“لا دليل على أن قيادة الجيش تدعم رئاسيات 4 جويلية” - الجزائر

“لا دليل على أن قيادة الجيش تدعم رئاسيات 4 جويلية”

يرى علي بن فليس، رئيس حزب طلائع الحريات، أن الحوار مع عبد القادر بن صالح، رئيس الدولة المؤقت، غير ممكن على الإطلاق، بالنظر إلى أنه امتداد للقوى غير الدستورية التي عينته. ويتحدث رئيس الحكومة سابقا في هذا الحوار مع “الخبر” عن رأيه في فكرة المجلس التأسيسي التي تطرحها بعض القوى السياسية كحل للأزمة.

مع حملة الاعتقالات والإقالات الأخيرة، التي طالت رموزا في النظام، هل تعتقدون بأن ما تسمونهم القوى غير الدستورية قد زال تأثيرهم من المشهد؟

على مدى العهدة الرئاسية الرابعة ومنذ بدايتها في 2014 لم أفوّت على نفسي ولو فرصة واحدة دون دق ناقوس الخطر والتنديد بالقوى غير الدستورية وبتصرفاتها المضرة بحرمة الدولة الوطنية والمصالح الحيوية للأمة، لما تكلمت عن القوى غير الدستورية في 2014 كان جدار الخوف متينا وكان جدار الصمت أمتن، في رئاسة الجمهورية كان ذوو القربى يضطلعون بدور العقل المدبر للقوى غير الدستورية، وكانت لهذا العقل المدبر أذرع ضاربة في الحكومة وفي المجلس الوطني الشعبي وفي مجلس الأمة وفي الإعلام وفي القضاء وفي الاقتصاد وفي الفضاء النقابي والجمعوي، لم ينج مفصل من مفاصل الدولة من تغلغل وتجذر القوى غير الدستورية فيه، وما الإقالات التي نشهدها في هذه الأثناء سوى اقتلاع لجذور هذه القوى غير الدستورية من المؤسسات والهياكل الأكثر حساسية للدولة، وما سقوط الرأس المدبر لهذه القوى غير الدستورية منذ أيام سوى دلالة على أن هذه العمليات تسير في الاتجاه الصحيح، وأن البلد في طريقه للخروج من كابوس نظام سياسي عاث في هذه الأرض فسادا وخرابا.

تصرون على رفض المشاركة في مشاورات بن صالح، شأنكم في ذلك شأن كثير من الأحزاب والشخصيات، ألا يعقّد هذا الأزمة؟

كمواطن أبديت بموقفي الرافض لهذه المشاورات تضامنا مع شعبنا وأنا جزء منه، وكمسؤول سياسي لم ألب الدعوة التي وجهت لي، قناعة مني بأن هذه المشاورات تعرقل عملية البحث عن حل للأزمة أكثر ما تسهم في الوصول إليه، فالطرف الداعي لهذه المشاورات هو نتاج صاف للقوى غير الدستورية التي أوصلته إلى منصبه الحالي، بعد أن مددت رئاسته لمجلس الأمة منذ بضعة أشهر فقط، وذلك في 29 يناير 2019، أي أقل من شهر من انطلاق الثورة الديمقراطية السلمية.

فهل يعقل التحاور والمحاور على رأس الدولة يرمز إلى كل المآسي التي أصابت البلد؟ وهل يعقل التحاور مع شخصية بماض ممقوت كهذا وأن ننتظر منها يد المساعدة ونحن نسعى للتخلص من نظام سياسي انتمت إليه وشكلت ركيزة من ركائزه الأكثر صلابة وثباتا ودواما؟ فهذه الشخصية مفقودة الشرعية والمصداقية والثقة ولا يمكن بتاتا التعويل عليها في تنظيم انتخابات رئاسية مصيرية بالنسبة للبلد.

أما عن موضوع إجراء هذه الانتخابات في وقتها المحدد دستوريا، دعني ألاحظ معك أن المادة 102 المؤطرة للاستحقاق الرئاسي القادم هي من مواد الدستور الأكثر إفحاما بالألغام الموقوتة، وهكذا أضحى الاستناد الحصري إليها وتفعيلها الحرفي في قلب الانسداد السياسي الراهن، وبالنظر إلى عمق هذا الانسداد والصعوبات المختلفة التي تعتري سبيل الخروج منه، فإن احترام الموعد المحدد دستوريا للرئاسيات القادمة صعب المنال، فأبسط الشروط المطمئنة بالنسبة لسيرها الحسن لا تزال غير متوفرة.

