الحرائق تعيد سيناريو صيف 2017 - الجزائر

الحرائق تعيد سيناريو صيف 2017

دفعت الحرائق المهولة التي اجتاحت عدة ولايات، خلال الأيام القليلة الماضية، المواطنين المكتوين بلهيبها والمتضررين من خسائرها المادية وأضرارها المعنوية، إلى التساؤل عن جدية وفعالية المخططات الاستعجالية والوقائية من أجل حماية الغطاء الغابي والنباتي الوطني عبر 40 ولاية، علما أن آخر حصيلة مؤلمة سجلت ليلة أول أمس بالبليدة، حيث التهمت النيران رضيعة بعدما حوصر منزل والديها بحريق مهول.
وأمام حساسية وخصوصية المرحلة التي تمر بها البلاد والمتصلة بالحراك الشعبي السياسي والاجتماعي تجددت المخاوف من ضلوع أياد تخريبية في استهداف مناطق دون أخرى، قبل أن تأكل المحرقة ولايات أخرى بطرق متشابهة وبأساليب مريبة، خصوصا أن سلسلة الحرائق سجلت في فترات زمنية مترابطة ومتصاعدة (منتصف فصل الصيف وليس منذ بداياته)، وهو ما جدد المخاوف من تكرار مأساة صائفة 2017 التي فقدت فيها الجزائر 53 ألف هكتار في أسابيع معدودات.
وتجددت التساؤلات أيضا حول استعدادات السلطات المحلية وشركائها الميدانيين لهذا الفصل وعن العمل الاستباقي وجدوى وسائل الاتصال اللاسلكية التي تم اقتناؤها لإطلاق الإنذار المبكر ضد الحرائق وعن دور المصالح الأمنية الجوارية والأجهزة الإدارية والمجتمع المدني في تكثيف التوعية والردع في أوساط مستعملي الطرقات ومناطق التخييم والاستجمام لتجنب مسببات الحرائق، أسئلة أخرى طرحت حول العمل الاستعلاماتي الذي يستهدف مافيا الجيوب العقارية الغابية وعن نشاط عصابات منظمة مستفيدة من الأراضي الجرداء الناتجة عن عمليات الحرق العمد، تضاف إليها عصابات الفحم بالدرجة الثانية، التي وجهت لها أصابع الاتهام هي الأخرى.
في هذا الشأن، كشف مصدر مسؤول بالدرك الوطني لـ”لخبر” أن المجموعات الإقليمية للدرك الوطني شكلت خلايا متابعة على مدار الساعة في إطار التحقيقات المتعلقة بالحرائق التي مست مناطق شرق ووسط البلاد خلال الأسبوعين الأخيرين، وقال إن التحريات لاتزال متواصلة في بعض البؤر، بالموازاة مع جمع بعض الأدلة المادية وتحويلها إلى معهد الأدلة الجنائية وعلم الإجرام لتحديد تطابقها وتشابهها مع بعض المواد المشبوهة الملتقطة من بعض البؤر الخاضعة للتحقيق الجنائي، وهي عملية متواصلة تشرف عليها الجهات القضائية المختصة.
وأمام هول الحرائق وتسلسلها زمنيا ومناطقيا في حيز زمني واحد، شكلت قيادة الدرك الوطني فرقا تقنية خاصة حلت بـ9 ولايات، منها 4 ولايات وسطى، أوكلت لها مهام فك بعض الألغاز وجمع المعلومات الخاصة ببعض الحرائق المريبة من أجل تحديد أسباب وظروف الحرائق المسجلة.
وتستعمل مصالح الدرك الوطني تقنيات متطورة للكشف عن بعض المشتبه في صلتهم بجرائم حرق المساحات الغابية، حيث تحلل مخابر الجهاز جميع العينات الملتقطة من محيط بعض المناطق التي اكتوت بنيران وصفت بأنها مشبوهة، كما تعمل الفرق 2017 على توسيع نطاق التحقيق مع الناشطين في الوسطين الفلاحي والغابي.
وأظهرت مواقع التواصل الاجتماعي أن قاطني المناطق المتضررة من الحرائق واجهوها بوسائل بدائية، وهي المشاهد التي كشفت غياب المنشآت والوحدات المتقدمة لوسائل الوقاية والمكافحة ضد الحرائق، علما أن الحكومة قد منحت نهاية 2018 الضوء الأخضر للولاة من أجل اللجوء إلى الصفقات العمومية بالتراضي قصد إنجاز كل الهياكل والمنشآت والمجمعات المائية ونقاط المراقبة في إطار البرنامج الاستعجالي للوقاية، لكن القرى التي حاصرتها النيران كانت خالية من هكذا منشآت.

