تونس: مشاورات صعبة لتشكيل الحكومة في ظل اختلاف الرؤى - الجزائر

تونس: مشاورات صعبة لتشكيل الحكومة في ظل اختلاف الرؤى

تونس: مشاورات صعبة لتشكيل الحكومة في ظل اختلاف الرؤى

 الجزائر – تتواصل في تونس المشاورات بشأن تشكيل الحكومة الجديدة , وسط صعوبات تواجهها حركة النهضة الفائزة في الانتخابات التشريعية الاخيرة في عقد تحالفات مع باقي القوى السياسية الفائزة بعدما فضلت هذه الاحزاب التموقع في المعارضة بدل التحالف مع النهضة, بسبب “اختلاف الرؤى حول نوع الحكومة الانسب لقيادة المرحلة المقبلة في البلاد”.

ومع اقتراب موعد اعلان حركة النهضة – ذات التوجه الاسلامي- رسميا في 15 نوفمبر الجاري مرشحها لرئاسة الحكومة المقبلة, لازالت الحركة التي حصلت على أكبر عدد من المقاعد في البرلمان (52 مقدا) من مجموع 217, تجري مفاوضات “شاقة” من أجل التمكن من اعلان الحكومة الجديدة في آجالها الدستورية, حيث يقضي الفصل 89 من الدستور التونسي بأن يكلف رئيس الجمهورية مرشح الحزب أو الائتلاف الفائز بأكبر عدد من المقاعد البرلمانية بتشكيل الحكومة خلال شهر يجدد مرة واحدة.

و أمام فشلها في تحقيق أغلبية مريحة, يتعين على حركة النهضة تكوين ائتلافات مع أحزاب أخرى لتتمكن من جمع 109 مقاعد في البرلمان، حتى تتمكن من تشكيل الحكومة المقبلة و التي تصر الحركة على تسمية مرشح من صفوفها لرئاسة الحكومة القادمة وسط رفض القوى السياسية لهذا الخيار. 

وتضع الاحزاب الفائزة في الانتخابات التشريعية الاخيرة بعد حركة النهضة, و هي : حزب “قلب تونس” الذي تحصل على 38 مقعدا ثم التيار الديمقراطي الذي نال 22 مقعدا وبعده ائتلاف الكرامة المتحصل على 21 مقعدا شروطا مشددة لتشكيل الحكومة المقبلة بدل التحالف مع النهضة التي تسعى لان تكون المكون الاساسي للحكومة باعتبارها الحزب الفائز في الانتخابات التشريعية.

و ترفض ما أطلق عليها ب “أحزاب الثورة” التي أطاحت بنظام الرئيس الراحل زين العابدين بن علي هذا الطرح, وتدعو ل”تكوين حكومة كفاءات بعيدة عن المحاصصة الحزبية, وأن تكون لرئيس الجمهورية الكلمة الفصل في اختيار شخصية رئيس الحكومة” بحسب المراقبين للمشهد السياسي التونسي.

وسعيا منها لتجاوز العقبات المطروحة أمام تشكيل الحكومة الجديدة فان حركة النهضة اقترحت على الشركاء السياسيين ما أطلقت عليه “وثيقة تعاقد” “تكون أساسا” لتشكيل الحكومة المقبلة و تتضمن برنامج الحركة لمشروع عمل الحكومة المقبلة, مشيرة الى أنها تنتظر موقفا رسميا من شركائها حول البرنامج المقترح.

و في هذا السياق صرح نائب رئيس حركة النهضة علي العريض أن “الحركة تسعى إلى تشكيل حكومة كفاءات تترأسها شخصية من النهضة”, موضحا أن “النهضة ما زالت تنتظر موقفا رسميا من شركائها في الحكومة المقبلة لتحديد قرارها حول البرنامج الذي قدمته لمشروع عمل الحكومة المقبلة”.

و لم ينتظر الشركاء المعنيون طويلا للرد على البرنامج المقترح من قبل حركة النهضة بإعلان رفضهم للوثيقة المقترحة, حيث قال أمين عام “حركة الشعب” زهير المغزاوي أن حزب “حركة الشعب لن تشارك في أي حكومة تترأسها شخصية من حركة النهضة”, معتبرا أن “المقاربة التي قدمتها الحركة تمت تجربتها في 2011  وأثبتت فشلها في تحقيق الاستقرار السياسي والاقتصادي” بحسبه, ومعلنا ان الحركة “لا ترى مانعا من التموضع داخل صفوف المعارضة”.

