سيدي بومدين…الجزائري الذي قاد جهاد المغاربة في القدس

سيدي بومدين…الجزائري الذي قاد جهاد المغاربة في القدس

الشيخ سيدي أبو مدين شعيب بن الحسين الأنصاري (509 هـ/ 1115 م – 594 هـ/ 1198 م) المعروف أيضا باسم سيدي بومدين أو بومدين سيدي الصوفي، كان باحثا وكاتبا وشاعرا، وهو مؤسس واحدة من أهم مدارس التصوف في بلاد المغرب العربي والأندلس، ولقب ابن عربي أبو مدين “معلم المعلمين”. هو الشيخ شعيب بن الحسن الأندلسي التلمساني من مشاهير السادة الصوفية أصله من الأندلس، وأقام بفاس وسكن بجاية في الجزائر، وكثر أتباعه حتى خافه السلطان يعقوب المنصور وتوفي بتلمسان سنة 594هـ عن عمر ناهز الثمانين.

ولد سنة 509 هـ/ 1115 م لعائلة ذات أصول عربية في مدينة قطنيانة بالقرب من إشبيلية، ونشأ على تعلم القرآن وهو مشتغل برعي الغنم لأهله، وازداد اهتمامه بالقرآن فعزم على حفظه، فقرر الارتحال لبلاد المغرب، وهو في رحلته لطلب العلم جال مدن سبتة وطنجة بالشمال، واشتغل مع الصيادين ثم انتقل إلى مراكش بالجنوب وانخرط في سلك الجندية وفيها نصحه أحدهم بالتوجه لفاس.

«سرت إليها ولازمت جامعها ورغبت في من علمني أحكام الوضوء والصلاة ثم سألت عن مجالس العلماء فسرت إليها مجلسًا بعد مجلس»

سافر أبو مدين إلى فاس وهناك أخذ عن شيوخ ولازمهم ومال عن آخرين، وممن لازمهم وأخذ عنهم: الشيخ أبو يعزى بلنور (توفي 572 هـ)، والشيخ علي بن حرزهم (توفي 559 هـ) الذي قرأ عليه «الرعاية» للمحاسبي، والشيخ أبو الحسن بن غالب أخذ عنه كتاب السنن للترمذي، والشيخ أبو عبد الله الدقاق أخذ عنه التصوف.

بعد أن نهل من زاد التصوف على شيخه أبي الحسن، قرّر أبو مدين التوجه إلى الشرق قصد أداء مناسك الحج، وهناك التقى بالعلامة عبد القادر الجيلاني مؤسس الطريقة القادرية، وسمح له اللقاء بالحصول على أسرار طريقة الشيخ عبد القادر الجيلاني، وعلى علوم ومعارف أخرى ثقافية واجتماعية وسياسية. يقول عبد الحليم محمود في كتابه سابق الذكر: «لقد تثقّف سيدي أبو مدين كأحسن ما يكون المثقف، تثقّف من مصادر أصلية: القرآن الكريم، والسنن، والإحياء، والرعاية، والرسالة القشيرية، وكان يصاحب في دراسته القمم: السنة النبوية، والحارث بن أسد المحاسبي، وحجة الإسلام، والإمام القشيري، وقد درس الفقه أيضًا، وله فيه فتاوى نفيسة، ودرس التفسير، وامتزج قلبه بنور القرآن، وكان عابدًا، فاجتمع له العلم والعبادة، فكان الشخصية الإسلامية المتكاملة، فلقد كان متفنّنًا في علوم الإسلام المختلفة، نقليًّا وعقليًّا، وبعد هذه الرحلة الطويلة إلى المشرق، والتي دامت أكثر من عقدين من الزمن، قفل أبو مدين شعيب راجعًا إلى بجاية».

في بجاية يذكر ابن قنفذ في كتابه «أنس الفقير وذلّ الحقير» أنّ أبا مدين وجد الراحة والطمأنينة التي طاب له بها المقام معلمًا ومربيًا، فتخرّج على يده ألف تلميذ وجميعهم من العلماء، ولذلك يقال له «شيخ مشايخ الإسلام، إمام العباد والزهاد»، كما كان لأبي مدين الفضل في نشر الإسلام في بلدان غرب أفريقيا، والطريقة المدينية التي انبثقت عنها لاحقًا الطريقة الشاذلية، والعديد من المذاهب الصوفية التي تنتشر اليوم في سائر الجزائر والمغرب.

من بجاية إلى القدس.. الشيخ يقود المغاربة للجهاد مع صلاح الدين

في الوقت الذي كانت فيه القدس ترزح تحت حكم الصليبيين، كان أبو مدين يبثُّ في محبيه وتلاميذه المغاربة روح الجهاد في سبيل تحرير بيت المقدس، وأثناء عودته من الحج مع الوفد المغاربي، انخرط أبو مدين مع تلاميذه في جيش صلاح الدين الأيوبي في معركة حطّين الشهيرة التي انتصر فيها جيش صلاح الدين، وفتحت من خلالها مدينة القدس، وكان للمغاربة دورٌ مهم في حيثياتها، فكان أن فقد أبو مدين الغوث ذراعه في تلك المعركة.

