الجزائر تسعى لإطلاق صناعة الهواتف المحمولة: مقترحات تقنية لتطوير القطاع

الجزائر تسعى لإطلاق صناعة الهواتف المحمولة: مقترحات تقنية لتطوير القطاع - الجزائر

في إطار الجهود المستمرة لتعزيز الاقتصاد الوطني وتنويع مصادر الدخل خارج المحروقات، ترأس رئيس مجلس التجديد الاقتصادي الجزائري، كمال مولى، يوم الإثنين الماضي اجتماعاً مهماً اختتمت فيه أعمال اللجنة المكلفة بالمقترحات التقنية المتعلقة بتركيب وإنتاج وتطوير الهواتف المحمولة في الجزائر. هذا الاجتماع يأتي تنفيذاً لتوجيهات رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، الذي أكد على أهمية إعادة بعث هذه الصناعة الحيوية في البلاد.

إعادة بعث الصناعة: ضرورة استراتيجية للاقتصاد الجزائري

شهدت الجزائر في السنوات الأخيرة تحولات كبيرة في سعيها نحو تنويع اقتصادها وتقليص الاعتماد على قطاع المحروقات، وكانت صناعة الهواتف المحمولة أحد المجالات التي أثارت اهتمام الحكومة. إذ يعد تطوير هذا القطاع ضرورة ملحة لتعزيز السيادة الرقمية وتحقيق الاكتفاء الذاتي في التكنولوجيا، خاصة في ظل النمو المستمر لسوق الهواتف الذكية في العالم.

تعليمات رئيس الجمهورية في شهر مايو 2024 كانت بمثابة الشرارة الأولى لإطلاق ورشة إعادة بعث صناعة الهواتف المحمولة، حيث اجتمع رئيس مجلس التجديد الاقتصادي مع وزراء الصناعة والتجارة والبريد لبحث سبل تحقيق هذا الهدف الاستراتيجي. وقد تم تكليف لجنة متخصصة لتقديم مقترحات تقنية وتطويرية، تساهم في تحويل الجزائر إلى لاعب رئيسي في هذا المجال، ليس فقط على الصعيد المحلي، بل أيضًا في الأسواق الإقليمية.

دعم خبراء الصناعة والبحث العلمي

خلال الأشهر الخمسة الماضية، عقدت اللجنة عدة اجتماعات وورش عمل بمشاركة العديد من الجهات الفاعلة في مجال الإلكترونيات وتكنولوجيا الهواتف المحمولة. تضم اللجنة شركات رائدة في هذا القطاع، إلى جانب خبراء تم تعيينهم من قبل وزارة الصناعة. كان الهدف الأساسي هو جلب الخبرة العالمية وتجارب الصناعة الناجحة لتكييفها مع السياق الجزائري، مع التركيز بشكل خاص على تعزيز البحث والتطوير.

أحد أبرز المساهمين في هذا المجال كان الباحث الجزائري المعروف، بلقاسم حبة، الذي شارك في الاجتماعات وقدم اقتراحات عملية تستند إلى خبرته الواسعة في مجال البحث العلمي والتكنولوجي. تعتبر مشاركته إلى جانب خبراء آخرين بمثابة دعم علمي وصناعي قوي للجزائر في مسعاها لتحقيق الابتكار والتقدم في صناعة الهواتف المحمولة.

المحاور الرئيسية لتطوير صناعة الهواتف المحمولة

خلال اجتماع اختتام أعمال اللجنة، تم تقديم عدة محاور رئيسية تستهدف تعزيز هذا النشاط الصناعي الواعد. من بين هذه المحاور، يأتي التركيز على أهمية البحث والتطوير، حيث يعتبر دعم الابتكار التكنولوجي أحد العوامل الحاسمة في تحقيق الاستدامة والنمو في هذا المجال. وقد أجمعت اللجنة على ضرورة تخصيص ميزانيات معتبرة لدعم مراكز البحث وتطوير الحلول المبتكرة التي تتناسب مع احتياجات السوق المحلية والإقليمية.

كما تم تسليط الضوء على ضرورة تشجيع الاستثمار في تصنيع الهواتف المحمولة محلياً، ليس فقط عبر تركيب وتجميع الأجزاء المستوردة، بل من خلال تطوير الصناعات المرافقة التي تسهم في إنتاج المكونات الرئيسية محليًا، مثل البطاريات، والمعالجات، والشاشات. هذا سيساهم في خلق منظومة صناعية متكاملة تدعم الاقتصاد الجزائري وتفتح فرص عمل جديدة.

التحديات التي تواجه الصناعة

على الرغم من التوجه الطموح لإعادة بعث صناعة الهواتف المحمولة في الجزائر، إلا أن هناك تحديات عديدة يجب مواجهتها. من أبرز هذه التحديات هو توفير البنية التحتية الصناعية المناسبة والمواكبة للتطورات التكنولوجية العالمية. يتطلب هذا استثمارات كبيرة في مجال التكنولوجيا والتدريب لتأهيل الكوادر البشرية، بالإضافة إلى تطوير شبكات الاتصال والإنترنت التي تدعم استخدام الهواتف الذكية بشكل فعال.

كما يعد التحدي المالي أحد العوائق، خاصة فيما يتعلق بتأمين التمويلات اللازمة لإنشاء المصانع ومراكز البحث. لذلك، تبحث الحكومة الجزائرية عن شراكات دولية مع شركات عالمية متخصصة في هذا المجال، حيث يمكن لهذه الشراكات أن تسهم في نقل التكنولوجيا والمعرفة.

نحو صناعة تكنولوجية واعدة

يبقى هدف الجزائر من وراء هذه المبادرات هو تحقيق الاكتفاء الذاتي في مجال التكنولوجيا وتعزيز السيادة الرقمية. كما تهدف الجزائر إلى أن تكون صناعة الهواتف المحمولة جزءًا من مشروع أكبر لتطوير الاقتصاد الرقمي، الذي يتضمن أيضًا تطوير البنية التحتية للاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، وتشجيع الابتكار وريادة الأعمال في المجال الرقمي.

ومع بدء تنفيذ هذه المقترحات، من المتوقع أن تعرف الجزائر تحسناً ملحوظاً في مجال التصنيع التكنولوجي، مما سيساهم في تقليل الاعتماد على الواردات وتعزيز مكانتها كدولة منتجة للتكنولوجيا.

إن إعادة بعث صناعة الهواتف المحمولة في الجزائر ليست مجرد خطوة اقتصادية، بل هي رؤية استراتيجية تهدف إلى تمكين الجزائر من تحقيق استقلالها التكنولوجي، وفتح آفاق جديدة للتنمية الاقتصادية. بفضل دعم الحكومة الجزائرية، وتوجيهات رئيس الجمهورية، والعمل الدؤوب للخبراء والشركات الوطنية، تبدو الجزائر على مشارف تحقيق تقدم ملموس في هذا القطاع الواعد.