لكن قائد الأركان دعا في الكلمة التي ألقاها بقسنطينة مؤخرا إلى الحوار مع المؤسسات، ما هو موقفكم من هذه الدعوة؟

لا زالت قناعتي كاملة بأن للحوار الهادف والصائب والمنتج لحلول شروطه وظروفه، فحوار بهذه المواصفات والميزات يقتضي أولا وقبل كل شيء أن يحظى الداعي إليه بالشرعية والصدق والمصداقية، ويقتضي ثانيا أن يكون إطاره واضح المعالم، أي إخراج البلد من الانسداد الحاصل والمتمثل في التطبيق الحرفي والحصري للمادة 102 من الدستور الذي يسد الطريق أمام أي بحث عن مخرج للأزمة القائمة، وثالثا أن تكون أهداف الحوار مشخصة ومحددة بدقة، أي إعطاء إشارة الانطلاق لبناء منظومة سياسية جديدة من خلال تنظيم انتخابات رئاسية غير قابلة للطعن أو الارتياب أو التشكيك. فهذه الشروط ليست بتاتا شروطا معرقلة، بل هي في روحها وجوهرها شروط تسهيلية تدعم الحوار بسبل حسن الصيرورة والنجاح.

المؤسسة العسكرية في تعاطيها مع الحراك الشعبي تؤكد تارة على الحل الدستوري وتتمسك برئاسيات 4 جويلية، وتارة أخرى تتحدث عن انفتاحها على كل الاقتراحات.. ألا يعقّد هذا الغموض من إمكانية الوصول إلى حل؟

ألاحظ معكم أن الكلمة الأخيرة لقائد الأركان بقسنطينة لم تتناول صراحة تاريخ 4 يوليو كتاريخ لإجراء الانتخابات الرئاسية، واكتفت بالإشارة إلى ضرورة عقدها في أقرب الآجال، أما عن الدستور وبالرغم من وضعه على مقاس نظام سياسي فاسد وصياغته لتغذية خرافة الرجل المعجزة، وبالرغم من كل القنابل الموقوتة التي زرعت فيه، فإنه لا يزال يوفر الإطار العام لحل يزاوج بين المقتضيات الدستورية والواقع السياسي الذي يمليه ظرف استثنائي، ودعني أذكر في هذا السياق أن الدساتير لم توضع لعرقلة الحلول، وإنما لتسهيل الوصول إليها، فالدساتير ليست آليات تعجيزية، وإنما هي أدوات مرنة تسهيلية لفض الأزمات، ومن هذا المنطلق يكفي أن تتوفر الإرادة السياسية وأن يفسح المجال للاجتهاد الهادف والصائب، وأن يتأكد القبول الصريح الأوسع لكي يمنح الدستور الغطاء اللازم لحل مبني على ركيزتين: الأولى دستورية صرفة، والثانية سياسية بغطاء دستوري تمنحه المادتان 7 و8 وغيرها من مواد عديدة يتضمنها الدستور الحالي بالرغم من كل عيوبه ونقائصه وهفواته.

قلتم إنكم تؤيدون فكرة البدء بانتخابات رئاسية بعد المرحلة الانتقالية بدل المجلس التأسيسي.. ما هي مبرراتكم في ذلك؟

ليس لدي حكم مسبق على طبيعة أو شكل حل الأزمة الخطيرة التي يعيشها البلد، سواء أتعلق الأمر بالرئاسيات أو بالمجلس التأسيسي، فالمهم في نظري هو أن تتوفر في الحل المنشود، أيا كانت طبيعته وأيا كان شكله، الشروط الثلاثة التالية: أولا: أن يساهم في سد الفراغ المؤسساتي الرهيب الذي يعاني منه البلد راهنا. ثانيا: أن يقلص من عمر الأزمة عوض أن يمددها بصفة غير محسوبة العواقب. وثالثا: أن يجنب البلد تكاليف لا تطاق سياسيا واقتصاديا واجتماعيا.

ومن هذا المنظور فإن السؤال المطروح بسيط جدا: من مِنْ الرئاسيات أو المجلس التأسيسي تتوفر فيه هذه الشروط المفصلية؟ من الجلي أن هذه الشروط لا تتوفر البتة في المجلس التأسيسي، فالمجلس التأسيسي لا بد له من متسع من الوقت لصياغة الدستور الجديد، وهذا يعني سنتين أو ثلاث سنوات كحد أدنى، وعلى طول هذه المدة سيبقى البلد تحت طائلة اللااستقرار والريب والارتياب، فسيكون البلد محروما من رئيس شرعي وذي مصداقية وفاعلية، وستكون الحكومة مجردة من أي وسيلة إصلاحية ذات معنى للتصدي لأوضاع محكوم عليها بالتدهور والتردي، وسيصب المجلس التأسيسي كل اهتمامه على صياغة الدستور، وهو موضوع عهدته وسينجر عن ذلك تجميد أو تأجيل كل التشريعات المؤطرة للإصلاحات المستعجلة والملحة التي تقتضيها أحوال البلد المقلقة حقا، وعلى طول المدة ستبقى الدولة دون رئيس يجسدها في الداخل وفي الخارج، وستبقى الحكومة مكبلة الأيدي في وجه ورشات الإصلاح والتقويم الحيوية التي يتوجب فتحها، وسيضيّع الاقتصاد الوطني المنهك أصلا وقتا ثمينا يضاعف من تكلفة إنعاشه والارتقاء به إلى مستويات مقبولة من النمو وخلق الثروات، وستبقى إدارة البلد في وضع سباتي، وفوق كل هذا وذاك فإن التلاقح بين تدهور الأوضاع الاقتصادية والتوترات الاجتماعية المرتقبة قد يدخل البلد في دوامة الاحتجاجات الاجتماعية المزمنة، مع كل ما يمكن أن يترتب عن ذلك من نتائج غير محسوبة العواقب، لا أريد أن أبالغ لكن أخشى ما أخشاه هو أنه بعد سنتين أو ثلاث سيكون لنا دستور جاهز دون دولة قائمة للتمتع به والانتفاع منه.

