الشارع يستعجل رحيل “العصابة” - الجزائر

الشارع يستعجل رحيل “العصابة”

الجزائر في أول يوم من دون بوتفليقة

مظاهرات في عدة ولايات للمطالبة بإشراك الحراك في المرحلة الانتقالية

عاشت الجزائر، اليوم، على وقع تجدّد المظاهرات في جومن الهدوء النسبي في أول يوم “دون بوتفليقة”. واستعجل الشارع، الذي رحب بكل أطيافه باستقالة الرئيس، “رحيل العصابة وتغيير النظام برمته”.

واعتبرت مسيرات شهدتها العاصمة ومختلف ولايات الجمهورية انسحاب بوتفليقة بمثابة “خطوة أولى في الاتجاه الصحيح”، لكن “الأهم مازال لم يتحقق وسط الغموض الذي يكتنف المرحلة الانتقالية”. ففي الوقت الذي كان المجلس الدستوري مجتمعا اليوم لتثبيت حالة الشغور النهائي لرئاسة الجمهورية وتبليغ شهادة التصريح به إلى البرلمان، حسب ما ينص عليه الدستور، خرجت مسيرة شعبية في قلب العاصمة تتمسك “برحيل رموز عصابة النظام” ورفضًا لاستمرار حكومة تصريف الأعمال التي يقودها نور الدين بدوي وللمطالبة بمرحلة انتقالية تحظى إدارتها بقبول شعبي. ورفعت حشود الموطنين بساجة البريد المركزي، شعارات تعبر عن طبيعة المرحلة الجديدة التي دخلتها الجزائر على غرار “هاذي البداية ومازال مازال” و«الشعب هو من يصنع مصيره” و«الشعب يطالب برحيل العصابة” و«ياسراقين كليتو لبلاد”.

ووفقًا لتصريحات عدة متظاهرين، فإنهم لا يرغبون في الاكتفاء برحيل بوتفليقة لأنه في نظرهم غائب منذ سنوات (أي عقب إصابته بجلطة دماغية عام 2013)، ويجزمون أن التحدي الأكبر هو ما بعد يوم 2 أفريل”. وقال أحد المواطنين “بالنسبة لنا رحيل بوتفليقة لا يعني شيئًا، لأن الذين اشتغلوا معه لا يزالون في مناصبهم.

حكومة بدوي في عين الإعصار

اليوم يجب رحيل الوزير الأول نور الدين بدوي، وأعضاء حكومته، لأن من عينهم شقيق الرئيس الأصغر السعيد بوتفليقة، حتى تبقى دائما له علاقات مع الوزراء في الحكومة ويتم التغطية عليه”، مضيفا “الحكم للشعب”. وسار متظاهرون آخرون معظمهم من الطلبة قبالة الجامعة المركزية في ساحة موريس أدوان والنفق الجامعي، واتجهوا نحو البريد المركزي أيضا، حيث رددوا شعارات تدعو للاستجابة لمطالب الحراك ورحيل كل رموز النظام لتأسيس مرحلة جديدة في الجزائر. بالمقابل تؤكد إحدى السيدات أن “بوتفليقة دخل إلى الجزائر من أوسع أبوابها، لكنه خرج من من الباب الضيق”، مضيفة “مطالبنا أن ترحل العصابة، لم يتركوا شيئًا للشباب، جرّوا البعض منهم إلى الهجرة غير الشرعية (الحراڤة) بينما لجأ البعض الآخر إلى المخدرات”.

وشهدت الوقفة الاحتجاجية المنظمة بساحة البريد المركزي، مشاركة، كريم طابو، الناطق باسم حزب الاتحاد الديمقراطي الاجتماعي (قيد التأسيس)، الذي وجّه كلمة أمام الحاضرين، دعا فيها إلى مواصلة النضال السلمي من أجل إسقاط ما أسماها بـ« العصابة الحاكمة”. وقال طابو أمام الحاضريين”لست هنا لأكون ناطقا باسم الحراك وإنما أنا مواطن جزائري لا يرغب في اختطاف الحراك السلمي من طرف أي جهة كانت”. كما دعا إلى ضرورة رحيل باقي رموز النظام. وفي هذه الأثناء ارتفعت أصوات أخرى من المتظاهرين تدعو لتجسيد بيان وزارة الدفاع على أرض الواقع، خاصة أن قيادة الجيش وصفت محيط بوتفليقة وشقيقه بالعصابة.

وكان أحمد ڤايد صالح قد اتهم “جهات غير دستورية وغير مخولة” ومرة وصفها بالعصابة تقوم بكتابة البيانات نيابة عن رئيس الجمهورية، حيث جاء في البيان “وفي الوقت الذي كان الشعب الجزائري ينتظر بفارغ الصبر الاستجابة لمطالبه المشروعة، صدر يوم الفاتح من أفريل بيان منسوب لرئيس الجمهورية، لكنه في الحقيقة صدر عن جهات غير دستورية وغير مخولة، يتحدث عن اتخاذ قرارات هامة تخص المرحلة الانتقالية، وفي هذا الصدد بالذات، نؤكد أن أي قرار يتخذ خارج الإطار الدستوري مرفوض جملة وتفصيلا”، في تلميح مباشر للسعيد بوتفليقة، شقييق الرئيس.