محمية الشريعة كادت أن تدمر بالكامل

كانت نهاية الأسبوع في البليدة، من غربها إلى شرقها، حارة في طبيعتها الفصلية ونارية في موسم كان يفترض أن يكون هادئا، حيث لم تتوقف الحرائق عبر سلسلة أطلسها في الاشتعال إلى غاية نهار أمس، متسببة في مقتل طفلة رضيعة وإصابة 4 من أفراد أسرتها وتعرض ما لا يقل عن 3 أعوان إنقاذ وإطفاء إلى اختناقات وجروح تفاوتت في خطورتها.
الحصيلة الأولية كشفت أن الحرائق التي اندلعت في نهاية الأسبوع وصبيحة جمعة نهار أمس أتلفت ما لا يقل عن 30 هكتارا، تباينت بين أشجار غابية وأحراش وبساتين فاكهة ومساحات، تحسب ملجأ ومراعي للحيوانات البرية من الثدييات والزواحف.
ووقفت “الخبر” على الحادث الأليم الذي كلف حياة الرضيعة “ملاك” بمنطقة القلعة في طريق عين الرمانة غربا، ويروي أعوان إنقاذ وجيران العائلة الضحية أن النيران اختارت وقتا مفاجئا لتندلع فيه، حيث كانت الساعة تشير إلى حدود الـ2 فجرا، حينما حاصرت النيران مسكن العائلة الضحية وطوقتها وتسللت إلى الداخل وانتشرت بين الأفرشة وكل ما هو سريع الاشتعال، وما هي إلا ثوان حتى شعرت “الأم” وزوجها بحرارة غير عادية واختناق نتيجة الدخان الذي انتشر بسرعة وأظلم المكان، في وقت كان جيران قد انتبهوا إلى النيران وهي تقترب من المسكن، حيث سارعوا في طلب النجدة والتدخل محاولين إنقاذ العائلة، ونجحوا بعد وصول أعوان الإطفاء في إخراج الزوجين وطفلين، بينما لم ينتبهوا وسط الظلام للصغيرة “ملاك” وهي تقع أرضا لما حاولت اللحاق بوالديها، وقد تمكن منها الدخان واختنقت، لتصل إليها النيران وتلتهم جسدها الصغير، وفي الخارج ظلت والدتها تصرخ وتنادي عليها، لكن من دون أمل في الجواب.
وإلى الشريعة ومنطقة جلالطة وغابة الزاوش في أولاد يعيش وإقليم دائرة الأربعاء شرقا، كانت النيران ولا تزال في أماكن تلتهم كل شيء يعترضها، ومكن تدخل أعوان الإنقاذ من إجلاء ونجدة حوالي 50 شخصا، غالبيتهم أطفال، إلى مسجد بالجوار، فيما وصلت النيران إلى حوالي 15 مسكنا وحاصرتها.
وكشفت معلومات “الخبر” أن خطة أعوان الإطفاء وخبرتهم جنبتا محمية الشريعة “دمارا شاملا”، خاصة أن الرياح التي عصفت بلغت في بعض الأماكن نحو 30 كيلومترا في الساعة، وكانت تلك الرياح متقلبة الاتجاه، وهو ما زاد من خطورة التدخل، لكن وضع ما يشبه الخندق وعزل منطقة بني علي من جهة محطة التليفيريك أنقذ بقية الغابة المعمرة والسكان بالجوار من دمار حقيقي، وإلى غاية الساعة لايزال أعوان الإطفاء والغابات يراقبون نقاطا مشبوهة مخافة اندلاع ثالث للنيران.

الأسباب المحتملة…

لم يخف متابعون للحرائق التي اندلعت في عين الرمانة وتخوم الشريعة وبن هجوري وغابة الزاوش” ومناطق أخرى شرقا أن السبب في اندلاع النيران يعود مبدئيا إلى سهر بعض المواطنين ورميهم بقايا سجائر في وسط الحشائش اليابسة، ساعدت الرياح الحارة في لهيبها واشتعالها. وفي محمية الشريعة لم يستبعد الكثير أن يكون السبب نتيجة إضرام النار في مفرغة عشوائية وبقايا جمرات أججتها الرياح القوية ونشرتها وسط الحشائش الجافة، لتتوسع وتصل إلى تجمعات سكانية، فضلا عن تغطية بعض الفلاحين “التبن” بعجلات مطاطية سريعة الاشتعال، متسببة في دخان أسود سام وخانق وخسائر في مساحة لا تقل عن 3 ملايين متر مربع.

