في الخامس عشر من مارس 1962، وقبل أيام قليلة من إعلان وقّف النار بين الحكومة المؤقّتة الجزائرية وسلطات الاحتلال الفرنسي، اغتالت “منظّمة الجيش السري” الفرنسية الكاتب الجزائري مولود فرعون برفقة عددٍ من زملائه في مقرّ عمله بأحد المراكز الاجتماعية في الجزائر العاصمة.
وُلد مولود فرعون في 18 مارس عام 1913، في قرية تيزي وزو لعائلة فقيرة، وفرعون ليس اسم عائلته، بل كانت السلطات الفرنسية في هذه الفترة تقوم بتسمية العائلات الجزائرية في القرى وقررت إطلاق هذا الاسم على أسرته، بينما كان الاسم الأصلي هو شعبان.
وعلى الرغم من فقره فقد استطاع مولود الالتحاق بالمدرسة الابتدائية في قرية “تاوريرت موسى”، ولم تردعه الظروف الصعبة عن إكمال دراسته الأولية، وبعدها خاض العديد من الصراعات ليلتحق بالمدرسة الثانوية، وقد كان المعتاد في تلك الفترة أن يترك الأطفال الدراسة بعد حصولهم على الشهادة الابتدائية، وبعد إنهائه الثانوية دخل مدرسة المعلمين بالجزائر العاصمة.
لم تكن مدرسة المعلمين لمولود فرعون مجرد مدرسة عليا يلتحق بها ليكمل تعليمه، بل هدفًا وضعه نصب عينيه منذ البداية.. أن يصبح معلمًا ويعود مرة أخرى إلى بلدته الصغيرة ليؤدي رسالته في تعليم صغارها.
وحقق مولود حلمه بحذافيره، فبعد تخرجه تم تعيينه عام 1935 في قريته مدرسًا، ثم التحق بعدها بمدرسته الابتدائية عام 1946 ليرد جميلها، وترقى في المناصب التعليمية حتى أصبح مديرًا لمدرسة “نادور” بالجزائر العاصمة عام 1957، وكان آخر مناصبه هو مفتش لمراكز اجتماعية عام 1960.
اغتياله..
في 15 مارس 1962 قبل أقل من أسبوع من قرار وقف إطلاق النار بين فرنسا والجزائر – 19 مارس – قامت مجموعة من الإرهابين أعضاء عصابة المنظمة السرية الإرهابية الفرنسية (OAS) باغتيال مولود فرعون بوضح النهار، حيث كان في اجتماع مع مجموعة من العاملين في قطاع التعليم، وقاموا بهذه الفعل بمنتهى الوحشية، حيث اقتادوا فرعون مع خمسة من زملائه خارج غرفة الاجتماعات، ثم أمروهم بوضع أيديهم اتجاه النهار وأطلقوا النار عليهم، لتضيف هذه الحادثة وصمة عار أخرى مع الكثير من الحوادث البشعة الأخرى التي اقترفها المستعمر الفرنسي ضد الشعب الجزائري.
لم يتم اغتيال مولود فرعون لكونه كاتب أو ناشط فقط، قتلوه لأن فعل قتل مواطن جزائري في ذلك الوقت كان يجري بدون تفكير بجريرة أو خوف من عقاب، كان فعلاً عادياً يحدث كل يوم.
وقد قال مولود فرعون عن قيمة حياة المسلم “كم تساوي حياة المسلم؟ إنها في هذه الحالة لا تساوي أكثر من طلقة مدفع رشاش، بل ربما تساوي أقل من ذلك” ربما كنبوءة مسبقة عما سيحدث له في المستقبل القريب.
عبارة مولود فرعون الخالدة التي تلخص سيرته الذاتية ومسيرته في الحرب على الاستعمار، فهو لم يرفع السلاح أو يطلق النيران، لقد كتب ما يريد التعبير عنه بلغة عدوه ونشرها في بلاده، لتظل حتى اليوم يعاد نشرها باللغة الفرنسية كتذكرة لأحفاد المستعمرين بجرائم أجدادهم.
وجد فرعون أن الكتابة عن جرائم الاستعمار وإبرازها في رواياته ومقالاته هي وسيلته المثلى للحرب، بالإضافة إلى أعماله التي خلدت التقاليد والهوية الأمازيغية لتظل باقية حتى الآن، وساعده على ذلك عمله بمهنة التعليم التي جعلته يختلط بكل طبقات المجتمع ويعايش هموم الطبقات الدنيا والفقراء، ليصبح هو صوتهم بالمجتمع.
وكذلك كان لفرعون نشاط نقابي، حاول من خلاله مجابهة نظام التمييز العنصري والذي أدى إلى تجويع الجزائريين وإذلالهم، حيث قام المستعمر بمصادرة الأموال والأراضي، ما دفع الكثير من الرجال لهجر بلادهم للعمل في المنفى، كما فعل والد مولود نفسه ووالد فيرولو في رواية “ابن الفقير”.
درات الكثير من المراسلات بين مولود فرعون والكاتب والأديب الفرنسي الذي وُلد في الجزائر، كان الحوار على الأغلب حول الأعمال الأدبية لكل منهما، ولكن ذلك لم يُنسي فرعون قضيته الأساسية وهي تحرير بلاده من الاستعمار الفرنسي، وقد أرسل له بعد قراءته رواية الطاعون التي تدور أحداثها في الجزائر رسالة يعبر فيها عن أسفه لعدم ذكر أي شخصيات من أهالي البلاد في الرواية، وعدم القدرة على التواصل بين المستعمر والجزائريين على الرغم من السنوات الطويلة التي عاشوها سوياً على أرض واحدة
على الرغم من شهرته الكبيرة إلى أنه ظلم كثيرا بقراءات تأويلية بعيدة عن مواقفه كجزائري، أبدع وأحب هذه الأرض وهذه البيئة وهذا الشعب المكافح.
شاءت الأقدار أن يستشهد قبل استقلال الجزائر بأيام إذ اغتالته المنظمة العسكرية السرية المناهضة للاستقلال في 15 مارس 1962.
شاركنا رأيك في الأديب الجزائري مولود فرعون …الروائي الشهيد صاحب رائعة “ابن الفقير”