عبد العزيز رحابي : “ثقة الجزائريين في حياد قيادة الجيش تراجعت” - الجزائر

عبد العزيز رحابي : “ثقة الجزائريين في حياد قيادة الجيش تراجعت”

يرى وزير الثقافة والاتصال السابق والدبلوماسي، عبد العزيز رحابي، أن الموقف الفرنسي من الحراك الشعبي في الجزائر، ومن القرارات المعلنة من طرف السلطة، تدخلٌ واضح في الشؤون الداخلية للجزائر. وأوضح رحابي، في مقابلة مع “الخبر”، بأن موقف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وأعضاء حكومته “يعطي شعورا قويا بأنه موقف منحاز إلى بوتفليقة”.

منذ 22 فبراير والجزائر تعيش على وقع المسيرات والإضرابات المطالبة بانسحاب الرئيس بوتفليقة من الحكم، برأيك.. كيف وصلت الجزائر إلى هذه الحالة المتأزمة؟

كل هذا كان متوقعا لأن في تاريخ الدول قاعدة يعرفها الجميع، وهي أن نفس الأسباب تؤدي دائما إلى نفس النتائج. والنظام الجزائري لم يتغير فقط بل ظل على حاله المستمر منذ الخمسينات. السلطة في بلادنا موزعة بين رئيس الجمهورية ومؤسسة الجيش الوطني الشعبي، مع فرق واحد وهو أنه منذ 1962، تم إقحام رجال المال والأعمال في عملية اتخاذ القرار السياسي. وقد بدأ الصدام عندما تغير المجتمع الجزائري بسرعة وتمكن من التأقلم مع العالم الحديث، في الوقت الذي بقي نظام الحكم على حاله، الأمر الذي أدى إلى إحداث شرخ عميق بين الشعب الجزائري وحكامه. إن النظام الحاكم لم يستوعب بعد الدروس مما حدث في سنة 2011 وما تلاها، في دول مصر وليبيا وتونس، بل وصلنا في سنة 2008، عبر تعديل الدستور، إلى حد ترسيم الرئاسة مدى الحياة في خطوة ضد سيرورة التاريخ، بتفضيلهم الإصرار على تكريس الاستسلام لهوس بالسلطة. سألتني كيف وصلنا إلى هذا الوضع، أقول إن الرئيس راهن على بث الرعب وتخويف الجزائريين من انهيار الاستقرار والأمن في البلاد، وقام لأجل ذلك بتوظيف كل الوسائل من أجل ترهيب المجتمع الجزائري مستغلا في ذلك قيادة الجيش الوطني الشعبي التي قامت بتزكيته وسلمته مقاليد الحكم في 1999، واستمرت في مسارها هذا إلى اليوم. أعتقد بأن بوتفليقة الذي ارتكز في سلطته على المال والإدارة والجيش، أخطأ في حساباته، وأكد للجميع بأنه لا يعرف من الجزائريين إلا الموالاة.

لكن الفريق أحمد ڤايد صالح أكد في عدة مرات منذ مسيرة 22 فبراير الماضي، بأن الجيش الجزائري يشترك مع الشعب في رؤيته للمستقبل، وفهم بأنه مناصر لمطالبه في رفض العهدة الخامسة وإجراء انتخابات حرة ونزيهة في موعدها؟

نعم قال ذلك، لكن هذا الكلام مغاير تماما للواقع، لأنه لولا مساندة قيادة مؤسسة الجيش لما قرر بوتفليقة الترشح، خاصة وأن هذا الأخير قام بتوظيفها، كما ذكرت لك آنفا، في تخويف وترهيب الشعب الجزائري وإشعال فتيل التوتر في علاقته (الجيش) المقدسة مع الشعب الجزائري. إن الجيش في خدمة الشعب وليس العكس، لأنه هو الوحيد صاحب السيادة، كما أن الشعب وبلا أي مواربة أو مراوغة، هو المدافع الأول عن الوطن والدولة ومؤسساتها.

ألم يكن لقيادة الجيش الوطني الشعبي خيار آخر غير مساندة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة؟

كان ينبغي على المؤسسة العسكرية الالتزام بمهامها الدستورية للحفاظ على الإجماع الوطني الموجود حوله، وصيانة وحدة قيادته وعدم إقحامها في تفاهات سياسية داخلية قد تبعده عن برنامجه من أجل الاحترافية، وأيضا من أجل التأقلم مع المخاطر والتحديات الجديدة، وتشبيب القيادة وترشيد النفقات لتفادي قضايا الفساد التي عرفتها قيادة الجيش في الآونة الأخيرة.

هل تقصد أن قيادة الجيش خسرت ثقة الشعب الجزائري؟

هناك احتمال كبير أن يحدث ذلك، وما يجعلني أقول هذا الكلام، أن الثقة تراجعت في حيادية الجيش الوطني الشعبي وهذا ليس بالجديد.

كيف؟

بالرجوع إلى الوراء، نجد أنه في تاريخ الجزائر المعاصرة لم يحدث وأن كانت قيادة الجيش الوطني الشعبي بمثابة المناصر أو المؤيد لإرساء الديمقراطية في الجزائر. هناك شيء آخر مهم، وهو أن إقحام الجيش الجزائري من طرف السلطة السياسية في النقاش السياسي لا ولن يؤهلها لكي تلعب دورا في المستقبل أو يؤهلها لتقديم ضمانات من أجل تحقيق الانتقال الديمقراطي الحقيقي. نعم، الجيش، بذلك قام وبمحض إرادته بإقصاء نفسه من لعب أي دور بمجرد أن تحيّز وتحزب. ومع ذلك، رُبَّ ضارّة نافعة، من أجل طي، وبشكل نهائي، أوراق إشكالية تدخل الجيش في السياسة في بلادنا.

