من هو رجل الأعمال الإيطالي أنريكو ماتي…صديق الثورة الجزائرية

من هو رجل الأعمال الإيطالي أنريكو ماتي…صديق الثورة الجزائرية

صديق الثورة الجزائرية، أنريكو ماتي (1906-1962) شخصية بارزة للتعاون الاقتصادي و الصداقة بين الجزائر و ايطاليا دافع عن قضية الشعب الجزائري عملا و قولا ، على مدار سنوات

سياسيي ورجل اعمال واداري بارز في مجال انشاء شركات صناعة النفط ولد انريكو ماتي Enrico Matt بمدينة ” اكوالانغا ” وهي في الوسط الشرقي من إيطاليا سنة 1906م، تولى بعد الحرب العالمية الثانية مهمة ألغاء وتصفية شركة ” jip ” النفطية المتهمة أدارتها بأنها موالية للعهد الفاشي الإيطالي الذي قاده الزعيم بينيتو موسوليني بينيتو موسوليني سنة 1922 م، في حين أن شركة ” ajip” تم تأسيسها في روما سنة 1926م وهي شركة عملاقة في مجال البحث والتنقيب والتكرير وتصفية المشتقات البترولية الإيطالية حول العالم حيث بنية على أنقاضها شركة eni “ايني” 1953م التي بالفعل كانت رائدة في هذا المجال تاريخيا، هذا وأطلق ماتي مصطلح الأخوات السبع و كان يعمل دائما على وقف احتكارها لصناعة النفط العالمية حيث كانت تسيطر على 80% من الأعمال البترولية حول العالم . أما الشركات اليابانية والألمانية والإيطالية وهم حلفاء في الهزيمة خلال الحرب العالمية الثانية فقد أصبحت في تلك المرحلة خارج المنافسة الحقيقية الدولية في مجال صناعة النفط لذلك كان دائما ينتقد الأخوات السبعة كما اطلق عليها ويشتكي في المحافل والمؤتمرات الدولية من احتكارها وطالب بالأسواق المفتوحة بعيدا عن صبغة المستعمر القديم حيث تتواجد أحواض البترول بالدول التي كانت تتبع المستعمر البريطاني والفرنسي والهولندي بالإضافة طبعا للولايات المتحدة المهيمنة آنذاك على اقتصاديات العالم الحر قبل سقوط الاتحاد السوفياتي سنة 1989 م ومنها دول أمريكا اللاتينية ،

وفي سنة 1948 م اصبح ماتي عضوا بالبرلمان الإيطالي حتى سنة 1953 م و استطاع بعد جهدا كبير أنشأ شبكة اتصالات دولية مع موسكو والقاهرة وطهران ويوغوسلافيا وتونس والمغرب وفنزويلا لتطوير أعمال النفط لديهم عبر الشركات الإيطالية التي كانت رائدة في مجال الطاقة ومنح عروض مغرية وبأسعار مدروسة وامتيازات جمة منها تدريب الكوادر الوطنية ومنح تعليم في إيطاليا والاعتراف باستقلال الدول التي كانت لا تزال تحت الاستعمار ومنها الجزائر حيث تواجه مع اليمين الفرنسي المتطرف واستطاع محاربة احتكار الأخوات السبع وشجع الشركات اليابانية والألمانية على دخول السوق مجددا وفتح أسوق جديدة في أفريقيا واسيا وأمريكا اللاتينية ويقول الباحث الاقتصادي الفرنسي غاستون رايموندي انريكو ماتي هو المسبب الحقيقي لأنشاء تحالف الدول الصناعية السبعة حيث بدئت الهيئات الاقتصادية التابعة لتلك الدول التفكير بعدم المنافسة والاحتكار وانه يجب احتواء الشريك الأخر وكان اجتماعهم الأول سنة 1976 م، وفي سنة 1962م كان ماتي في رحلة داخلية ما بين مدينة صقلية و ميلانو برفقة كل من الصحفي الأمريكي “تايم لايف ويليم مايكل” و قائد الطائرة ” ارني ريو بر وتوزي “،حيث تعرضت الطائرة لحادث أدى لسقوطها فقتلوا جميعا و تم فتح تحقيق بالحادث و لكن نتائجه ما ذلت مبهمة إلى حينه

القضية الجزائرية
أنريكو ماتي لم يرضخ اطلاقا لمختلف الاغراءات الفرنسية التي أتيحت له من أجل التخلي عن دفاعه على القضية الجزائرية.
لعب دورا محوريا في المفاوضات وخاصة حول ملف الصحراء الجزائرية ، زود المفاوضين بايفيان بملفات أبهرت الفرنسيين وجعلتهم يرضخون للأمر الواقع.