وعرفانًا لجهاد أبي مدين والمغاربة الذين معه، ومشاركتهم في تحرير القدس من قبضة الصليبيين، أوقف ابن صلاح الدين الأيوبي وقفيةً امتدت من باب المغاربة حتى باب السلسلة، وأوقف خصيصًا مزارع وبيوت وأملاك عديدة في قرية عين كارم لأبي مدين وجنده. ولا تزال صورة الوقفية محفوظة في سجلات المحكمة الشرعية في بيت المقدس.

وعرفانًا لجهاد أبي مدين والمغاربة الذين معه، ومشاركتهم في تحرير القدس من قبضة الصليبيين، أوقف ابن صلاح الدين الأيوبي وقفيةً امتدت من باب المغاربة حتى باب السلسلة، وأوقف خصيصًا مزارع وبيوت وأملاك عديدة في قرية عين كارم لأبي مدين وجنده. ولا تزال صورة الوقفية محفوظة في سجلات المحكمة الشرعية في بيت المقدس.

وقبل وفاة أبي مدين الغوث أُضيفت أجزاء من قرية عين كارم التي تقع بضواحي القدس الشريف، وقرية إيوان التي تقع داخل المدينة القديمة إلى وقف المغاربة في القدس. كما أوقف أبو مدين سكنًا للواردين من المغاربة سمّي بزاوية سيدي أبي مدين الغوث، وجاء في وثيقة الوقف: «أوقفها بأموالها ومياهها وآبارها وسواقيها وسهلها ووعرها ومبانيها وقفًا لله يصرف للسابلة من المغاربة المارين والمنقطعين للعلم والجهاد المرابطين على وصية صلاح الدين الأيوبي».

دوّنت وثيقة أوقاف أبي مدين لأول مرة سنة 666هـ الموافق لـ1267م، وأعيد تدوينها في عام 1004هـ الموافق لـ1595م، وبقيت هذه الأوقاف صامدة لأكثر من ثمانية قرون قبل أن يسيطر عليها الاحتلال الإسرائيلي سنة 1948 ويستولي عليها بالكامل. وفي حوارٍ صحافي مع جريدة الأهرام المصرية كشف عبد اللطيف أبو مدين -أحد أحفاد أبي مدين الغوث- عن رفع عائلة أبي مدين دعوى قضائية أمام محكمة العدل الدولية للمطالبة بحقوقهم التاريخية في هذه الوقفية.

يذكر عبد الحليم محمود في كتابه عن أبي مدين أنه بعد عودته من القدس، آثر أبو مدين النزول في مدينة بجاية (شرق الجزائر) والإقامة بها، وهناك رزق بابنه مدين، وظل يمارس الوعظ والإرشاد في جامع البلدة، وتعليم مريديه وتلاميذه الحكم الغوثية في مدرستها حتى بلغ الثمانين من عمره، كما كان يدرّسهم كتاب «المقصد الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى» للإمام الغزالي، وهو الكتاب الذي كان أبو مدين متحفظًا في تدريسه لطلابه إذ كان يمنعهم من أن يكتبوا ما يلقنهم عن الكتاب.

ولمّا ذاع صيته في بلاد المغرب، واتسعت شهرته في الآفاق؛ وشى به بعض علماء الظاهر إلى ملك الموحدين يعقوب المنصور، فتوجّس المنصور خيفة من شعبيته الفائقة وشهرته، فكتب إلى والي بجاية يأمره بأن يرسل الشيخ أبا مدين إليه. فشقّ طلب الملك المنصور على أهالي بجاية، وعزّ عليهم فراق شيخهم، وخافوا عليه وأبوا أن يغادرهم، طمأنهم أبو مدين بأن إجابة ولي الأمر هي من طاعة الله، وأنه شعر بدنوّ أجله الذي قد يتوفاه قبل الوصول إلى قصر الملك في مراكش، كما أنه سيدفن عند قوم آخرين برفقٍ وإحسان.

توقّع أبي مدين كان في محله، فسرعان ما توفاه الله وهو في طريقه إلى الملك المنصور بسبب مرضٍ ألمّ به، فما إن شارف تلة العبَّاد بتلمسان حتى قال: «هذه تربة العبَّاد ما أحلى بها الرقاد» ليتوفى أبو مدين سنة 594هـ، ويُدفن في تلمسان، ويبقى ضريحه إلى اليوم يعرف توافدًا للمغاربة، كما اختار أحفاده الإقامة في مصر لاحقًا.

 

المصادر:
sasapost
wikipedia
alhirak


شاركنا رأيك في سيدي بومدين…الجزائري الذي قاد جهاد المغاربة في القدس

شاهد ايضا