مخطط الخروج من الأزمة التي تعيشها الجزائر حاليا .. بقلم الأستاذ علي بن فليس - الجزائر

مخطط الخروج من الأزمة التي تعيشها الجزائر حاليا .. بقلم الأستاذ علي بن فليس

مساهمة من رئيس حزب طلائع الحريات “علـي بن فلـيس” ، يشرح من خلالها مخطط الخروج من الأزمة التي تعيشها الجزائر حاليا

مساهمة من رئيس حزب طلائع الحريات “علـي بن فلـيس” ، يشرح من خلالها مخطط الخروج من الأزمة التي تعيشها الجزائر حاليا.

الخروج من الأزمة :

                               سلامة المشوار ومشوار السلامة

بقلم عـلي بـن فليـس

 

لا يمر يوم الا وقرب السلطة القائمة من أجلها المحتوم ، وكان من الممكن جدا أن يأتيها اجلها ملطفا ومهدئا لنهايتها. لكنها اختارت لنفسها وبنفسها ذهابا لا يتمناه لنفسه أحد ورحيلا مفروظا قاسيا عليها ومنصفا في حق كل ضحياها.

ان خرافة الرجل المعجزة لا تخلو من مفعول مدمر حتى على من قادته النرجسية والغرور بالنفس إلى السقوط الحر في فخها ، غير ان مفعولها أكثر شدة وقساوة على من أجبر وعلى القبول بها والخضوع لها ، لقد بنيت في بلادنا وعلى مدى عشرين سنة طويلة حكامة من هذا الصنف المشين وها هو يدفع تكلفتها للغاية الباهضة ، جاءت الظروف التي تحدث فيها نهاية النظام السياسي القائم لتزيد هذه التكلفة ثقلا سياسيا واقتصاديا واجتماعيا ، وهي التكلفة الإضافية التي كان في متناولنا تفاديها لو قبلت السلطة القائمة بالتحلي بالحكمة والعقلانية والحس بالمسؤولية تجاه هذا البلد وشعبه.

أجل ستكون هذه التكلفة جد ثقيلة والرهان الأكبر كله يكمن اليوم في احتوائها في حدود ما يمكن وما يطاق ، وهذا هو المقتضى الجوهري الذي يتوجب وضعه في صميم أي بحث عن فك الانسداد التاريخي الذي ابتليت به سياسيا ودستوريا ومؤسساتيا من طرف نظام شمولي عاث في البلد فسادا واخفاقا.

 لم يعد يفصلنا عن إتمام العهدة الرئاسية الرابعة سوى أسابيع قليلة؛ و في يوم 28 أفريل القادم لا يمكن للرئيس الغائب أن يتحول إلى رئيس دولة كما يشاع باطلا و إنما يصبح رئيسا انقلابيا بكل المعايير و المواصفات السياسية و الدستورية.

مما لا شك فيه أن النظام السياسي القائم يعيش لحظاته الأخيرة بعد أن حكم عليه الشعب بالرحيل؛ و هذه اللحظات لحظات معدودة لأن الحراك الشعبي يتوسع رقعة و حجما و يزداد عزما و صمودا؛ و لأن السلطة القائمة بدأت تتآكل من داخلها؛ و لأن بيوت زبانياتها بدأت تنهار الواحدة تلو الأخرى؛ و لأن الاستنجاد بالأيادي الخارجية لا يمكنه أن يجدي نفعا لصالح نظام سياسي يريد الشعب التخلص منه نهائيا.

إن هذا الظرف الدقيق يفرض على الحراك الشعبي ترتيب أولوياته في هذه المرحلة؛ و هنا استسمحكم بأن أعرض عليكم هذه الأولويات كما أتصورها:

