رحلة رائعة في القصر القديم بتمنطيط… معلم ضارب بجذوره في عمق التاريخ

رحلة رائعة في القصر القديم بتمنطيط… معلم ضارب بجذوره في عمق التاريخ

تزخر ولاية أدرار بإمكانيات سياحية هامة، خاصة في مجال السياحة الدينية، حيث تتوفر هذه الولاية على قصور عديدة يمكنها أن تتحول إلى قبلة لملايين السياح من داخل وخارج الوطن، إذا لقيت العناية الكافية و الترويج المستمر لها، ومن أهم هذه المعالم السياحية، القصر القديم بتمنطيط الضارب بجذوره في عمق التاريخ الإسلامي.

يعد قصر تمنطيط الواقع على بعد 12 كلم جنوب أدرار، واحدا من أبرز الحواضر العريقة التي عرفتها منطقة صحراء وشمال إفريقيا خلال القرون الماضية، والذي يظل من الشواهد التراثية التي تستدعي بذل مزيد من جهود الحماية والتثمين .

قبل التعرف على تاريخ و معالم تمنطيط ,يجدر بنا أن نتعرف على أصل التسمية فمن خلال ما دكر في “مخطوط البسيط في أخبار تمنطيط ” لمحمد بن بابا حيدة فان أصل تسمية تمنطيط أعجمي مركب من اسمين هما (أتما) , و تعني النهاية و (تط) و تعني العين ,و هناك اشارة أخرى لمعنى تمنطيط فهي تركيب من كلمتين (أمان) و تعني الماء و (تيت) و تعني العين .

و قد ورد ذكر اسم تمنطيط أكثر من مرة في مؤلف “العبر و ديوان المبتداء و الخبر “للعلامة عبد الرحمن ابن خلدون اد يقول :(و أخرها من جانب الشرق يسمى تمنطيت و هو بلد مستبحر في العمران و هو ركاب التجار المترددين من المغرب الى بلد مالي من السودان لهدا العهد و من بلد مالي اليه )

ارتبطت نشأة القصر بالقبائل التي نزلت به ,فقد كان مند فترة طويلة ملجاء للمجموعات من قبائل تشكل من خلالها سكان تمنطيط ببطء بعد التوافد المستمر و هجرة القبائل من مناطق متعددة

ويضم قصر تمنطيط الذي يكتسي قيمة تاريخية ثمينة عدة معالم تتقاسم فيما بينها الطابع العمراني التقليدي المشترك فيما يتعلق بالمواد الأولية المحلية المستعملة في بناء البيوت و الشكل الهندسي المتبع في هذا الجانب و طبيعة الممرات و المسالك التي تربط بين قصبات القصر و هي المكونات التي تشكل أهم معالمه التي منحته ميزته الحضارية بوسط و شمال الصحراء الإفريقية، كما تضيف تلك المصادر.

و تشمل بعض هذه المعالم المتمثلة أساسا في القصبات كلا من “قصبة أولاد همالي” و “قصبة تايلوت” و “قصبة تاهقة” و “قصبة توفاغي” إلى جانب “قصبة أولاد محمد” و “ضريح سي بايوسف محمد” و “مخزن الشيخ المغيلي” و “مسجد العصموني”، وهي كلها مازالت شواهدها قائمة إلى غاية اليوم و تقاوم عوامل الزمن والطبيعة الصحراوية القاسية رغم الزحف العمراني الإسمنتي الذي بات يزاحمها من سنة لأخرى.

و رغم أن سكان المنطقة لم يكونوا على دراية بتقنيات فنون العمران و الهندسة إلا أنهم تمكنوا من الوصول إلى درجة عالية من الإبداع العمراني بشكل عفوي و تلقائي، معتمدين في ذلك على استغلال ما توفر لديهم من مواد محلية و مستعينين بمهارات الوافدين إلى المنطقة من حرفيين و بنائين، الذين أضفوا على القصر حسهم الجمالي و أبرزوا انتماءاتهم الإجتماعية و الثقافية و الدينية في البنايات، فشكلوا بهذا نمطا معماريا فريدا و متميزا رسم بتنوعه لوحة فسيفسائية كانت ولا تزال غاية في الإبداع و الجمال.

و يشترك قصر تمنطيط الذي يمثل معالم نمط تجمع سكني ريفي عريق بالمنطقة في القصبات المشار إليها، و التي يحيط بها خندق يطلق عليه محليا ” آحفير” و يستعمل للحماية وعرقلة أي هجوم أو اعتداء قد تتعرض له القصبة من طرف الغرباء، إلى جانب بئر ارتوازية داخل كل قصر لضمان التزود بمياه الشرب حتى في ظروف الحروب و الحصار، إضافة إلى مدخل رئيس به باب متين مصنوع من الخشب يغلق بقفل من صنع محلي يسمى ” آفكر”.

و شيدت قصبات القصر فوق مرتفعات صخرية لتأمينها من مختلف عوامل الطبيعة، خاصة مياه الأمطار و رطوبة الأرض النابعة من واحات البساتين المحيطة بها، إلى جانب تسهيل عملية المراقبة لأي تحرك غير عادي بمحيط قصبات القصر من مختلف الجهات، حسبما أوضح مختصون في العمران القديم.

كما أن للجانب الاجتماعي و الثقافي والديني أثرا واضحا في تصميم وبناء المساجد و المنازل و مختلف المعالم العمرانية، مما أعطي لقصر تمنطيط طابعه الخاص و المتميز، حيث يقابل الزائر عند دخوله لإحدى بيوت قصبات القصر صالة الضيوف و التي تتسم عادة بالإتساع مقارنة مع الغرف الأخرى للمنزل، في حين يتوسط البيت فضاء معد لجلوس أفراد العائلة تحيط به غرفتين أو ثلاث حسب الحاجة، وفق ذات المصدر.

و تكتسي أسطح تلك المباني أهمية كبيرة خاصة في فصل الصيف و الحرارة المرتفعة التي تميز مناخ هذه المنطقة الصحراوية، حيث يعد ضروريا لاستعماله للمبيت ليلا من طرف أفراد العائلة للتمتع ببرودة الليل ونسمات الفجر، في حين يتم تعويض استعمال السطح في بعض المنازل بفضاء أرضي ينجز بجوار المنزل يسمى “الحوش” خاصة في المنازل الواقعة بأطراف القصر.

 

المصدر: aps


شاركنا رأيك في رحلة رائعة في القصر القديم بتمنطيط… معلم ضارب بجذوره في عمق التاريخ

شاهد ايضا