هذه قصة الجنرال نزار مع الشاذلي وبوضياف وزروال - الجزائر

هذه قصة الجنرال نزار مع الشاذلي وبوضياف وزروال

وزير الدفاع الأسبق.. تاريخ حافل بالجدل والغموض

يعتبر وزير الدفاع الأسبق، اللواء المتقاعد خالد نزار، الذي صدر بحقه أمر دولي بالقبض من قبل القضاء العسكري، الشخصية الأكثر إثارة للجدل في جزائر ما بعد الاستقلال، بسبب مواقفه وقراراته عندما كان مسؤولا كبيرا في الدولة، وحتى بعد ذلك.

اسم خالد نزار برز في نهاية ثمانينيات القرن الماضي، عندما عيّن من طرف الرئيس الأسبق، الشاذلي بن جديد، وزيرا للدفاع، ومنذ ذلك الحين بات يعرف بالرجل القوي في الدولة الجزائرية، حيث لعب دورا كبيرا في دفع الشاذلي إلى الخروج من الباب الضيق في شتاء 1992، متسببا في أزمة دستورية كانت لها تداعيات كارثية على البلاد.

وتمثلت تلك الأزمة الدستورية في الفراغ الذي حصل على مستوى رئاسة الجمهورية، والذي سعى المجلس الأعلى للدولة جاهدا لملئه، غير أنه بقي عاجزا، علما أن هذا المجلس كان نزار أكثر أعضائه نفوذا وتأثيرا في قراراته.

واقترن اسم وزير الدفاع الأسبق بالأزمة التي عاشتها البلاد في تسعينيات القرن الماضي وتسببت في مقتل ما يزيد عن 200 ألف ضحية، في إحصائيات رددها حتى الرسميون، ومنهم الرئيس السابق، عبد العزيز بوتفليقة.
فناصر نجل الرئيس الراحل المغدور محمد بوضياف، لم يتوقف يوما عن اتهام نزار بأنه يقف وراء حادثة تصفية والده في مشهد تراجيدي بعنابة في جوان 1992، وطالب بمحاكمته إلى جانب كل من الجنرال توفيق وإسماعيل العماري.

نزاز.. خطيئة الشاذلي!

حضور اسم وزير الدفاع الأسبق، في الأزمات التي عاشتها البلاد في نهاية الألفية الثانية، لم يتوقف عند أزمة التسعينيات، بل حضر بقوة في إرهاصاتها الأولى، فالجنرال المتقاعد، متهم أيضا بقمع مظاهرات الخامس من أكتوبر 1988، التي فتحت المجال أمام تحرر الجزائريين من ربقة الحزب الواحد.

كما تم تداول اسم الجنرال نزار كأحد المسؤولين عن اختفاء الآلاف من المفقودين خلال العشرية الحمراء، وقد رفعت عائلات المفقودين اسمه في المظاهرات التي كانت تقام أسبوعيا أمام المرصد الوطني لحقوق الإنسان بساحة أديس ابابا في بداية الألفية الثالثة.

ويذكر الشاذلي في مذكراته أن أكبر خطأ ارتكبه في حياته هو تعيينه نزار وزيرا للدفاع، وهي القناعة التي لم تترسخ لديه إلا بعد أن وقف على “المؤامرات” التي قادها نزار وأصدقاؤه في الجيش ضده، وذلك رغم التحذيرات التي تلقاها الشاذلي من أصدقائه بهذا الخصوص.

زروال ونزار.. رد الصاع بعد سنوات الضياع

ورغم إخراج نزار من الباب الضيق، من قبل الرئيس الأسبق، اليامين زروال، إلا أنه بقي نافذا من خلال أصدقائه من الضباط الفارين في الجيش الفرنسي، حيث حافظ على البقاء قريبا من المشهد السياسي، من خلال المقالات التي كان يوقعها في بعض الصحف القريبة من السلطة التي حكمت البلاد في تسعينيات القرن الماضي، الأمر الذي أزعج زروال فقرر شطبه من المؤسسة العسكرية في العام 1996، حسب الشهادة التي قدمها نزار لـ”الشروق” في العام 2015.

وتذكر ذاكرة العلاقة بين نزار وزروال حادثة وقعت بين الرجلين في 1987 حول إعادة هيكلة الجيش، غير أن الرئيس الشاذلي بدعم من رئيس ديوانه الراحل العربي بلخير، انتصرا لنزار على حساب زروال الذي رمى المنشفة غاضبا حينها.

“الشروق” بحوزتها وثائق أخرى موثقة، تشير إلى أن وزير الدفاع الأسبق، كان له دور بارز في إيصال الرئيس السابق، عبد العزيز بوتفليقة، إلى رئاسة الجمهورية قبل عشرين سنة، وهي الشهادة التي أكدها نزار أيضا لـ”الشروق” في حواره الشهير قبل 4 سنوات، والذي حرّك الكثير من الفاعلين، للردّ عليه، في أكثر من شهادة، أهمهم حرم الرئيس الراحل الشاذلي بن جديدة، السيدة حليمة، والجنرال محمد بتشين، ورئيس المجلس الشعبي الوطني بداية التسعينيات، عبد العزيز بلخادم، وعائلة الجنرال بلوصيف.