هذا يجرنا للحديث عن قراءتك لخريطة طريق السلطة من أجل تغيير نظام الحكم والإصلاح؟

السلطة أصلا، لا تراعي رأي الشعب ولا تعيره أي انتباه أو اهتمام. هي تعتبر أن كل شيء يشترى بما يسمى السلم المدني، وهذا دليل آخر وقاطع على أنهم يعرفون المساومة السياسية وشراء الذمم ولا يحسنون معرفة حقيقة وعمق الشعب الجزائري، الذي لا يرضى بالاستمرار في الاستخفاف به ولا يقبل أن تشوه صورته في الخارج، أو أن يمس كبرياؤه. أعتقد بأن هذه أكبر غلطة ارتكبها بوتفليقة وحاشيته.

فرنسا كانت السبّاقة إلى تثمين قرارات بوتفليقة، بصفتك دبلوماسيا، ما تعليقك على الموقف الفرنسي؟

الموقف الفرنسي بالتحديد يطرح عدة تساؤلات، خلافا للموقف الأمريكي وموقف الاتحاد الأوروبي اللذين دعيا السلطة إلى احترام حق التظاهر للشعب الجزائري. بحكم حقيقة العلاقات الدولية، هناك تأثر وتأثير متبادل بين الدول، ومن الطبيعي أن الدول المجاورة منها جغرافيا أو تاريخيا، تطرح بعض التساؤلات حول تداعيات الأزمة الجزائرية، ولكن يبقى المشكل داخليا جزائريا محضا، يعالج بين الجزائريين فقط. للأسف، الموقف الفرنسي يعطي شعورا قويا أنه منحاز إلى بوتفليقة، بما يناقض مبدأ عدم التدخل في شؤون الغير، خاصة في تقييمهم للقرارات الأخيرة لرئيس الجمهورية بعد حيلة الانسحاب من الرئاسيات، الذي هو مطلب ديمقراطي وشأن داخلي تحكمه إرادة جزائرية، وأن أفضل خدمة يقدمها الخارج هو الامتناع عن اتخاذ أي موقف تجاه الحراك السياسي الداخلي.

هل تعتقد أن السلطة تسعى لتوظيف الموقف الفرنسي لصالحها؟

هذا الأمر ليس جديدا. فالرئيس وظف منذ عشرين سنة الدبلوماسية كآلية من آليات توازن السلطات داخل البلاد، وفي السنوات الأولى من حكمه وظف الآلة الدبلوماسية في موازين القوى مع الجيش ولإيهام الشعب بأن صورة بلده تتغير بمجرد سفرية أو خطاب يلقيه في الخارج. لقد كلفت دغدغة كبرياء الجزائريين كثيرا، السياسة الخارجية وخزينة الشعب، وانتهينا إلى صورة سلبية عن الجزائر يستحي منها الجزائري.

الرئيس بوتفليقة أعلن عن فترة انتقالية يسلم بعدها الحكم للرئيس الجديد، ما رأيك؟

المرحلة الانتقالية أو الفترة الانتقالية هي من حيث المبدأ الخروج من الحكم الفردي أو الاستبدادي والانتقال إلى نظام ديمقراطي، تكون إما بمبادرة داخلية أو تحت ضغط أحزاب والمجتمع المدني أو تحت ضغط أجنبي. الحالة الجزائرية لا تشبه أي حالة أخرى في تاريخ الدول. السلطة المنبوذة من طرف شعبها لا تنظم الانتقال الديمقراطي، بل هي ليست مؤهلة أصلا للقيام بذلك، لأنها تفتقد للشرعية، بل بالعكس إن ذلك قد يؤزم الوضع.

الرئيس أعلن أيضا عن ندوة وطنية جامعة من أجل الوفاق، هل تتوقع استجابة لهذه المبادرة التي رفضتها المعارضة من قبل؟

فكرة الندوة الوطنية للوفاق، فكرة فرنسية تعود إلى القرن التاسع عشر، وتم تجريبها وتوظيفها في سنوات التسعينات من القرن الماضي في عدة دول بعد انهيار المعسكر الشيوعي، وكانت لها نتائج وخيمة على الشعوب. لنفترض أن الندوة المعلن عنها أول أمس من طرف السلطة كانت ذات سيادة، فهل ستقر وتعترف وترسم شغور منصب رئيس الجمهورية، حتما إنه إذا كانت محرومة من الطابع السيادي فإنها ستزيد من حدة الأزمة التي ستتفاقم وتؤدي إلى سيناريوهات لا يريدها الشعب الجزائري. أنا من الذين يعتقدون بأن الهدف الأساسي من ندوة الوفاق هذه، هو البقاء في رئاسة الجمهورية مدى الحياة. كما أؤمن إيمانا قويا ومقتنع قناعة راسخة بأن أي انتقال حقيقي وديمقراطي لا يكون في نهاية المطاف، بل في بدايته.

اقرأ المزيد