ربط ماتي علاقات وطيدة مع ممثلية جبهة التحرير الوطني بروما و التي كان يرأسها آنذاك الطيب بولحروف . هذه العلاقة أتيحت له أيضا فرصة اللقاء بالعديد من قادة الثورة في كل من روما و ميلانو و سويسرا والقاهرة و كان من هؤلاء الذي التقى بهم انريكو مايتي نذكر: بن يوسف بن خدة – أحمد بومنجل – امحمد يزيد- محمد الصديق بن يحي و عبد الحفيظ بوصوف فنسج علاقات وطيدة و عميقة مكنته من معرفة الثورة عن قرب و ما كانت تحتاجه من دعم مادي و معنوي.
و في إحدى لقاءات ارنريكو مايتي مع عبد الحفيظ بوصوف مهندس المخابرات و الاستخبارات الجزائرية طلب منه أن يتدخل ويتوسط له عند الملك ادريس السنوسي بليبيا من أجل منح شركته امتيازات البحث و استغلال البترول بالصحراء الليبية فتمكن عبد الحفيظ بوصوف من اقناع السنوسي بضرورة مساعدته نظير الخدمات التي يقدمها للثورة و التعريف بها بإيطاليا و دعمها اعلاميا في الاوساط الايطالية و حتى الدولية .

• انريكو مايتي يدعم الوفد الجزائري بايفيان بوثائق هامة تبهر الفرنسيين
يعد ملف المحروقات من بين أكبر نقاط التفاوض بين الطرفين الجزائري و الفرنسي إلا أن الطرف الفرنسي كان يمتنع عن فتحه و الخوض فيه بحجة أان الصحراء تعد إقليما فرنسيا لا يدخل ضمن عرض تقرير المصير و هذا الذي جعل أغلب لقاءات التفاوض تفشل بسبب تعنت الطرف الفرنسي لرأيه.
الخبرة التي كان يتمتع بها انريكو ماتيي ومشورته الحكيمة استهوت مجموعة العمل الجزائرية إلى حد كبير في تحديد الطرق الرئيسية لاستراتيجية التفاوض مع الطرف الفرنسي فيما بعد.
لقد كان دوما يزود الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية بكل المعلومات والوثائق الكاملة بما في ذلك القوانين و الأنظمة التي تتحكم في المجال النفطي بالإضافة لمختلف العقود و السندات و الأسعار و المؤشرات لجميع الشركات العاملة في الصحراء الجزائرية مع تحديد رؤوس أموالها و عائدات فرنسا من نفط الجزائر ليضع هؤلاء المفاوضين في الصورة .
لقد لعب لمايتي دورا هاما في المساهمة في تحضير و إعداد ملفات المفاوضات ايفيان بشأن قضية استغلال البترول في الصحراء و بفضل خبرته و حنكته و إلمامه بالموضوع من كل جوانبه سهل لوفد المفاوضين الجزائريين من تأسيس دفاعهم و أطروحاتهم من أجل الحفاظ على التراب الوطني كاملا غير منقوص.

كما كان دوما بإتصال مع أعوان عبد الحفيظ بوصوف و منهم لعروسي خليفة و رضا رحال و غيرهم حيث قدم انريكو مايتي خبرته و معرفته لقطاع المحروقات و منها الهمت الخطوط العريضة للاستراتيجية التفاوض مع الجانب الفرنسي و هذا ما أثار دهشته خلال استئناف الرسمي للمفاوضات بلي روس بتاريخ 11 فيفري 1961 حيث كانت المفاجأة كبيرة للوفد الرسمي الفرنسي عندما أطلع على هذه الحجج و الوثائق وبناء على ذلك قدم الوفد الجزائري المفاوض ستة نقاط أساسية و هي:
01- السيادة الكاملة للدولة الجزائرية على كل الثروات النفطية و المعدنية بما فيها الباطنية.
02- احلال الدولة الجزائرية للدولة الفرنسية في جميع الأصول التي تحتفظ بها في الشركات العاملة.
03- لا يجوز تنازل جديد للبحث و الاستكشاف و الاستغلال.
04- لا يجب إحداث أية تعديلات في الأسعار المرجعية للنفط و الغاز.
05- لا يجب إجراء أي تغيير على رأس المال في الأصول من أسهم الدولة الفرنسية .
06- لا يجب إدخال أية تغييرات على معدل الضرائب الموجود سابقا.

