ذكرى احتلال مدينة الأغواط: مجزرة من أبشع صور سياسة الأرض المحروقة

الأغواط – يعد احتلال جيش الاستعمار الفرنسي لمدينة الأغواط يوم 4 ديسمبر 1852 واحدا من أبشع صور سياسة الأرض المحروقة التي انتهجتها فرنسا الاستعمارية والتي استعملت فيها مواد كيميائية سامة، حسبما جاء في تصريحات أحد المؤرخين بالأغواط.

وفي إطار تخليد هذه الذكرى التاريخية الأليمة التي تمر عليها اليوم الأحد 170 سنة، اعتبر رئيس قسم التاريخ بكلية العلوم الإنسانية والإسلامية والحضارة بجامعة عمار ثليجي بالأغواط, معمر جعيرن, أن ما ارتكبته قوات الاستعمار لدى احتلالها لمدينة الأغواط ردا على المقاومة الشرسة التي كان يقودها مقاومون أشاوس على غرار الشريف بن عبد الله وناصر بن شهرة يعد واحدا من أفظع الجرائم التي اقترفتها قوات الاستعمار ضد الشعب الجزائري الأعزل في مسار ممارستها لسياسة الأرض المحروقة، وتحقيقا لأطماع الاستعمار التوسعية لاحتلال جنوب الجزائر.

وأوضح الأستاذ جعيرن أن قوات الاستعمار الفرنسي قامت نهاية نوفمبر وإلى غاية الثاني من ديسمبر 1852 بقصف منطقة الأغواط بقذائف معبئة بغاز الخردل والكلوروفورم وهي مادة كيميائية سامة تتسبب في التهابات حادة في أنسجة الرئة، وتحدث اختناقا شديدا يؤدي إلى الموت.

وأضاف أن اقتحام مدينة الأغواط تحول إلى مذابح شنيعة لمعاقبة الساكنة الذين تم التعامل معهم على أنهم أعداء محاربون، كما سجل سقوط قتلى في صفوف الجيش الفرنسي كان من بينهم الجنرال بوسكارين، الأمر الذي زاد الجنود الفرنسيين رغبة في الانتقام من الساكنة حتى يكونوا عبرة لساكنة المدن الأخرى في جميع أنحاء جنوب الجزائر.

وأسفرت هذه المجزرة على استشهاد حوالي ثلثي ساكنة الأغواط (ما بين 2.500 و3.000 من إجمالي 4.500 ساكنا من المتبقين في المدينة المحاصرة) بما في ذلك النساء والأطفال.

وخلفت المجزرة صدمة عميقة في أوساط ساكنة مدينة الأغواط الذين لا زالوا يعانون من آثارها إلى اليوم حيث تعرف بـ “عام الخلية” (أي ما يعني سنة إفراغ مدينة الأغواط من ساكنتها)، كما تعرف أيضا بـ “عام الشكاير”، في إشارة إلى الطريقة التي وضع بها الرجال والأطفال وهم على قيد الحياة في أكياس الخيش والإلقاء بهم في حفر الخنادق، وفق السيد جعيرن.

وكانت النساء اللائي بقين على قيد الحياة في حالة من الخوف الشديد على أطفالهن الصغار الذين تعتقلهم القوات الفرنسية، ولم يجدن طريقة لحمايتهم من هذه الوحشية سوى إخفائهم بالتمويه، وذلك بإلباس الذكور ملابس الفتيات ووضع أقراط على أحد الأذنين، حيث ظل الأمر تقليدا في المنطقة لحماية الأولاد الصغار من ما يعتقد أنه “شر”، بارتداء حلق حتى اليوم.

ويرى الأستاذ جعيرن أن درجة وحشية مذبحة الأغواط كانت بمثابة استعراض للقوة، وجزء من تكتيك الأرض المحروقة الطويل الذي استخدمه ثلاث جنرالات فرنسيين للاستيلاء على المدينة المحصنة، من خلال إصدار أمر بتصفية الساكنة.

وذكر بالمناسبة ما أفاد به في مذكرات أحد الضباط الفرنسيين عن هول المجزرة، وكان شاهدا عليها بقوله: “عندما أخفينا كل الموتى لم يبق أحياء في المدينة إلا عساكر الحملة، كل البيوت كانت فارغة من أفقرها إلى أغناها، كانت كمدينة هجرت”.

وأضاف الضابط الفرنسي قائلا: “وفي رحاب هذه المدينة السوداء الصامتة تحت أشعة الشمس، شيء يوحي أني داخل إلى مدينة ميتة، حيث كانت المجزرة رهيبة وكانت المساكن والخيام والأزقة والطرقات مليئة بجثث الموتى وقد أحصيت أكثر من 2.300 قتيلا بين رجال ونساء وأطفال. لقد كان لزاما لفرنسا هذا الهولوكوست لتثبت عظمتها للقبائل المحاربة في الصحراء”.

ويقول القائد العسكري الفرنسي إيجين فرومانتان في مذكراته: “كانت محنة مروعة رهيبة، رأيت جنديا واقفا أمام الباب يملأ بندقيته التي اصطبغت بالدم، وجنديين فرنسيين آخرين يجريان وهما يملآن قبعاتهم العسكرية بالحلي المنهوبة من جثث النساء المرمية، وكانت فتاتين مسكينتين مطروحتين أرضا بلا حراك، واحدة ممدودة على الأرض، والأخرى ملقاة على درج رأسها يتدلى نحو أسفله، وكان يقوم عسكري بنزع ما تحمله في جسدها من حلي ذهبية وفضية، فيما كانت امرأة ثالثة تحتضر، وبقبضة يدها زر بدلة عسكرية الذي اقتطعته من بدلة قاتلها”.

وأشار الأستاذ جعيرن بالمناسبة الى أن قسم التاريخ بالجامعة يولي أهمية بالغة للمقاومة الشعبية بالأغواط، مبرزا أن طلبة التاريخ سيظلون يحافظون على ملاحم وبطولات تلك المقاومة وتلقين مآثر الأجداد الأبطال للأجيال الناشئة.

وستظل هذه المقاومة الشعبية فخرا في سجل نضالات الشعب الجزائري، فيما ستبقى تلك الأعمال الهمجية وصمة عار في جبين المستعمر الفرنسي.

اقرأ المزيد