لماذا بيانات رخص البناء مهمة للاقتصاديين؟

وجود بيانات سليمة أمر جوهري لدراسة اتجاهات الاقتصاد، وبشكل أساسي عندما يتعلق بقراءة وضع اقتصادي آني أو تنبؤ بالمستقبل أو للتحقق من وصول السياسات الاقتصادية إلى أهدافها، ولا سيما عند تعقب آثار السياسات النقدية والمالية على الأسرة، وطريقة مرور الأموال إلى القطاعات المختلفة بما في ذلك قطاعا العقار والبناء.
دورات الأعمال تتأثر بتراخيص البناء، نظرا لأن تصاريح البناء ترتبط ارتباطا وثيقا بتوقعات المستهلكين والمستثمرين المستقبلية، فلرخص البناء دور في تقدير كميات المشتريات والإنتاج والمخزون في شركات البناء ومصانع الأسمنت وعقود شراء الطاقة، وبما أن بناء المساكن يستغرق وقتا، فإن السلع المعمرة مثل الأجهزة المنزلية في قطاعات التجزئة ستستفيد من بيانات تراخيص البناء في تقدير الطلب المقبل، ولا سيما أن تقدير الطلب أصبح ضروريا بعد تعثر سلاسل الإمداد العالمية.
تسهم بيانات رخص البناء السكنية والتجارية والصناعية والحكومية في استنتاج تفاصيل كثيرة من حيث معدلات النمو الاقتصادي والحضري للمدن ومعدلات الاستثمار المتوقع لكل مدينة أو منطقة، وفي الوقت ذاته يمكن أن تصبح من المؤشرات غير مباشرة في قياس أهداف السياسات النقدية والمالية ومدى توافر أموال للمستهلكين لبناء مساكنهم، علاوة على ذلك، يمكن لبيانات رخص البناء أن تحد نشوء فقاعات عقارية أو تضخما في أسعار العقارات عبر توجيه القروض والائتمان بشكل أفضل بين مناطق المملكة المختلفة والتحكم في سياسات التمويل ونسب هامش تسعير فائدة الرهن العقاري، كما تمنحنا فرصة لتحفيز الهجرة إلى مناطق أقل نمو، وتحسين مشهد النمو السكاني في المملكة عبر سياسات تحفيزية مغرية للعمل والعيش في مناطق أخرى.
إضافة إلى ما سبق، يمكن توظيف بيانات رخص البناء كأدوات تشديد على حركة النقد المتاح من المصارف والمؤسسات المالية الأخرى، أي: إننا نتحكم في معدلات النمو الاقتصادي للمدن وتوجيه الإنفاق الخاص والعام بين القطاعات، وهذا يتطلب مستويات مرتفعة من الإفصاح والشفافية لبيانات تراخيص البناء وبشكل شهري مع ضرورة مطابقتها الواقع وشموليتها جميع مناطق المملكة.
أما إذا نظرنا إلى الاتجاهات العالمية الجديدة وتحول الاقتصادات من الخطي إلى الدائري، فإن تراخيص البناء قادرة على مساعدة صناع السياسات الاقتصادية على توجيه بعض أجزاء المدن والمناطق لتطبيق معيار أو أكثر من مفاهيم الاقتصاد الدائري، وبالتالي يرتفع ترتيب الاقتصاد في بعض المؤشرات العالمية.
أخيرا: يحظى قطاعا البناء والعقارات بأهمية بالغة في المملكة وأمامنا فرصة مواتية مع رؤية 2030 لإعادة هندسة تراخيص البناء وفق منظور اقتصادي وإصدار بياناتها شهريا لتساعدنا على وضع أفضل السياسات الاقتصادية من أجل خدمة الناس وتطوير الاستثمارات وتحقيق أعلى نمو اقتصادي موجه حتى نصل إلى الديناميكية الاقتصادية التي تحكمها السياسات الاقتصادية، وفي نهاية مقال اليوم أعتقد أن أسواقنا المالية ستكون أكثر سعادة ببيانات تراخيص البناء الشهرية على غرار الأسواق المالية المتطورة.