وبالنظر لكل هذه المعطيات الدامغة، فإن الرئاسيات هي أقصر الطرق وأقلها تكلفة للتوجه نحو التحول الديمقراطي المنشود.

لا يزال البعض يعتبر علي بن فليس شخصية من نفس نظام الحكم الذي أنجب بوتفليقة وغيره، ويعتقد أن التغيير لا يمكن أن يأتي على أيدي رجال النظام.. ما ردك؟

كيف لي أن أكون نتاج منظومة حكم وقفت في وجهها وتصديت لها بكل ما أوتيت من قوة سياسية وفكرية منذ 2004، أي في وقت كان ينظر لهذه المنظومة كقلعة حصينة ومنيعة؟ لقد نددت بهذه المنظومة وكشفت للرأي العام الوطني مدى خطورة خياراتها وسياساتها على البلد، وكل ذلك بمناسبة الاستحقاق الرئاسي لسنة 2004، وأعدت الكرة بمناسبة رئاسيات 2014 على أساس برنامج سياسي يصب في نفس الاتجاه، لما وقفت في وجه هذه المنظومة وقفة التحدي، كانت جدران الخوف تسكن العقول وكانت جدران الصمت تسكن الأفواه.

لقد كنت شاهدا على هذا النظام من داخله وعلى مدى الخمس عشرة سنة الماضية، لم تتح لي فرصة واحدة إلا وانتهزتها للتنديد بما يكتشفه الشعب الجزائري اليوم منذهلا ومصدوما: شخصنة الحكم والتمسك المرضي بالحكم مدى الحياة، والقوى غير الدستورية التي ارتهنت بلدا بأكمله وترويض البرلمان وتجريد الحكومة من صلاحياتها وتسيير القضاء بالأوامر الفوقية وفرض قبضة حديدية على وسائل الإعلام وتصحير الفضاء السياسي والدمار الاقتصادي.

أيمكن اعتبار تصرف كهذا تصرفا منطقيا لنتاج من منتوجات هذه المنظومة؟ فالمنظومة ورجالاتها ردوا أنفسهم على هذا السؤال ولم تكن لهم لا شفقة ولا رحمة في انتقامهم مني ومن رفقائي. لا أتكلم عن شخصي، لكن رفقائي ذاقوا الأمرّين، فمنهم من سجن هو وأفراد عائلته، ومنهم من طردوا من مناصب عملهم، ومنهم من توقف مسارهم المهني، ومنهم من حرموا نهائيا من الترقيات في وظائفهم، ومنهم من أخضعوا إلى تقويمات ضريبية من دون وجه حق، ومنهم من تم إقصاؤهم من قوائم التشغيل وحتى من قوائم السكن الاجتماعي، هذه بعض الأوجه لانتقامات فقدت أبسط مشاعر الإنسانية. ومجمل القول هنا أن ما سلطته علينا منظومة الحكم من حساب وعقاب يدحر ويبطل كل المزاعم بأننا نتاج أو امتداد لها.

شغلتم في مساركم منصب وزير العدل.. هل ما يجري من ملاحقات وتحقيقات لمحاربة الفساد يستجيب لمعايير العدالة النزيهة في نظركم، أم هو مجرد تصفية حسابات؟

دعني ألاحظ بداية أن الحديث عن مجرد فساد لوصف ما تكبده الاقتصاد الوطني من خراب ودمار هو وصف محتشم وخجول، فالواقع أننا حقا أمام جريمة اقتصادية ومالية كبرى، وهي جريمة ضد الشعب والأمة، ما الذي حصل؟ الذي حصل أولا هو أن السلطة القائمة صنعت لنفسها قاعدة اجتماعية من زبائنيات مختلفة ومتنوعة، اشترت ذمتها بمال عام تم هدره بمبالغ لا يمكن تصورها وتصديقها، والذي حصل ثانيا أن النظام السياسي القائم وفر للإجرام الاقتصادي والمالي الحصانة والمناعة من خلال تشريعات تساهم في ترقية واستشراء هذا الإجرام، وليس في مكافحته والوقاية منه، والذي حصل ثالثا وأخيرا هو أن ذات النظام منَّ على زبائنياته بصكوك الغفران وضمن لها اللاحساب واللاعقاب حتى في الأطر المتسامحة والمتلاطفة التي وفرتها لها تشريعات سنت لوضعها في مأمن من أي متابعة أو محاكمة. لقد أخذت العدالة مجراها اليوم وأمامها رهان ثقيل ومعقد لا يمكن أن تكسبه إلا بالابتعاد كل البعد عن الانتقائية والانتقامية والثأرية.

اقرأ المزيد