ويؤكد ڤايد صالح أنه لن يسكت عما يحاك ضد الشعب، أو بعبارة أخرى لن يسكت أمام هذه “الجهات غير الدستورية” التي تطيل عمر الأزمة ضد مطالب الشعب، حيث يقول “ولقد أكدت في العديد من المرات أنني بصفتي مجاهد كافحت بالأمس المستعمر الغاشم وعايشت معاناة الشعب في تلك الفترة العصيبة، لا يمكنني السكوت عن ما يحاك ضد هذا الشعب من مؤامرات ودسائس دنيئة من طرف عصابة امتهنت الغش والتدليس والخداع، ومن أجل ذلك فأنا في صفه وإلى جانبه في السراء والضراء، كما كنت بالأمس، وأتعهد أمام الله والوطن والشعب أنني لن أدخر جهدا في سبيل ذلك، مهما كلفني الأمر”.

وفي هذا السياق، يؤكد أحمد قايد صالح التزام الجيش إلى جانب الشعب بما يحقق مطالبه، “قرارنا واضح ولا رجعة فيه، إذ أننا نقف مع الشعب حتى تتحقق مطالبه كاملة غير منقوصة، وبصفتي ابن الشعب وبناء على المسؤولية التاريخية الملقاة على عاتقي، فلا يمكنني إلا أن أنحاز إلى هذا الشعب الذي صبر طويلا وكابد المحن وحان الوقت أن يسترجع حقوقه الدستورية المشروعة وسيادته الكاملة”.

مسيرات مشيدة بانحياز الجيش للشعب

وضمن تفاعلات حراك الشارع الجزائري، خرجت أيضا مسيرة أخرى ضمت فئة المتقاعدين بولاية بجاية للمطالبة برحيل “بقايا زمرة بوتفليقة” وبتغيير النظام ورفضا لحكومة نور الدين بدوي المشكّلة حديثا. كما خرج عمال شركات عمومية في المدينة ذاتها في مسيرة سلمية للمطالبة برحيل الأمين العام للمركزية النقابية، وللمطالبة بالتغيير الجذري للنظام. وشهدت الشوارع الرئيسية لمدينة تيزي وزو، مسيرة تاريخية شاركت فيها حشود غفيرة من المواطنين الذين طالبوا برحيل النظام و«ببناء دولة مؤسسسات وليس دولة عصابات” كما كتب على أحدى اللافتات التي رفعوها.

وكان سكان ولاية تيزي وزوعلى موعد مع تاريخ الجزائر من خلال تنظيم مسيرة شارك الآلاف من المواطنين من الجنسين ومن مختلف الفئات العمرية. وكما اعتاد سكان ولاية تيزي وزوانطلقت مسيرتهم من حسناوة بجامعة مولود معمري باعتبار المكان رمز النضال من أجل الديمقراطية وحرية التعبير وشاهدة على أحداث أفريل 1980 حيث تجمع المواطنون وانطلقوا في موجات بشرية نحو وسط المدينة مرورا بشارعي لعمالي أحمد ثم عبان رمضان والالتحاق بساحة الزيتونة ثم العودة إلى فوارة وسط المدينة.

وفي تيبازة خرج متقاعدو ومعطوبو وذووالحقوق والمنتسبون للجيش الوطني الشعبي في مسيرة جابت مختلف شوارع عاصمة ولاية تيبازة، طالب فيها المتظاهرون بسقوط الحكومة الحالية وإسقاط مخلفات الحكم البوتفليقي، كما نددوا بمحاولات التدخل الأجنبي. وانطلقت المسيرة من ساحة الحرية بقلب المدينة لتتوجه نحو مقر الولاية مرورا بالقطاع العملياتي العسكري ثم العودة شمالا عبر مجلس القضاء فمقر أمن الولاية للعودة مجددا نحو الشارع الرئيسي. ورفع المتظاهرون لافتات كتبت عليها شعارات “من أجل بناء دولة ديمقراطية وليس فقط إنهاء العصابة”، “شكرا للجيش الوطني الشعبي الذي ساهم في حل الانسداد السياسي”.