غابة جبل الوحش… أكبر خزان غابي في قسنطينة تلتهمه النيران

شهدت مدينة قسنطينة، منذ زوال يوم الخميس وإلى غاية نهار أمس، حصارا بألسنة اللهب، حيث اندلعت العديد من الحرائق، أكبرها بغابة جبل الوحش من الجهة الشمالية الشرقية للمدينة، ما تسبب في غلق الطريق السيار شرق ووقوع خسائر مادية معتبرة، وحريق آخر في الغابة المتاخمة لمركز الردم التقني بالجهة الغربية للمدينة.
تدخلت مصالح الحماية المدنية، يوم الخميس الماضي، بالمركز التقني لردم النفايات بالطريق الوطني رقم 5 بالكلم 13 ببلدية عين السمارة في حدود الساعة الرابعة عصرا، مستعينة بعدة وحدات تدخل بعد أن نشب حريق في الغابة الملاصقة للمركز، لتمتد ألسنة اللهب إلى داخل مركز الردم التقني، ما تسبب في احتراق بعض الآليات وإصابة عون حماية مدنية خلال العملية وكذا عاملين بمركز الردم التقني، نقلوا جميعا إلى المستشفى.
وكان يوم أول أمس استثنائيا بمدينة قسنطينة بعد اشتعال النيران أيضا في أكبر خزان غابي بالولاية، وهو غابة جبل الوحش، حيث اندلعت عدة حرائق بالقرب من الطريق السيار شرق غرب في حدود الساعة الخامسة مساء، لتتسبب الرياح في ضم هذه الحرائق المتفرقة لتكون موجة هائلة أتت على مساحة معتبرة من الغابة، لتصل إلى الطريق السيار شرق غرب وتتسبب، حسب شهود عيان، في احتراق شاحنة نصف مقطورة كانت في الطريق السريع، ما دفع بمصالح الدرك لغلق الطريق الاجتنابي للطريق السيار ابتداء من المحور الدوراني لحي جبل الوحش.
ونظرا لهول الحريق الذي نشب بجبل الوحش اضطرت مصالح الحماية المدنية لطلب المساعدة من بعض الولايات المجاورة التي أرسلت العديد من الفرق بعتادها لغابة جبل الوحش، ويتعلق الأمر برتل متحرك من ولاية أم البواقي، متكون من أعوان ووسائل الحماية المدنية ومحافظة الغابات، وزعوا على عدة محاور.
كما اضطرت السلطات الولائية أيضا للاستعانة بعناصر من الجيش الوطني الشعبي ومختلف المصالح الأمنية، زيادة على تجنيد كل أعوان الغابات.
كما جاء في بيان مصالح الولاية أن السلطات المحلية طالبت بسرعة إرسال طائرات هيلكوبتر تابعة للحماية المدنية، ستصل من العاصمة قريبا، وهذا لتدعيم حظيرة التدخل، بعد أن تقرر إرسال طائرتين لقسنطينة، مع تشكيل خلية أزمة.
أما عن الخسائر فكان بيان الولاية شحيحا جدا نظر لاستمرار عمليات الإطفاء وعدم تمكن المصالح المختصة من الجرد الكامل للخسائر التي بقيت إلى غاية كتابة هذه الأسطر عبارة عن خسائر مادية تتمثل في حريق إسطبل لمواطن توجد به 6 رؤوس أبقار.
من جهة أخرى، وجد مستعملو الطريق السيار شرق غرب أنفسهم محاصرين بين ألسنة اللهب قبل إجلائهم إلى مناطق آمنة، خاصة أن المئات منهم كانوا إما متجهين إلى الحدود التونسية أو قادمين من ولايات الشرق، الوسط وحتى الولايات الغربية، حيث أصيب العديد من المسافرين وخاصة العائلات بحالات ارتباك بعد غلق الطريق السريع وجهلهم كيفية الوصول إلى الطريق الوطني رقم 3، ومن ثمة العودة إلى الطريق السيار شرق غرب عبر مدخل بلدية زيغود يوسف.