يجب علينا أولا أن لا نسمح بأن يعصف انهيار النظام السياسي القائم بأركان الدولة الوطنية؛ فالدولة الوطنية هي ملكنا جميعا و هي مؤمؤ العين بالنسبة لنا جميعا؛ فهي جديرة كل الجدارة بحمايتنا و تحصيننا لها ضد كل مكروه.
و يجب علينا ثانيا أن نراعي حساسية هذه المرحلة التي تتطلب أن يوضع الانتقال من النظام البائد إلى النظام الجديد على سكة صحيحة و سليمة؛ و من هذه الزاوية فإن الخطأ الذي يتوجب تجنبه هو أن يتم تبني أساليب و ممارسات و مناهج النظام القديم و أن يتواصل فرض الأبوة و الوصاية على الشعب و الاستغناء عن الشرعية و الطابع التمثيلي الذي يمنحهما وحده دون سواه.
و يجب علينا ثالثا أن نحرص كل الحرص على اختيار نمط الانتقال أو التحول أو التغيير الأقل تكلفة للبلد اقتصاديا و اجتماعيا؛ و نحن ندبر و نخطط لاجتياز هذه المرحلة يجب علينا أن نعي كل الوعي أن الآلية الجهنمية لطباعة النقود تعمل بوتيرة متسارعة و أن المشاريع معطلة و أن الاستثمارات مؤجلة؛ و أن حركية تهريب رؤوس الأموال تتفاقم و أن إدارة البلد مشلولة.

يعلم الجميع أن الصحة المالية للبلد ليست على ما يرام و من ثمة يتوجب علينا أن نحسب لعنصر الوقت حسابه حتى لا تضر تكلفة التحضير و التغيير بالوضع الاقتصادي و المالي للبلد المزري أصلا.

أين نحن اليوم؟ في جملة مفيدة واحدة أجيب أننا في نقطة التقلب نحو التحول الديمقراطي؛

Nous sommes au point de bascule vers une transformation démocratique de notre système politique.

إن معالجة و تسيير نقطة التقلب هذه هو تحدي الساعة بالنسبة لنا؛ فمصير الانتقال الديمقراطي اللاحق مرتبط ارتباطا وطيدا بحسن أو سوء معالجة نقطة التقلب هذه؛ و نقطة التقلب هذه هي بمثابة توطئة و تحضير أرضية مناسبة للانتقال الديمقراطي القادم نفسه.

إن ما يتوجب ملاحظته هو أن نقطة التقلب هذه تحدث في ظرف استثنائي و تتطلب بالتالي إجراءات و تدابير استثنائية؛ و هذا الظرف الاستثنائي من صنع قوى غير دستورية – أي قوى خارجة عن القانون و متمردة على الدستور- و من صنع نظام فاشل و فاسد بات مجرد غطاء سياسي لتلاعباتها و مناوراتها المكشوفة و المفضوحة.

ما هي هذه الإجراءات و التدابير الاستثنائية التي يمكن اتخاذها و التي من شأنها أن تجنب البلد الدخول بعد 28 أفريل القادم في مرحلة تصعيد للاستقرار أكيد و غير مسبوق.

إن هذه الإجراءات و التدابير لا تتطلب تفكيرا عميقا و معمقا لبلورة ملامحها و لا تتطلب جهدا مضنيا من أجل تحديدها و تعريفها و لا تتطلب فقها غزيرا لتجسيدها؛ فالحراك الشعبي المبارك نفسه قد أملى على كل المعنيين هذه الإجراءات و التدابير بصوت عالي لا يشوبه الغموض؛ فما علينا إلا الاستماع إليه و تطوير إملاءاته في شكل خريطة طريق شعبية للخروج من أزمة النظام السياسي الراهنة.

فمن بين إملاءات الحراك الشعبي نفسه إجراءات تهدئة لا مفر منها؛ و تتمثل هذه الإجراءات في:

أولا: سحب الرئيس الغائب لقراره الأحادي و التعسفي القاضي بتمديد عهدته في عملية انقلاب صارخ على دستور الجمهورية؛

ثانيا: توقيف التشكيل العبثي للحكومة المعلن عنها الذي تحول إلى وضع المناصب الحكومية في المزاد العلني دون قابل بها؛

ثالثا: حل البرلمان بغرفتيه بالنظر إلى عدم الاعتراف الشعبي بشرعيته و مصداقيته و بطابعه التمثيلي من جهة؛ و بالنظر من جهة أخرى إلى انعدام الجدوى فيه قياسا بمقتضيات مرحلة التوطئة و التحضير للتحول الديمقراطي التي نحن بصدد الدخول فيها و التي لا يمكن بتاتا أن يكون للبرلمان الحالي المنبوذ أي دور فيها؛

