تاريخ الجزائر، قبل وبعد الوجود العثماني مليء بالشخصيات التي خلدت سيرها في الحرب والسلم، وإن كان معظم هؤلاء رجالاً، إلا كانت بعض النساء من اللائي خلدهنّ التاريخ.
ومن بين القصص التي اختلف فيها المؤرحون ، قصة “زفيرة” آخر ملكة جزائرية ، وهي زوجة السلطان سليم التومي آخر حاكم للجزائر قبل الحكم العثماني لها، ارتبط اسم زفيرة بالأيام الأولى لحكم عروج ريِّس للجزائر.
قيل أنها ولدت سنة 1489، وتزوجت بحاكم مدينة الجزائر السلطان سليم التومي، قبل صعوده للحكم مطلع القرن السادس عشر، ولها ابن منه هو يحيى بن سالم التومي.
ويعني إسم زفيره باللغة العربية المرأة التي يرتكز عليها البيت، وعلى الرغم من كون الأميرة زفيرة زوجةً لحاكم الجزائر سلطان التومي، إلّا أنّها كانت تعمل في قصرها في الخياطة والتصميم، حتى قيل أنها أوّل من ابتكرت زي البدرون وسروال الشلقي العاصمي، وهما لباسان تقليديان جزائريان خالصان.
العالم يكتشف زفيرة والجزائر من خلال فيلم ” الأميرة الأخيرة” :
جُسّدت قصة “زفيرة” في فيلم جزائري فرنسي بعنوان “آخر ملكة” ، أدّت فيه دور الأميرة الممثلة الجزائرية عديلة بن ديمراد، وشاركت فيه أيضا الممثلة التونسية هند صبري والممثلة الفرنسية الفنلندية ناديا تيريزكييفت، أما الإخراج فكان للفرنسي الجزائري داميان أونوري.
وبعد مشاركته في مهرجانات عديدة، فاز الفيلم بجائزة ملتقى بيروت السينمائي وجائزة مشروع الفيلم الفرنكفوني، ومؤخرا جائزة لافضل دور نسوي في مهرجان مالمو للفيلم العربي.
ما علاقة بابا عروج بوفاة الأميرة زفيرة ؟
تقول الروايات أنه ومع مطلع القرن السادس عشر الميلادي تنامى الخطر الإسباني الذي كان يهدد الجزائر، فأرسل السلطان الجزائري سالم التومي إلى الأخوان بربروسا من أجل نجدته، وبالفعل قدِم البحارة العثمانيون بقيادة عروج ريّس لتحرير الجزائر من الإسبان سنة 1516.
وبالفعل نجح الأخوان بربروسا في تحرير مدينة الجزائر من التحرشات الإسبانية، ونتيجة لذلك تعاظم موقفهم وعلا شأنهم بين الجزائريين، في المقابل بدأ نفوذ السلطان سالم التومي نفسه بالتراجع سريعاً.
ووفق الرواية لجأ سالم التومي إلى الإسبان من أجل طرد الإخوة بربروسا واستعادة نفوذه وسيطرته، لكنَّ حظه أنّ خطته في الانقلاب على عروج ريّس انكشفت قبل أن تُنفَّذ، ليحكم عليه عروج ريّس بالإعدام ويقتله في حمام قصره. تلقت الأميرة زفيرة خبر مقتل زوجها، فاعتزلت في غرفة بقصرها.
وهنا بدأت القصة المثيرة التي نسجت حولها الأساطير والتي تحولت إلى فيلم عالمي، حيث ذكرت مصادر تاريخية أن عروج ريّس، سمع عن زوجة سالم التومي وجمالها الأخاذ، فأرسل لها رسالة قال فيها: “زفيرة الجميلة، صورة الشمس، أجمل بصفاتك النادرة من الإشراق الذي يحيط بشخصك، أسعد غزاة العالم وأسعده، الذي يرضيه كل شيء؛ لا يخضع إلا لك ويصبح عبدك”.
وحسب المصادر الفرنسية التي إرتكز عليها فيلم ” الأميرة الأخيرة” عرض عروج الزواج على الأميرة زفيرة، لكنّ هذه الأخيرة كانت غاضبة لمقتل زوجها، فقامت بقتل نفسها على أن تعيش في ظل حكم عروج ريّس. لكنّ هذه الرواية التاريخية على عهدة القنصل الفرنسي، ويبدو أنّها رواية تمّ توارثها شفهياً في الجزائر، وليس لها سند تاريخي آخر غير رواية القنصل الفرنسي.
وبعد وفاتها حاول ابنها سالم استرجاع ملك أبيه، وذلك عبر الطريقة نفسها، الاستنجاد بالإسبان، فسافر إلى وهران لطلب مساعدة الممالك الإسبانية التي كانت تحتل وهران، لكن عروج ريّس استطاع هزيمتهم، وقُتل سالم ابن زفيرة وهو يحاول الانتقام لأمه وأبيه.