نزار والتوفيق.. المكالمة اللغز!

وعن التفاصيل، يؤكد نزار أنه وقع مقالا في إحدى الصحف الوطنية في عام 1999، حذر فيه، من وصول الرئيس بوتفليقة إلى قصر المرادية.. وبينما كان نزار في رحلة علاجية إلى أوربا، تلقى مكالمة هاتفية من مدير دائرة الاستعلامات والأمن السابق، الفريق محمد مدين المدعو توفيق (موجود حاليا بالسجن العسكري بالبليدة)، يدعوه فيها إلى وقف التشويش على مشروع تقديم بوتفليقة كمرشح للسلطة، لأن الجميع اتفق عليه، وفق شهادة نزار.
وقد أكد نزار حينها أنه التزم مع الجنرال توفيق يومها بتصحيح الخطأ عندما يعود من زيارته العلاجية إلى الوطن، وهو ما حدث، حيث حرر نزار مقالا آخر، على حد ما جاء في شهادته، دافع من خلاله على ترشيح بوتفليقة في 1999، بحجة أنه كان “المرشح الأقل سوءا”، بعدما اعتبر قبلها بوتفليقة بأنه مجرّد “دمية تتخفى تحت برنوس بومدين”.

نزار إلى عالم المال والأعمال

وقد ساعد هذا الموقف، نزار طوال فترة حكم الرئيس بوتفليقة، فقد اختفت الانتقادات التي اعتاد نزار توجيهها من حين لآخر لمن هم في السلطة، كما قرر في الوقت ذاته دخول عالم المال والأعمال، أشهرا قليلة بعد تولي بوتفليقة سدة الرئاسة، من خلال إنشاء عائلته شركتي “آس آل سي” و”ديفونا” المختصتين في تسويق خدمات الانترنيت ذات التدفق العالي، واللتين تم توقيفهما مؤخرا من قبل سلطة ضبط البريد والاتصالات الالكترونية.
كما تملك عائلة نزار واحة كبيرة بالصحراء الجزائرية، تتوفر على تقنيات عالية، وقد قال بشأنها الجنرال المتقاعد في ندوة صحفية أقامها العام المنصرم بفندق الأوراسي بالعاصمة، إنها تشكل إضافة للجزائر وللفلاحة وللاقتصاد الوطني، الذي يبقى بحاجة إلى مثل هذه الإنجازات على حد تعبيره.

نزار وبوتفليقة.. زواج المصلحة!

“زواج المصلحة” بين بوتفليقة ونزار جسده وقوف الرئيس السابق مع “الجنرال المطارد”، عندما وقع تحت طائل المتابعة القضائية في القضية التي رفعت ضده في سويسرا من قبل ناشطين محسوبين على الجبهة الإسلامية للإنقاذ المحلة في العام 2011، فقد حصل نزار على دعم الدولة الجزائرية عبر قنصليتها في جنيف، وهذا ما مكنه من طي الملف، قبل أن يعاد فتحه مرة أخرى في جوان 2018، بعد تغيير المدعي العام السويسري. وقد أكد نزار أنه تحدث مع السعيد بوتفليقة عن هذا الملف وعن تداعياته على المؤسسة العسكرية، على حد قوله.

وقبل أن تسوء العلاقة بين نزار والسلطات الحالية، انخرط وزير الدفاع الأسبق في إجراءات معاقبة ما يوصف بـ”العصابة”، من خلال شهادة مطولة نشرها على الموقع الإلكتروني “ألجيري باتريوتيك”، الذي يملكه نجله لطفي نزار، وفي هذا المقال، اتهم وزير الدفاع الأسبق، شقيق الرئيس السابق ومستشاره الخاص، السعيد بوتفليقة، بأنه طلب منه يد المساعدة لتنحية قائد أركان الجيش الفريق أحمد قايد صالح، بينما كان الحراك الشعبي في عنفوانه، وهي الشهادة التي عززت التهم التي كانت وراء سجن السعيد بوتفليقة.

هل وقف نزار فعلا مع قيادة الجيش؟

وقد جاء الأمر الدولي بالقبض على نزار ونجله، ليشكك في الشهادة التي قدمها وزير الدفاع سابقا ضد شقيق الرئيس المستقيل ومستشاره الخاص، ومن بين المعلومات المسربة من قبل بعض الأوساط والتي تفتقد إلى صفة الرسمية، هي أن نزار، هو من اتصل بالسعيد، وليس كما جاء في شهادة “ألجيري باتريوتيك”، أن الأخير هو من اتصل به..

وبين هذا وذاك، يبقى الرسمي هو الذي يتضمنه ملف الاتهام الموجود على مستوى المحكمة العسكرية بالبليدة ضد نزار ونجله لطفي، باعتبارها (المحكمة العسكرية) صاحبة الاختصاص في قضية الجنرال في هذه القضية المثيرة.