رابعا: الإعلان عن عودة سريعة للمسار الانتخابي و في حدود الآجال التي يقتضيها وضع الآليات الضامنة لحسن تحضيرها و تنظيمها مع مراعاة كل مقاييس الشفافية و النقاوة و النزاهة؛

أما عن التدابير السياسية و المؤسساتية فهي بدورها من متطلبات و إملاءات الحراك الشعبي و ما علينا سوى بلورتها في شكل عمليات استثنائية تجنب البلد مخاطر الفراغ المؤسساتي و من بين هذه التدابير السياسية و المؤسساتية:

أولا: إحداث هيئة رئاسية مؤقتة متكونة من قامات وطنية تحضى بثقة الشعب و رضاه؛ يمكن لهذه الهيئة أن تأخذ شكلا ثنائي – أي رئيس دولة و نائبا أو نائبين له- أو أن تأخذ شكلا جماعيا أوسع؛ و سيكون من بين الصلاحيات الرئاسية لهذه الهيئة إمكانية التشريع بالأوامر؛ و سيتعهد كل عضو من أعضاء هذه الهيئة بعدم الترشح للانتخابات الرئاسية؛

ثانيا: تشكيل حكومة كفاءات وطنية و ليس حكومة وحدة وطنية؛ فحكومة وحدة وطنية هي أصلا حكومة أحزاب و جمعيات منظمة؛ و بالتالي قد يكون تشكيلها شبه مستحيل في هذه المرحلة بالنظر إلى التجاذبات و الاختلافات و الصراعات التي ستواجهها هذه العملية حتما. و من الممكن و المحبذ أن تضم هذه الحكومة عضوا بارزا مكلفا خصيصا بورشة الانتخابات الرئاسية؛

إلى جانب تصريف الأعمال الجارية للدولة ستتكفل هذه الحكومة بتنظيم الانتخابات الرئاسية و بهذا الغرض ستركز عنايتها على إعداد نظام مؤقت جديد للانتخابات من جهة و وضع آلية ملائمة مؤقتة لتحضير و تنظيم و الإشراف على هذه الانتخابات من جهة أخرى.

ثالثا: إبعاد الإدارة بتركيبتها البشرية الحالية عن ورشة الانتخابات؛ و يمكن الوصول إلى هذا الهدف بتعيين الحكومة لمفوضين سامين للانتخابات على مستوى الولايات و مفوضين على مستوى الدوائر و البلديات من أجل ضمان السيرورة الحسنة للانتخابات.

رابعا: إعادة تعيين التركيبة البشرية للمجلس الدستوري بأمر رئاسي أو حل المجلس الدستوري و القيام بتحويل مؤقت لصلاحياته إلى المحكمة العليا.

إن الميزة الأولى لمخرج من الأزمة كهذا تكمن في أنه قائم على أساس مطالب بل و إملاءات الحراك الشعبي نفسه؛ أما الميزة الثانية لهذا المخرج فإنها تكمن في قدرته على مراعاة عنصر الوقت و على ضمان خروج من الأزمة في فترة زمنية معقولة و مقبولة.

و بهذا نكون قد وضعنا توطئة أو أرضية للتحول الديمقراطي الآتي لاحقا و الذي لا يمكن أن يكون إطار انطلاقه سوى إطار الانتخابات الرئاسية.

و من هذا المنظور ستوفر الانتخابات الرئاسية لكل المترشحين فرصة لعرض تصورهم للتحول الديمقراطي على الشعب الجزائري السيد الذي تعود له كلمة الفصل في نمط التغيير الذي يطمح إليه.

و بهذا نكون قد ضمنا أن هذا التحول سيكون نابعا من إرادة الشعب المعبر عنها من خلال ممثلين شرعيين يثق فيهم و يطمئن لنزاهتهم في تجسيد طموحاته و تطلعاته.              

 

اقرأ المزيد