صناعة المهراس الخشبي, حرفة تحافظ على ريادتها في منطقة الحضنة

صناعة المهراس الخشبي, حرفة تحافظ على ريادتها في منطقة الحضنة

المسيلة – لا تزال حرفة صناعة المهراس الخشبي تحافظ على ريادتها بمنطقة الحضنة كأداة حصرية لتحضير طبق السلاطة مهراس أو الزفيطي وفق تسمية أهل الحضنة أو الباطوط حسب تسمية أهل طبنة (بريكة).

ويتوارث الحضنيون صناعة المهراس الخشبي جيلا بعد جيل ولم تتمكن مختلف الظروف سواء الناتجة عن التقدم الصناعي أو أخرى في التأثير على إنتاج واستعمال هذه الأداة التي يحضر ويأكل فيها الطبق في نفس الوقت.

وتعرف حرفة صناعة المهراس في منطقة الحضنة إقبالا ملحوظا، حيث لا تزال هناك ورشات مفتوحة تعمل على صنع هذه الأداة التي تمر عبر مراحل عديدة من أجل الحصول على شكله النهائي يختصرها عمر فوضيلي, حرفي في المجال من مدينة بوسعادة بولاية المسيلة, بالقول : “إن صناعة المهراس قد تستغرق أسبوعا كاملا حتى يكون جاهزا حيث يعمد الحرفي إلى البحث مطولا لاختيار الجذع المناسب لنحت المهراس على أن يكون هذا الجذع عادة لشجر البلوط أو الصنوبر أو الكاليتوس أو اللوز في أحيان أخرى”.

وأضاف الحرفي أن “العمل على الجذع يكون باختيار حجم مناسب حسب الطلب، ويشرع في إزالة الزوائد وتحضيره لعملية الحفر، حيث يتم تثبيته في موقع خاص لتبدأ عملية الحفر الداخلي للجذع بشكل دائري لبلوغ مهراس قطره حوالي 20 إلى 25 سم”.

وأوضح المصدر أن صناعة المهراس تتم يدويا بالاعتماد على أدوات بسيطة في غالب الأحيان تتلخص في مطرقة وسندان وقادوم ومسحج ومثقاب يدويين.

ويتعامل الحرفي بكل دقة وحذر مع الجذع المراد حفره خوفا من تشققه ويصبح غير صالح للاستعمال ويذهب المجهود سدى ليتم بعد ذلك صنفرة الخشب وتحضيره لأخذ شكل المهراس ثم تبدأ مرحلة أخرى وهي وضع المهراس في موقد لحرق الجهة الخارجية ومن ثم صباغته بلون يكون حسب طلب الزبون غالبا ما يكون بنيا أو مزيجا بين البني والأسود.

وأكد من جهته عياش دخوش, حرفي في صناعة المهراس الذي يتخذ من منطقة خباب ببلدية السوامع بولاية المسيلة موقعا لورشته, أن تكلفة المهراس تختلف حسب حجمه أو نوع الخشب المصنوع منه ما يصل إلى 2.000 دج أو حتى 12 ألف دج بالنسبة للمهراس المصنوع من شجرة البلوط أو ما يعرف عاميا ب “الكروش” وذلك بالنظر إلى صلابته وجودته, ويليه المصنوع من شجر الصنوبر ثم تأتي الأنواع الأخرى.

وفي هذا السياق, أكد مبرود دفي, رئيس الجمعية البوسعادية الخيرية لتطوير الصناعات التقليدية، أن حرفة صناعة المهراس لا تزال تحافظ على مكانتها في المجتمع البوسعادي ويعمل الحرفيون على ضمان توارث هذه الحرفة بين الأجيال وترقيتها والتعريف بها والترويج لها من خلال المشاركة في المعارض والمناسبات المختلفة.

 

إقبال كبير للزبائن على اقتناء المهراس

 

وأشار عمار توامة, وهو تاجر في محل يقع بسوق الصناعات التقليدية في مدينة بوسعادة, أن الإقبال على اقتناء المهراس لم يصبح حكرا على أهل المنطقة، بل أضحى يجذب زوار المدينة من السياح. وأضاف أن مهمة التجار والحرفيين هي الترويج للمهراس رغم هامش الربح “البسيط”, على حد قوله.

وخلال جولة في سوق الصناعات التقليدية, تم الالتقاء مع أحمد, وهو سائح قدم من الجزائر العاصمة خصيصا لاقتناء المهراس وصرح لوأج : “أصولي تنحدر من مدينة بوسعادة، ولا يمكننا التفريط في المهراس في المنزل”, مضيفا أنه ”يعتبر من الأواني الأساسية في كل بيت وخاصة خلال فصل الشتاء”.

وأكد في هذا السياق مدير السياحة والصناعات التقليدية لولاية المسيلة, رياض قاسيمي, أن “المهراس يمثل جزءا وإرثا حضاريا وتاريخيا لارتباطه الوثيق بالعادات القديمة للمجتمع المسيلي، وأنه لا يستغنى عن هذه الآنية الخشبية في المطبخ المسيلي إلى اليوم”.

كما أبرز أهمية الحفاظ على هذا النوع من الصناعة التقليدية عن طريق المساهمة في تكوين وتأهيل للحرفيين المختصين في مجال صناعة الأواني الخشبية وكذا إقامة معارض وتظاهرات ترويجية للمنتجات التقليدية وخاصة الأواني الخشبية التي تعاني من ضعف التسويق.

وللحفاظ على البيئة والغطاء الغابي اعتبارا من أن صنع المهراس الخشبي قد يضر بشكل أو بآخر بالثروة الغابية إذا تم قطع جذوع الأشجار بطريقة عشوائية, أوضح المكلف بالإعلام لدى محافظة الغابات محليا, علي بن زاهية, أن قانون الغابات 21/23 المؤرخ في 23-12-2023 يمنح رخصا خاصة لاستغلال هذه الفئة من أجل تماشي ديمومة الغابة مع الدور الاقتصادي لها، حيث تم تشكيل جمعية منتجي الخشب في كل ولاية لكي تمارس نهج تشاركي في إدارة الغابات, مضيفا أن هذه الرخص يتم الحصول عليها عبر مزايدات لبيع الخشب لصالح الحرفيين والتجار والنجارين.