصبح اليوم تحفة معمارية صممها المهندس ماريوس تودوارد بالنظر إلى سقفه والزخارف الأندلسية وأعمدته، كعمارة إسلامية قريبة من قلوب الجزائيين في تلك الفترة.

رمزية المكان وتاريخه وموقعه الاستراتيجي في قلب العاصمة الجزائرية باتت تفرض أن تكون الساحة والمباني المجاورة لها معلماً ثورياً.

للولوج إلى مقر البريد المركزي هيبة خاصة، فما أن ترتفع بك قدماك عبر السلم الحجري للمبنى حتى تشعر باحترام تلقائي يحتويك، ليفرض عليك طقوساً في معاينة المبنى، تخطف عيناك رحابة المكان وارتفاع السقف الشاهق الذي يجعل عنقك تشرئب إلى أعلى متفحصة تفاصيل الزخرفة الرائعة على الجص أو الزجاج أو النوافذ الخشبية التي أبرزت مفاتنها أنامل فنان استطاعت أن تصقل لوحات فنية غاية في الإتقان، وما تكاد تطرق ببصرك الأرض حتى تستقبلك التزيينات الخشبية التي ترصع شبابيك الاستقبال والتي تدعوك إلى التأمل في مدى قدرة الانسان على تحويل جذوع الخشب الأصم إلى منحوتات ونقوش غاية في الروعة والابداع.

يجاور مبنى البريد المركزي ساحات واسعة وحدائق غناء ترتسم على محياها بسمة أبدية تصنعها الألوان المزركشة المختلفة للورود والزهور المختلفة التي تتنوع باختلاف الفصول بين باردها وحارها ليحيلها فصل الربيع سجادة جميلة من الألوان الطبيعية، يجد الكهول كما الصغار والنسوة خلوة لهم هرباً من زحمة الشوارع المحيطة المكتظة بالناس والسيارات.

في الجوار أيضا يتخذ باعة الزهور أمكنة لهم.. يتوزعون في أكشاك صغيرة أو في مساحات مقسمة باعتدال، يبرزون فيها من النباتات ما يضفي على المكان حبورا خاصا تزهو به العصافير التي تعم الرحاب بأصواتها وتغريداتها المتناغمة مع متعة النظر إلى مختلف أنواع الزهور وشجيرات الزينة.

بمناسبة الذكرى الخمسين لاستقلال الجزائر، قررت وزارة البريد والاتصالات تخصيص مبنى البريد المركزي لأول متحف لخدمات البريد في الجزائر مع ابقائها على بعض الخدمات البريدية داخل هذا المبنى العتيق، حيث يسمح للزوار بالاطلاع على تاريخ البريد والاتصالات في العالم وفي الجزائر من خلال عرض مجموعة من التجهيزات القديمة للبرق والتلفون وحاسبة النقود اليدوية أو جهاز تصديق الرسائل بالإضافة إلى عرض مختلف بدلات ساعي البريد، وغيرها من الأجهزة.

يتعرف من خلالها الزائر على التطور الهائل الذي عرفه هذا القطاع الحيوي على مر العصور وخاصة في القرن العشرين الذي شهد خطوات جبارة عرفتها البشرية في مجال الاتصالات. ويخصص المتحف أجنحة خاصة بالتجهيزات البريدية التي كانت تستعمل في الفترة الاستعمارية للجزائر منذ 1830 إلى سنة 1962 كما تم تخصيص جناح للثورة التحريرية الجزائرية ووسائل الاتصال التي كانت مستعملة حينها من طرف الثوار الجزائريين وهي إمكانات بسيطة مقارنة بما كانت الآلة الاستعمارية تستعمله ولكنها أدت واجبها في إبلاغ رسالة الثورة التحريرية وتحقيق استقلال الجزائر.

وفي جناح آخر يستطيع الزائر أن يلج عالم الاتصالات الحديث حيث خصص جناح خاص بالآلات والوسائل التي تم استعمالها في الفترة الممتدة منذ عهد الاستقلال في 1962 إلى اليوم ويحاكي المعرض التطور الهائل الذي عرفه القطاع.

المصادر
wikipedia
alaraby


شاركنا رأيك في البريد المركزي… تحفة معمارية بهندسة إسلامية في قلب العاصمة الجزائرية

شاهد ايضا