وتقترح “حركة الشعب” في المقابل تشكيل ما سمّته “حكومة الرئيس” بمعنى أن يتولى الرئيس التونسي قيس سعيّد تعيين شخصية مستقلة يثق بها على رأس الحكومة وتدعمها الأحزاب في البرلمان، كما تقترح الحركة أيضا تشكيل حكومة تكنوقراط مصغّرة تلتزم ببرنامج يضعه داعموها السياسيون.

من جهته رفض حزب “التيار الديمقراطي” تشبث النهضة بموقفها بأن تكون الطرف الاساسي المكون للحكومة المقبلة باعتبارها الحزب الفائز في الانتخابات التشريعية الاخيرة و طالب بالحصول على وزارات العدل والداخلية والإصلاح الإداري، مع تفضيل اختيار رئيس حكومة مستقل ووجود برنامج واضح للحكم، حتى يشارك في الحكومة.

و يقول القيادي بحزب “التيار الديمقراطي” غازي الشواشي إن حزبه “ينتظر من مجلس شورى حركة النهضة أن يتراجع عن موقفه الذي يصر على ترؤس شخصية من حركة النهضة الحكومة المقبلة”، مبينا أن “التيار سيغادر المشاورات إذا رفضت النهضة الاستجابة لشروط التيار الديمقراطي في هذه النقطة”.

وبدوره استبعد حاتم المليكي القيادي بحزب “قلب تونس” أن يتحالف حزبه مع حركة النهضة في تشكيل حكومة تترأسها شخصية من الحركة، مشيرا إلى أن حزبه يرى أن “الحكومة المقبلة لا بد أن تترأسها شخصية مستقلة تتمتع بالكفاءة، ويساندها حزام سياسي قوي حتى تقوم بمجموعة من الإصلاحات”.

وكانت حركة النهضة قد أكدت عدم التحالف مع حزبي قلب تونس بسبب شبهات الفساد التي تلاحق زعيمه نبيل القروي، والحزب الحر الدستوري (17 مقعدا)، الذي قالت إن “له ارتباطا بنظام الرئيس المخلوع الراحل زين العابدين بن علي وبرامجه”، مع الإشارة إلى أن كليهما رفضا مبكرا التواصل مع النهضة، وأعلنا أنهما سيكونان في المعارضة.

 

استمرار حالة الانسداد تستدعي تدخل الرئيس قيس سعيد

 

و أمام اختلاف الرؤى حول نوع الحكومة الأنسب لقيادة المرحلة المقبلة و استمرار حالة الانسداد, يرى المراقبون أن تدخل الرئيس التونسي قيس سعيد لتقريب وجهات النظر “سيكون أمرا حتميا” اذا ما استمرت الازمة.

و كان الرئيس قيس سعيد أجرى سلسلة من اللقاءات التشاورية استقبل خلالها كلا من رئيس “حركة النهضة” راشد الغنوشي ورئيس حزب “قلب تونس” نبيل القروي كما التقى قيادات من “حركة الشعب” و”ائتلاف الكرامة” و”تحيا تونس” و”التيار الديمقراطي”.

و تجمع عديد من الاحزاب المذكورة على الدعوة لتكوين حكومة كفاءات بعيدة عن المحاصصة الحزبية, وأن تكون لرئيس الجمهورية “الكلمة الفصل” في اختيار شخصية رئيس الحكومة, بحسب تقارير صحفية, بينما صرح الناطق الرسمي باسم حركة النهضة عماد الخميري أن “اللقاء الذي جمع بين قيس سعيد و رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي, تم بطلب من الأخير, في إطار حرص الحركة على إشراك رئيس الجمهورية في المشاورات التي تبذلها النهضة للدفع نحو تشكيل الحكومة”.

واستبعد -في المقابل- “إمكانية تبني الحركة مقترح بعض الأحزاب بشأن تشكيل ما بات يعرف “بحكومة الرئيس”,  لافتا إلى “أنها فكرة سابقة لأوانها وفيها قفز على محطة دستورية تعطي صلاحية للنهضة لتشكيل الحكومة باعتبارها الحزب الفائز في الانتخابات”.

كما أوضح أن المواقف المعلنة لأغلب الأحزاب الرافضة لأن تكون طرفا في حكومة تشكلها النهضة, “هي مواقف سياسية للاستهلاك الإعلامي”.

و كانت تقارير اعلامية ذكرت ان الرئيس قيس سعيد أبدى خلال لقاءه القوى السياسية ” موقفا رافضا لحكومة تقوم على المحاصصة والولاءات الحزبية ” مشددا على ضرورة أن ” تستند إلى برامج واضحة وتخضع للمساءلة الشهرية أمام البرلمان على خلاف الحكومات السابقة”.