قصة الأسير الإيطالي الذي أصبح “أمير البحر” في الأسطول الجزائري

قصة الأسير الإيطالي الذي أصبح “أمير البحر” في الأسطول الجزائري

علي بتشين، واسمه الأصلي ألبيريكو بيتشينيني، هو بحار إيطالي وُلد في قرية ميرتيتو بمحافظة ماسا في مدينة توسكانا الإيطالية، وشاءت الأقدار أن يقع في حدود سنة 1578 أسيرا للبحرية الجزائرية التي أنزلته في ميناء مدينة الجزائر، ليبزغ نجمه لاحقا في سماء مزغنة، ويتحول إلى واحد من أهم رجالاتها السياسيين والعسكريين.

وعلى يد رفيقه القائد فتح الله بن خوجة بن بيري، الّذي كان يملك عدة بواخر وسفن تبحر بإمرته في محيط البحر الأبيض المتوسط، أسلم بيتشينيني في 1599، ليصير اسمه فيما بعد علي بتشين، الضابط الذي ارتقى المناصب العسكرية في البحرية الجزائرية إلى أعلى سلم فيها، ليتولّى قيادتها العامة في الفترة الممتدة بين 1630م و1646م، حائزا لقب “الرايس” علي بتشين، وهو ما يعادل رتبة “الأميرال” في عصرنا الحديث. وأصبحت تهتز له مدن وقرى بأكملها من الحوض المتوسط إلى المحيط الأطلسي، وإلى غاية عاصمة الخلافة العثمانية في إسطنبول.

حظي بتشين بعد إسلامه بمكانة الوجهاء ووقار العظماء بين أفراد المجتمع الجزائري، وزاده زواجه من الأميرة لالاهم بنت أحمد بلقاضي سلطان “كوكو” قوة ونفوذا، دعمته بهما منطقة القبائل التي ينحدر منها أنسابه، والتي أبدت تضامنها معه ووقوفها إلى جانبه حتى وهو يتحدَّى الباب العالي للسلطنة العثمانية التي كانت الوصية الشرعية على الجزائر في تلك الحقبة، حيث بلغ ارتباك السلطان العثماني وتخوفه من نفوذ علي بتشين إلى حد إرسال فرقة من خيرة عسكره في 1644 للقضاء عليه، ووضع حد نهائي لخطر سيد ريَّاس البحر الأبيض المتوسط الذي أضحى خروجه عن طاعة السلطان ظاهرا للعيان، وهي المهمة التي باءت بالفشل وانقلبت الأمور على أصحابها الذين لجئوا إلى دار الأمان بضريح سيدي عبد الرحمن الثعالبي بأعالي القصبة، هروبا من غضب بتشين وبطشه.

يقول التقليد إنه عندما شاهد علي بيتشن الأميرة لالا اللهوم، ابنة بن علي، سلطان شعب القبائل في الجزائر العاصمة، لأول مرة لم يستطع مقاومة الرغبة في حبها؛ كانت تعتبر أجمل امرأة على الإطلاق، وكانت جميع حواسه مضطربة، (ايمانويل دي ارانداو) أيامه مضطربة، برفقة لالا نفيسة، أرملة معلمه، رائد فتح الله بن خوجة، ذهب بيتشن إلى بن علي طلباً يد ابنته.

وضع بيتشين عند سفح سجاد الأميرة الجميل في بلاد فارس، والحرير وأبرشيات بلاد الشام، والماس من الهند، والذهب من البيرو، وأكثر من ذلك بكثير. نظرت لالا اللهوم إلى هذه الثروات بلا مبالاة: “لا، ليس لدي ما أفعله من كل هذا، أطلب من الخاطب أن يبني مسجدا لإثبات إيمانه”. تم بناء مسجد علي بيتشين في نفس العام، في عام 1622.

نحو عام 1639، عانت البحرية الجزائرية، بقيادة علي بيتشين، من أضرار جسيمة إلى جانب الأسطول العثماني ضد البندقية في أولونا (فلوري الحديثة، ألبانيا) على البحر الأدرياتيكي، وبناءا على ذلك، وعد السلطان التركي بدفع تعويضات لملك الجزائر، لكنه لم يرسل أبدا الدعم الموعود لإعادة إعمار الأسطول الجزائري.

رفع الغضب الشرعي لروسيا، اتخذ بيتشين قرارا بعدم مساعدة البحرية التركية في المستقبل، واخلال عام 1645، استدعى السلطان إبراهيم جميع السفن الحربية الجزائرية لمحاربة فرسان مالطا والبندقية، بالطبع بيتشين وقراصنته رفضوا الحضورـ وقد فسر السلطان هذا “العصيان” باعتباره عملاً من الخيانة العظمى، وأعطى السلطان أوامر سرا لأتباعه لتسمم بيتشن، وفقا للرأي العام، كان عبده الذي كان يُدفع من الذهب، هو الذي رسم ونفذ اغتيال بيتشين، بتسميم قهوته.

تم دفن بيتتشين في جبانة البشاويت (مقبرة الباشا) في حي باب الوادي، وتم اكتشافه مع آخرين كثيرين في عام 1831، وفي الواقع، قام الغزاة الفرنسيون في وقت لاحق من عام 1832 بتحويل مسجده إلى كنيسة كاثوليكية رومانية تسمى كنيسة نوتردام ديس. المنتصرون، كما فعلوا مسجد كتشاوة في القصبة الصغرى، في القيام بذلك، قاموا بتدنيس جبانة البشوات، ومباني جديدة بنيت على القبور.

تبرعت (آن جان ماري رينيه سافاري) بأراضي المقبرة للعديد من الضباط الذين قسموها إلى طرود، دون أي متاعب، اكتشفوا العظام التي تم شحنها إلى مارسيليا، كما يتضح من الرسالة التي كتبها إبراهيم باشا إلى ملك فرنسا في 2 فبراير 1831: “إن أكبر الألم الذي تم إحداثه في قلوبنا هو تدمير مقابرنا وفضح رفات أسلافنا المدنسين … هذا الظلم مؤلم، أن يتحمل، وهذا مخالف لجميع الأديان …. ”

كتب الدكتور سيجود في مقال نُشر في سيمافور مارسيليا، بتاريخ 2 مارس 1832: “رأيت سفينة جوزفين التي وصلت إلى الجزائر محملة بالعظام، وجماجم بشرية، وجثث اكتُشفت مؤخرًا”.

أنا الأميرال الإيطالي الجزائري المسلم علي بتشين
“هنا في مزغنة أنزلتني إحدى بواخر البحرية أسيرا، وهنا في مزغنة خلعت ثوب الكفر وتستّرت برداء الإسلام، ومن هنا بلغ صوتي مسامع حكام العالم وسلاطين زماني، ومن على عروشهم اهتزوا لاسمي وسلطاني، وهاهنا في ساحة الحمراء بنيت بيتا لله، هو ذلك الذي تقف أمامه في زمانك ذاك يا ولدي، وتقرأ السطور بحثا عن ذكراي. ”

المصادر:
wikipedia
elkhabar


شاركنا رأيك في قصة الأسير الإيطالي الذي أصبح “أمير البحر” في الأسطول الجزائري

شاهد ايضا