كما خرج في ولاية تبسة المئات من منتسبي التنسيقية الوطنية لمتقاعدي ومشطوبي ومعطوبي الجيش الوطني الشعبي وأرامل الشهداء في مسيرة ووقفة احتجاجية وسط المدينة دعما لتحقيق مطالب الحراك الشعبي في خطوة النصر الأولى بإعلان استقالة رئيس الجمهورية وللمطالبة بتطبيق المادة 177 من الدستور لفتح متابعات قضائية على المستوى الوطني والمحلي. ورفع المتظاهرون من هذه الفئات عدة لافتات تدعو للسيادة الشعبية وأن الشعب مصدر كل السلطات. كما هتف المتظاهرون بحياة الرئيس الأسبق اليمين زروال وتحيته على موقفه الشجاع بمصارحة الشعب بمكيدة النظام والعصابة الحاكمة التي يجب أن تتنحى بكل رموزها.

وفي غليزان، نظم المئات من متقاعدي ومعطوبي ومشطوبي وذوي الحقوق الجيش الوطني الشعبي المنضوين تحت لواء التنسيقية، بولاية غليزان، مسيرة تأييد لقيادة الجيش. وانطلقت المسيرة من ساحة السلام المقابلة لمقر بلدية غليزان وجابت الشارع الرئيسي إلى غاية مقر الولاية، حيث رددوا جملة من الشعارات التي صبت إجمالا في تأييد موقف الفريق أحمد ڤايد صالح نائب وزير الدفاع الوطني التي تمسك بتطبيق المواد 7 و8 و102 من الدستور، التي ساند من خلالها الحراك الشعبي.

محاسبة رموز العصابة

وفي الوادي، خرج مئات المتظاهرين، معظمهم من متقاعدي الجيش وتعالت شعارات المتظاهرين وأغلبهم من الشباب “نريد رحيل عصابة بوتفليقة”، “الجزائر حرة وديمقرطية”، “جيش شعب خاوة خاوة”.

كما رفعوا لافتات ويافطات كتبت عليها شعارات تطالب بتطبيق مواد الدستور و«لا نريد الدماء بل نريد الحرية”. وسارت الحشود على الطريق الرئيسي وسط المدينة، فيما اكتفت مصالح الأمن بالمرافقة. وفي قسنطينة خرجت مسيرة شعبية رفعت شعارات مشيدة بموقف المؤسسة العسكرية من الحراك الشعبي وردد المتظاهرون شعارات ورفعوا لافتات تطالب بمتابعة الجميع وعدم الاكتفاء برجال الأعمال، مطالبين بتوسيع دائرة التحقيق لتشمل رؤوس الفساد المعروفين من رؤساء الحكومات ووزراء وولاة وقيادات أحزاب الموالاة ليرى الجميع أن هناك إرادة سياسية لبناء الجزائر الجديدة. وفي وهران نظم متقاعدو ومعطوبو ومشطوبو وذوو الحقوق وأرامل الشهداء بالولاية في وقفة سلمية لمساندة الحراك الشعبي، رافعين لافتات مطالبين فيها بتغيير النظام الحالي و«ارحلي أيتها العصابة” و«دقت ساعة الحساب”.

وشكّل انضمام سلك القضاة إلى الحراك الشعبي الذي تشهده الجزائر منذ 22 فيفري الماضي، بتطوراته المتسارعة، ضربة موجعة للنظام، ودفعاً قويّاً للمطالب التي يرفعها الشارع لبسط دولة القانون والحق والعدالة الاجتماعية، الغائبة على مدار السنوات الماضية. واعتبر عدد كبير من الجزائريين أن مشاركة القضاة في الحراك، كان نقطة التحول وورقة الحسم لقلب الموازين، بالنظر إلى حساسية هذا السلك ودوره في محاسبة المفسدين. وفاجأت مشاركة القضاة في وقفات احتجاجية على ترشح الرئيس بوتفليقة لعهدة خامسة في بادئ الأمر، وبعدها مطالبتهم برحيل النظام، كثيرين في البلاد، ووصِفت باللحظات التاريخية التي تشكل سابقة لم تشهدها الجزائر.

وبتاريخ 11 مارس، حاول وزير العدل الأسبق الطيب لوح، ممارسة عدة ضغوطات على القضاة، باتهامهم بخرق مبدأ الحياد، لكنهم واصلوا مساندتهم ودعمهم للحراك الشعبي ورفع القضاة في مدن عدة، شعارات أبرزها “عدالة مستقلة”، “القضاة أبناء الشعب”، “القانون فوق الجميع”، “القضاء جزء من الشعب” و«القضاة ضد خرق الدستور” وطيلة فترة حكم بوتفليقة، واجه قطاع العدالة في الجزائر، انتقادات لاذعة، في ظلّ تفجّر قضايا فساد كبيرة وغير مسبوقة، وطعن عدد كبير من الحقوقيين في طريقة معالجتها، بشكل أسقط كل تعهدات السلطة باستقلالية القضاء. أما اليوم وبعد خروج الملايين إلى الشارع للمطالبة برحيل النظام، يقع على عاتق القضاة، مسؤولية كبيرة في محاسبة الفاسدين والقيام بواجبهم في إعلاء كلمة الحق والقانون لأنها أساس السلطة.

اقرأ المزيد