كورونا/وهران: مسار عازل لضمان أقصى درجة من الحماية بالمؤسسة الاستشفائية الجامعية “أول نوفمبر”

 

وهران – بعد أن عينت المؤسسة الاستشفائية الجامعية “أول نوفمبر” بوهران كمركز مخصص للتكفل بمرضى الكوفيد19, قامت إدارتها بوضع مسار عازل “مؤمن بدرجة عالية” لاستقبال وفرز المصابين والتكفل بهم تجنبا للاختلاط بباقي المرضى, كما يؤكد مصمموه.

وصمم المسار بصفة تسمح بالتكفل بالمرضى في أجنحة خاصة بعيدا عن باقي المرضى الذين يتم علاجهم في مجالات استشفائية أخرى و تعتمد على منهج يسمح بإيواء الحالات حسب درجة إصابتها بفيروس كورونا, بداية من الحالات المشكوك فيها, إلى المؤكدة دون أعراض, ثم الحالات المصابة بأعراض متقدمة على غرار تلك التي تعاني من صعوبات في التنفس وأخيرا فضاء الإنعاش.

و تبدأ زيارة المسار بمركز الفرز الذي يستقبل كافة الحالات, أين يبقى المرضى خارج المبنى ويكتفي الطبيب المستقبل بطرح الأسئلة عبر فتحة في الباب. وبعد أن يستكمل الاستجواب, يقوم بتوجيه المرضى إلى مختلف المصالح بما فيها مركز الكوفيد19 داخل المستشفى.

ويبدو الجو غريبا ومختلفا عما يسود في المعتاد المؤسسة الاستشفائية الجامعية لوهران, إذ يكاد المكان يخلو من المرضى وعائلاتهم. و باغت سكون المكان صوت سيارة إسعاف جلبت مريضا من ولاية معسكر و هو في حالة حرجة. توقفت السيارة ونزل الأطباء المرافقون للمريض الذي يقبع مستلقيا فوق الحمالة خارج المبنى, فيما شرعت الطبيبة في طرح جملة من الأسئلة من وراء الحاجز.

وبدى المريض قلقا إذ لم يتوقف عن النظر حوله بعينيه المتعبة بالنظر الى الهالات السوداء التي تحيطها. و بعد دقائق من الصمت الثقيل الذي تبادل فيها الجميع نظرات حيرة, تكلم مرافق المريض من وراء كمامته ليرد على سؤال فريق وأج الذي كان يرتدي بدوره بدلة الحماية الخاصة بالأطباء, بأن المريض سينقل الى مصلحة أمراض القلب.

و إذا لوحظت على المريض أعراض داء كورونا, أو إذا صرح المريض احتكاكه بحالة مؤكدة, يحول إلى مبنى “الروضة” أين هيأت إدارة المستشفى مركزا للفحص والاستقصاء. و يستقبل الأطباء بهذا المبنى المكون من طابقين, لأول مرة,

الحالات المحتمل اصابتها بفيروس كورونا تخضع لفحص دقيق واستجواب معمق ثم يؤخذ القرار حسب الحالة.

فور الوصول إلى مبنى الروضة تتجلى حالة القلق والتوتر التي يعيشها الطاقم الطبي والمرضى على حد سواء. في قاعة الانتظار, بمدخل المبنى أين ينتظر بعض المرضى, يجلس شاب ثلاثيني رفقة زوجته التي تبدو قلقة. يسعل بشدة خلف كمامته, وتقوم هي بالتربيط على كتفه.

يقول الشاب أنه سائق سيارة أجرة ورغم أنه توقف عن العمل منذ فرض الحجر المنزلي, إلا أنه قلق لظهور أعراض من الحمى والسعلة التي لم تفارقه منذ أكثر من يومين. ويضيف أنه يخشى أن يكون قد أصيب بالعدوى أثناء عمله.

و تزداد حركة الطاقم الطبي برواق المبنى حيث يروح الأطباء والممرضين ويأتون بخطى متسارعة. بعد مرور بعض الوقت, بدأ الشاب وزوجته يلحون على معرفة نتيجة الفحص لأنهم ينتظرون منذ أكثر من ثلاث ساعات.

و توضح الدكتورة طيب, وهي مختصة في علم الأوبئة أوكلت إليها مهمة الإشراف على جناح الفحص والتوجيه, أن المريض خضع إلى فحص عبر جهاز السكانير وأن النتيجة ستأخذ بعض الوقت.

وتبرز نفس الاخصائية أن المصلحة تبنت الفحص بالسكانير بعدما تبين أن فيروس كورونا يترك ندوبا خاصة على مستوى الرئتين بعد مرور عدة أيام من الإصابة بالعدوى خاصة بعد ظهور المضاعفات التنفسية.