• انريكو مايتي يسخر وسائل الاعلام الايطالية لخدمة الثورة
وسع انريكو مايتي نفوذه السياسي و الاعلامي من خلال امتلاكه لأسهم معتبرة في العديد من وسائل الاعلام الايطالية و منها جريدة اليوم llGiorno و كدا تمويل الأحزاب القريبة من اليسار الديمقراطي للدفاع عن القضية الجزائرية و التعريف بها لدى الأوساط الايطالية و العالمية .
جريدة اليوم llGiorno كانت من بين الجرائد الايطالية التي التزمت بوضوح موقفها حول القضية الجزائرية و الذي كان أكثر وضوحا و تأييدا لها و أكثر انتقادا للسياسة الفرنسية بالجزائر .
وفي نوفمبر 1957 تنشر جريدة اليوم llGiorno مقالا افتتاحيا لمديرها جيتانو بالدكسي الذي يحتج على ما تدعيه فرنسا أن الصحراء ملك لها و ثرواتها تعود لها و يطالب بإحقاق السلم في الجزائر.
قام انريكو مايتي بتجنيد الطبقة السياسية الايطالية لدعم القضية الجزائرية إلى درجة أصبحت فيها ايطاليا البلد الأوروبي الوحيد حيث بإمكان جبهة التحرير جبهة الوطني تفعيل نشاطها السياسي و الدبلوماسي دون عوائق .
كما بعث انريكو مايتي أقرب معاونيه و هو ماريو بيراني Mario Piraniو هو صحفي بجريدة روبيبليكا Republica إلى تونس في جانفي 1962 لإجراء لقاءات مع عبد الحفيظ بوصوف و كريم بلقاسم و محمد الصديق بن يحي و لمناقشة القضايا السياسية و الاقتصادية و لاسيما قضية المحروقات مع أعضاء وزارة التسليح و الاتصالات العامة المكلفين بملف المحروقات و منهم محمد خلادي رضا مالك و قاصدي مرباح و حمود حمرة كروة.
شبهات حول تورط فرنسا في مقتل ماتي !
كانت ترى وزارة الخارجية الفرنسية أن أراء جريدة اليوم هي أراء ارنريكو مايتي معتبرة أياه الناطق الرسمي للسياسة الخارجية لإيطاليا خاصة في تعاطيه مع الملف الجزائري و قد حاولت مرارا استدراجه و استمالته ولم تتوقف عند هذا الحد فقط بل عرضت عليها عدة امتيازات للاستثمار بالصحراء الجزائرية نظير توقفه عن دعم الملف الجزائري غير أنه فضل أن يدعم جبهة التحرير الوطني في كفاحها العادل.
وفي 27 اكتوبر 1962 تعرض ارنريكو مايتي إلى حادث تحطم طائرته التي كانت متجهة من كاتانيا بصقيلية نحو مطار ميلان حيث دهب ضحيتها مايتي رفقة قائد الطائرة Irnerio Bertuzzi و الصحفي الامريكي ويليام مكهالWilliam McHale من جريدة تايم لايف Time-Life.

و الحقيقة أن الكثير من الأطراف لديها مصلحة من مقتل مايتي و منها :
– الاخوات السبع أو الشركات الانجلو امريكية التي كانت تحتكر السوق النفطية في العالم حيث أان شركة ايني ENI اتي كان يديرها مايتي أثرت على مردودية هذه الشركات و انقصت من ابرام عقود جديدة خاصة مع المغرب و ليببا و بلدان اخرى من العالم .
– لا يستبعد أيضا أن وكالة الاستخبارات الامريكية قد لعبت دورا بارزا في قضية مايتي لان منذ اعتلاءه الشركة غير بعض الشيء من السياسة الطاقوية بحوض البحر الابيض المتوسط و أحدث أيضا اختلالا في القوى الجوسياسية بالعالم.
– عرفت تلك المرحلة تصاعد من حدة التوتر بين القطبين الرأسمالي و الاشتراكي و خاصة أثناء ازمة الصواريخ بكوبا و ميل السياسة الايطالية للروسيا ،هذا ما جعل الولايات المتحدة الامريكية تتخوف أكثر من التحاق بعض الدول الأوروبية بركب ايطاليا .
– لفرنسا أيضا مصلحة للقضاء على مايتي لأ نه وقف في وجهها و ساند القضية الجزائرية منذ بدايتها و رغم الامتيازات و التسهيلات التي منحت له من أجل استغلال حقول النفط بالصحراء الجزائرية إلا أنه رفض كل ذلك و فضل التفاوض مع جبهة التحرير الوطني.
– وقد تكون داخلية بسبب امتلاك شركة اينيENI لمصادر القرار و تحكمها في كل كبيرة وصغيرة في السياسة الداخلية و حتى الخارجية لإيطاليا.
وقد كان نفوذ الشركة واسعا و من المحتمل أن تكون بعض مراكز القرار و المافيا الايطالية قد تضايقوا من نشاط مايتي الذي قلص من نشاطهم و مس مصالحهم الاستراتيجية التي لا يجب اللعب بها

توفي ماتيي شهرين بعد استقلال الجزائر في حادث تحطم طائرة في ظروف غامضة، وبعد فتح التحقيق لاحقاً اتضح وجود بقايا متفجرات في طائرته ..

حديقة عمومية بالجزائر العاصمة تحمل اسم صديق الثورة الجزائرية الايطالي أنريكو ماتيي

المصادر:
wikipedia
aps.dz
الجزائر الآن


شاركنا رأيك في من هو رجل الأعمال الإيطالي أنريكو ماتي…صديق الثورة الجزائرية

شاهد ايضا