الأميرة زفيرة بين الحقيقة والخيال :
سبق وإن كتب الدكتور محمد دراج، أستاذ التاريخ بجامعة الجزائر، مقالا، نشرت صحيفة الشروق بعض من سطوره على موقعها سنة 2022، أين اعتبر أن ما جاء في هذا الفيلم تزييف وخروج عن الحقيقة التاريخية.
وقال الدكتور في مقاله تحت عنوان “أباطيل يجب أن تمحى من تاريخنا”، أن حكاية انتحار الملكة زفيرة زوجة سليم التومي ليلة إجبارها على الزواج من عروج بعد أن لفق هذا الأخير لزوجها تهمة التواطؤ مع الإسبان، ومن ثم قام بقتله، تعتبر واحدة من خرافات التاريخ، التي يتم تلويث عقول العامة بها.
وتابع أستاذ التاريخ الجزائري، ” أنه من المؤسف أننا نجد أناسا من قومنا ممن يحسبون على الثقافة والفن والأدب يروّجون لها على أنها حقيقة لا تشوبها شائبة”
وقال ايضا “ولكننا، عندما نضع هذه الخرافة في ميزان النقد والتمحيص، نجدها لا ترقى لأن توصف بأنها رواية تاريخية، فهي لا تعدو أن تكون حكاية مختلقة تروى في ليالي السمر”
واوضح الدكتور محمد دراج في نفس المقال “إن سبب مقتل سالم التومي ليس كما تروي الحكاية المزعومة، بل بسبب ثبوت تواطئه الفعلي مع الإسبان القابعين في قلعة البنيون.، وذلك بوقوع بعض رسائله التي كان يتبادلها مع قائد قلعة البنيون الإسباني، وتم عرض قضيته على علماء مدينة الجزائر الذين أفتوا كلهم باستحقاقه القتل وبأن دمه مهدور، وفعلا، نفذ فيه الإعدام بأمر من عروج، بناء على فتوى علماء الجزائر، وليس بناء على رغبة عروج في التخلص منه، كما يقول المفترون”
وأوضح الدكتور ” أن “يحيى بن سالم التومي الذي لجأ إلى الحاكم الإسباني في وهران المدعو دولكوديت، اعترف بخيانة والده، وقال له يحيى بن سالم التومي بالحرف الواحد: “إن والدي انذبح من أجلكم”، بحسب ما ورد في أحد التقارير المحفوظة في أرشيف سيمانكاس بإسبانيا”
وقال أيضا أن “حكاية زفيرة هذه على أهميتها، لم يرد ذكرها لا تلميحا ولا تصريحا في أي مصدر عربي أو عثماني أو أيّ وثيقة أرشيفية أو مراسلة رسمية يمكن الاعتماد عليها، ولو على سبيل الاستئناس بوقوعها، بصرف النظر عن تفاصيل الرواية المتعلقة بها، والمصادر التي تحدثت بإسهاب عن مرحلة عروج مثل مذكرات بربروس أو كتاب الغزوات بكافة نسخه المحفوظة في مكتبات الجزائر وتونس وباريس، وكذا تحفة الكبار لكاتب چلبي وغيرها، لم تشر لا من قريب ولا من بعيد إلى الحادثة، ما يعطي انطباعا عن اختلاقها وكذبها… ويزداد سوء الظن بها ورودها فقط في كتاب أو كتابين فرنسيين هما دوتاسي وآخر نسيته، وهما لم يكونا معاصرين للأحداث ولا شاهدين عليها ولا ناقلين لها عن مصدر موثوق يمكن أن نعود إليه للتأكد من صحة النقل عنه، بل حتى المراجع الحديثة المعاصرة التي دونت من طرف مؤرخين أو باحثين جزائريين مشهود لهم، لم يذكروا هذه الحادثة لا من بعيد أو قريب، وأذكر هنا على سبيل المثال الأساتذة: سعد الله وسعيدوني وبلحميسي وبن خروف ومروش وسعيود وحماش وبن خروف وهلايلي. وقبل هؤلاء، الجيلالي والميلي والمدني، وقبل هؤلاء، مؤرخو كتب الرحلات والمذكرات والأسرى من الأوربيين… باستثناء هذا دوتاسي الذي ضربت لروايته الطبل والزرنة”
وذكر الدكتور في مقاله أن القصة بشكلها الذي يروج له، لا تعدو أن تكون من تدبير دوتاسي “وغيره من الحكواتيين ليصنعوا للسذج من العامة تلك الصورة الخيالية التي تنتهي بهمجية عروج الذي حاول اغتصاب زفيرة في ليلة زفافها، وانتحارها على طريقة المسلسلات الهندية”.
وفي ختام مقالنا هذا وبغض النظر عن حقيقة إنتحار زفيرة من عدمه، فمن الجيد أن نرى أعمال سينمائية تتطرق إلى تاريخ الجزائر قبل الوجود الفرنسي .
المصادر:
arabicpost
echoroukonline
maghrebvoices
شاركنا رأيك في العالم يكتشف القصة المثيرة لآخر أميرة جزائرية… وكيف كانت الجزائر في القرن الـ 16