و في حالة سائق الأجرة, يمثل السكانير البديل الأمثل للتحليل في الكشف عن الإصابة بداء كورونا, لأنه يعاني من مشاكل رئوية. و تقول الدكتورة طيب أن المركز لا يحوز على الإمكانيات لإجراء التحاليل لجميع الوافدين (زهاء ثلاثين يوميا), و يجرى فحص بالسكانير للبعض, ويبقى البعض الآخر تحت الحجر على مستوى مبنى “الروضة”, فيما يطلب من البعض البقاء محجورين في بيوتهم.

أما الحالات التي تبدو فيها الأعراض واضحة وتلك التي كان فيها احتكاك كبير مع “حالة مؤكدة” فتوجه إلى مصلحة الأمراض الرئوية لفحص أعمق والعلاج في حالة تأكيد الإصابة.

 

–حالات دون أعراض, يصعب تصديق إصابتها بالداء–

 

من بين الحالات التي لا يبدو عليها أي عرض من أعراض الاصابة بفيروس كورونا, شابة عشرينية ووالدتها تقبعان بمصلحة الأمراض الصدرية بعدما تأكد إصابة خالها وزوجته بالوباء في نفس اليوم. و قالت الفتاة أنها مكثت هي ووالدتها ببيت خالها لبضعة أيام ما يجعل احتمال إصابتهن واردا.

ويشرف على المصلحة البروفيسور صالح للو الذي يتكفل بمتابعة وعلاج الحالات الخالية من الأعراض بمصلحة الأمراض الصدرية بالنسبة للذين لم تظهر عليهم صعوبات في التنفس و الذين يخضعون للعلاج بالكلوروكين. و يتابع البروفيسور للو حالتهم عن كثب, و إذا ظهرت عليهم مضاعفات تنفسية, يحولهم إلى مصلحة أمراض طب الأنف والحنجرة والأذن, المحاذي لقسم الإنعاش.

و يقول البروفيسور للو أن هذا الاختيار هدفه إمكانية تحويل المرضى إلى الإنعاش بأقصى سرعة, حيث أن ما يميز داء “كوفيد19”, أن المشاكل الرئوية يمكن أن تتطور و تتدهور في بضع دقائق.

و تبدو الحالات الماكثة بمصلحة الأمراض الصدرية وكأنها لا تعاني من أي مشكل صحي, حيث يصعب تصديق أنك أمام حالات “كوفيد 19”, كما هو الحال بالنسبة لزوج في الأربعينيات تأكد أنهما يحملان الفيروس.

ووافق الزوجين استقبال صحفية وأج داخل غرفتهما بالمستشفى, والحديث عن تفاصيل إصابتهما بالمرض حيث أفصحا أنهما أصيبا بالعدوى أثناء إقامتهما بإسبانيا منذ أكثر من ثلاثة أسابيع. ورغم أن الحجر لم يكن مفروضا بعد عند عودتهما, إلا أنهما قررا البقاء معزولين عن العالم.

وفي غرفة الزوجين, يبدو الجو هادئ, تحدث خلالها المريضان عن حالتهما بعفوية, لدرجة أنك تكاد تنسى أن الأمر يتعلق بمرض “قاتل” لولا الكمامات التي تحجب الأفواه.

 

–قسم الانعاش …جو جدير بأفلام الخيال العلمي–

 

يتغير الجو بصفة كاملة بمصلحة الإنعاش التي كانت تتكفل يوم زيارة فريق وأج, بسبع مرضى في حالة “خطيرة” و يبدو كل الطاقم الطبي في حالة تأهب.

وتبدو المصلحة التي يخيم عليها سكون رهيب وكأنها ديكور فيلم من نوع الخيال العلمي, يرتدي فيه الأطباء والممرضون بدلة شبيهة ببدلة رواد الفضاء.

ويمكث المرضى الموصولين بأجهزة التنفس الاصطناعي في غرف, يتوجب المرور عبر خمس أبواب للوصول اليها, وترتفع إجراءات الحماية بالنسبة للطاقم الطبي عند كل باب. و يؤكد البروفيسور بلعربي خمليش وهو رئيس مصلحة الإنعاش, أن حماية عمال الصحة يمثل “ضرورة قصوى” في كل مراحل علاج حالات كورونا, بتوفير كل أدوات الوقاية لهم, مشيرا إلى أن “خطر الإصابة يتضاعف بنسبة 150 بالمائة داخل الغرف التي يرقد فيها المرضى في مصلحة الإنعاش, أين يحتك  الطاقم الطبي بشكل كبير معهم لعلاجهم.

ويضيف المسؤول أن المصلحة تتوفر حاليا على 14 سريرا للإنعاش, يمكن أن تتضاعف لتصل إلى 34 اذا استلزم الأمر, و أن التكفل بهذه الفئة “مكلف ومجهد” للطاقم الطبي. وحسب البروفيسور خمليش فبالرغم من عدم امكانية الجزم بتعافي مرضاه إلا أنه يبقى متفائلا و يبذل ما بوسعه هو وفريقه لانقاذهم.

و عبر المختص عن أمله في أن يتناقص مرضى الكورونا داعيا الجميع الى التزام الحجر واجراءات السلامة للتمكن من الخروج من هذه الأزمة.