الشيخ العربي التبسي هو أحد أعمدة الإصلاح في الجزائر، وأمين عام جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، احتل الصدارة العلمية بعد وفاة الشيخ عبد الحميد بن باديس ، ونفي الشيخ البشير الإبراهيمي.
ولد العربي بن بلقاسم بن مبارك بن فرحات التبسي عام 1895 بقرية “السطح” في مدينة “تبسة” التي اقترن اسمه باسمها، من عائلة فلاحية فقيرة تعمل في الزراعة، حيث كان والده إلى جانب عمله في الفلاحة، يتولى تحفيظ القرآن لأبناء القرية في مسجد البلدة، وقد عاش يتيما إذ توفي والده وهو في الثامنة من العمر.
بدأ العربي التبسي حفظ القرآن على يد والده في مسقط رأسه وقد توفي والده حوالي سنة 1320هـ (1903م) ، وفي سنة 1324هـ (1907 م) رحل إلى زاوية ناجي الرحمانية بـ” الخنقة ” جنوب شرق خنشلة فأتم بها حفظ القرآن خلال ثلاث سنوات، ثم رحل إلى زاوية مصطفى بن عزوز بـنفطة جنوب غرب تونس في سنة 1327هـ (1910م) ، وفيها أتقن رسم القرآن وتجويده ، وأخذ مبادئ النحو والصرف والفقه والتوحيد ، وفي سنة 1331هـ (1914م) التحق بجامع الزيتونة بتونس العاصمة حيث نال شهادة الأهلية واستعد لنيل شهادة التطويع ولم يتقدم إلى للامتحان، و رحل إلى القاهرة حوالي سنة 1339هـ (1920م) ومكث فيها يطلب العلم في حلقات جامع الأزهر ومكتباتها الغنية إلى سنة (1927م)، ثم رجع في السنة نفسها إلى تونس وحصل على شهادة التطويع (العالمية ).
في عام 1947 تولى العربي إدارة معهد ابن باديس في قسنطينة، وفي عام 1956 انتقل إلى العاصمة الجزائر لإدارة شؤون جمعية العلماء.
بعد رحلته الطويلة لطلب العلم في تونس ومصر عاد التبسي إلى الجزائر عام 1927 واتخذ من مسجد صغير ببلدة تبسة مركزا لنشاطه الدعوي والتعليمي.
وبعد وفاة علامة الجزائر عبد الحميد بن باديس ونفي البشير الإبراهيمي اتجهت الأنظار إلى التبسي بصفته المؤهل لملء الفراغ العلمي والدعوي، وقد توافد إليه طلاب العلم من كل مكان.
تعتمد طريقة الشيخ التبسي في التدريس على قراءة نص قرآني أو حديث نبوي فيفسر مفرداته والمعاني والحكم التي يتضمنها، وبعد الجانب التعليمي من الدرس ينتقل إلى الأمراض الاجتماعية فيشرحها ويبين أسبابها وعواقبها في الدنيا والآخرة.
هاجم التبسي من يسميهم أدعياء التصوف، ووصفهم بالدجالين الضالين.
وقد وظف مكانته الدعوية والعلمية بين الجماهير في الحث على الجهاد فواظب على استنفار الشباب للانخراط بالثورة، ونشر مقالات في صحيفة الشهاب تحت عناوين قوية من قبيل “الجزائر تصيح بك أيها الجزائري أينما كنت”.
ونقل أحمد الرفاعي عن الشيخ الطاهر حراث أن الكثيرين من أصدقاء التبسي حاولوا إقناعه بالخروج من الجزائر بعد أن أصبح هدفا واضحا للمحتلين فكان جوابه “إذا كنا سنخرج كلنا خوفا من الموت فمن يبقى مع الشعب؟”.
ونقل عن التبسي قوله “لو كنت في صحتي وشبابي ما زدت يوما واحدا في المدينة، ولأسرعت إلى الجبل فأحمل السلاح وأقاتل مع المجاهدين”.
المعروف عن مصير قيادات الثورة التحريرية الجزائرية أنهم لا يخرجون إلا شهداء مقتولين من زنازين فرنسا، والمعروف عن فرنسا الاستعمارية “تلذذها وتفننها” في قتل الجزائريين سواء كانوا قيادات أو مناضلين في الثورة.
لكن، لم يتوقع أي أحد أن تصل درجة الحقد الفرنسية إلى ابتكار أحدث الطرق والدنيئة والهمجية في قتل إنسان بشكل لم تشهده البشرية حتى في عصر أعتى الطغاة، بقيت إلى يومنا هذا وصمة عار ملتصقة بفرنسا.
إذ أكدت شهادات تاريخية أنه بعد اختطاف الشيخ العربي التبسي تم اقتياده إلى مقر الحاكم الفرنسي الذي حاول إرغامه على التراجع عن دعم الثورة وإلا فإنه سيلقى أسوأ مصير يمكن أن يتعرض له ضحية في يد جلاد.
رفض الشيخ العربي التبسي الانصياع والرضوخ وبيع ثورة بلاده، فأمر الحاكم الفرنسي بقتل الشيخ بأبشع طريقة، فقام الجنود السنغاليون “بإدخال الشيخ عارياً في قِدر مملوء بزيت السيارات وممزوج بالأسفلت الذي كان يغلي تحت درجة حرارة كبيرة”، ورغم ذلك تمكن الشهيد العربي التبسي من نطق الشهادتين وكان ذلك في 17 أفريل 1957، ليبقى قبره مجهولاً إلى يومنا هذا.
انتقلت روح الشهيد العربي التبسي إلى بارئها الأعلى، وتركت واحدة من أكبر وأهم الأدلة على همجية الاستعمار الفرنسي وعلى ماضيه غير المشرف، وعلى قصة كفاح جزائرية عربية مشرفة.
شاركنا رأيك في العربي التبسي …الشهيد العالم وصاحب القبر المجهول