عائلات تهجر مساكنها وتسجيل اختناقات وإصابات بحروق في عدة ولايات بالشرق

أتت النيران التي عرفتها بعض الولايات الشرقية، أول أمس، على العديد من الغابات والمحاصيل الزراعية، وكادت تصل إلى بعض التجمعات السكنية التي حاصرتها ألسنة النار، حيث سجلت حالات فردية أصيبت بحروق إلى جانب بعض الاختناقات، واستلزمت تدخلا كبيرا لإخمادها وسط العديد من المناطق الوعرة.
شهدت ولاية خنشلة، خلال يومي الخميس والجمعة، حرائق عديدة في الوسط الغابي بالبلديات الجبلية، امتدت حتى السكان المجاورين القاطنين داخلها، خاصة بمنطقة حمام الصالحين التي اضطر فيها هؤلاء إلى الفرار من سكناتهم خوفا من ألسنة اللهب والحرارة الشديدة والدخان الكثيف.
الحرائق لم تستثن أي غابة في بلديات لمصارة وشلية وطامزة والحامة وبوحمامة وبعض بلديات ولاية باتنة الجنوبية، حيث التهمت ألسنة اللهب عددا معتبرا من الأشجار الغابية، فيما لاتزال النيران تلتهم مساحات أخرى بحكم أنها شبت في تضاريس ومناطق وعرة تتطلب إمكانيات أكبر.

إجلاء 7 عائلات وخسائر مادية في بلدية الزيتونة بالطارف

كما خلف أول مواقد حرائق الغابات في الطارف إصابة خمسينية بحروق و6 حالات اختناق وخسائر مادية فلاحية معتبرة في مشتة المعارفية ببلدية الزيتونة الحدودية، حيث أجليت 7 عائلات زحفت ألسنة اللهب إلى بيوتها. وحسب الحصيلة الأولية، فقد سجل، أول أمس، اندلاع 4 مواقد في وقت واحد داخل الأحراش الغابية في البلديات الحدودية الزيتونة، عين المكرمة وبوحجار، وكانت مشتتة المعارفية الأكثر تضررا.

احتراق أكواخ وإنقاذ مجمعين سكنيين من ألسنة اللهب في سكيكدة

كما خلفت الحرائق ببلديتي السبت وعزابة في سكيكدة خسائر مادية للفلاحين، بعد احتراق خلايا نحل إلى جانب الحبوب الجافة، أشجار البلوط والزيتون، مع تلف عشرات الهكتارات من الأحراش والأدغال، حيث سجل احتراق خمسة أكواخ وإنقاد العائلات التي كانت بها مع عدد من الحيوانات، ليتكبد الفلاحون خسائر في الحبوب كانت مخزنة في بعض المستودعات.
كما سجل ثاني حريق مهول بمنطقة تليلات بغابات بيسي في بلدية عزابة، أتلف 26 هكتارا من الأحراش و140 هكتار من الأدغال و10 هكتارات من أشجار الكاليتوس. وحسب مصدر عن الحماية المدنية فقد تم إنقاذ مجمع سكني بمنطقة السيايرة في بلدية صالح بوالشعور.

عشرات العائلات عاشت الرعب في جيجل وميلة

كما عاشت عشرات العائلات القاطنة بحي العرايش في جيجل على وقع حالة من الاستنفار، بعد نشوب حريق في الغابات والأحراش المتاخمة للتجمع السكني من جهة منطقة مزغيطان، الذي غطى دخانه الكثيف جزءا من المدينة.
الحريق الذي تزامن والارتفاع الكبير في درجات الحرارة خلق حالة من الهلع في أوساط عائلات بالحي المذكور، اضطرت إلى مغادرة منازلها باتجاه بعض المساحات الآمنة، في حين صعدت أخرى إلى أسطح المباني بعد محاصرة النيران لها. موازاة مع ذلك، اندلع حريق مهول في الغابات المتاخمة للتجمع “السكني” بلغيموز ببلدية العنصر، خلف إتلاف مساحات شاسعة من الغابات والأحراش وأشجار الزيتون، إضافة إلى عدد من خلايا النحل ومساحة من الخضروات.
وشهدت مناطق أخرى في الولاية اندلاع حرائق متفرقة، على غرار حريق نشب في جبل تايرفة الواقع بين قريتي الزويتنة والمنازل ببلدية أولاد عسكر، وأخرى بكل من الغابات الواقعة بأعالي بلدية زيامة منصورية وكذا في بلديات السطارة، أولاد يحي وجيملة.
كما أثارت الحرائق المهولة التي عرفتها مناطق بميلة رعبا وهلعا شديدين وسط المواطنين الذين فروا بجلودهم، كان أكبرها بغابة بني عفاق ببلدية باينان، امتد ألسنة لهبه إلى مساحات قريبة من وسط المدينة بعد اتساع رقعتها جراء هبوب الرياح. وحسب مصادر متطابقة، فقد خلفت الحرائق خسائر مادية معتبرة تمثلت في مساحات شاسعة من الغابات وأشجار الزيتون، مع إصابة أحد المواطنين بحروق و4 اختناقات لأربع حالات.

اقرأ المزيد