الجزائريون يصنعون أمجادهم في مسيرات مليونية - الجزائر

الجزائريون يصنعون أمجادهم في مسيرات مليونية

هو شيخ في السبعينات من عمره، يمسك يد زوجته بيمناه ويهتف بالأخرى “جزائر حرة ديمقراطية”، لسان حاله يقول ما أشبه اليوم بالبارحة إننا نعيش لحظات تاريخية تُشبه استقلال الجزائر عام 1962.

هكذا رأى العديد من الجزائريين المسيرات المليونية الحاشدة التي خرجت في ربوع الجزائر تنديدًا بترشح عبد العزيز بوتفليقة، لعهدة رئاسية خامسة متتالية، عشية احتفاله بعيد ميلاده الـ 82 عامًا، المصادف لـلثاني من شهر مارس .

تشبيه لم يكن من محظ الصدفة، فبشارع “ديدوش مراد”، أضفت “جميلة بوحيرد”، إحدى أيقونات ثورة التحرير طابعًا خاصًا على المسيرة المليونية ورفعت من رمزيها التاريخية عقب تأييدها لمطالب الشباب الذين التفوا حولها، بعدما أعطت بوحيرد الأمل للشباب بتغيير الأوضاع التي تمر بها البلاد، كما ساهمت هي إبان الثورة في تحرير البلاد من قيود الاستعمار ( 1954-1962).

عائلات بأكلمها في الشارع

شيوخ، نساء وشباب وحتى أطفال أغلقوا أبواب منازلهم وحملوا الرايات الوطنية على أكتفاهم ونزلوا إلى شوارع الجزائر، مردّدين بأعلى صوت “لا للفساد.. لا لبوتفليقة…لا للنظام …نعم للحرية والعدالة الاجتماعية”.

مشاهد تاريخية صنعها شباب الجزائر في الشوط الثاني من حراك شعبي انطلق بمسيرة 22 فبراير التي أسست لعهد جديد في تاريخ البلاد، كُسرت فيه حواجز الخوف ورفعت قيود الاستبداد، كما أزلت الفكرة السائدة عن تصادم الأجيال، يقول المحتجون.

تقف الحروف عاجزة عن وصف المسيرات المليونية، التي أظهرت للعالم بأسره صورة شعب متحد طموح والأكثر من ذلك أنه بلغ درجة عالية من الوعي، على عكس ما يروج عنه بأنه شباب يهوى تعاطي المخدرات ويعشق الهجرة في قوارب سرية ليكون طعمًا لقروش البحر الأبيض المتوسط.

يوم إستثنائي

الجزائريون في مسيرتهم المليونية، ضربوا موعدًا آخر مع السلمية، بعدما قدموا درسًا بأنهم لم يخرجوا من أجل التكسير أو التخريب، فساروا متحدين جنبًا إلى جنب، دون أن تتعرض فتاة للتحرش، أو يشتكي أحد من سرقة أغراضه.

العكس من ذلك، كان الشباب في طليعة المسيرة المليونية، لتقديم الإسعافات لكل شخص يشعر بالإعياء في لحظة من اللحظات، كما وجدت النسوة معاملة خاصة من طرف هؤلاء الذين حرصوا على حمايتهن في كل مرة تلجأ فيها قوات مكافحة الشغب لاستعمال القنابل المسيلة للدموع لتفريق المتظاهرين أو اللجوء إلى خراطيم المياه.

جو السلمية، إحتوى حتى النساء الحوامل اللواتي سجلن حضورهن في المسيرة، وأملهن في غد أفضل لأطفالهن، فحملن الرايات الوطنية ورددن بأعلى أصواتهن “حرة ديمقراطية” نعم هي الجزائر التي يرغبون فيها.

“المجد لنا”

عمر، شاب في العشرينيات من عمره، شارك رفقة أصدقائه في مسيرة الجمعة 1 مارس، لم يعرف منذ أن رأت أعينه النور، رئيسا غير بوتفليقة يقول” لا أدري لما تهاجمنا السلطة منذ خروجنا في مسيرات سلمية. نحن شباب خرجنا للمطالبة بالتغيير. شكرا للجميع لكن الدور اليوم لنا لنبني أمجادنا ومستقبل أبنائنا”.

عمر ليس إلا عينة من آلاف الشباب الجزائري الذي يريد أن يقرر مصير بلاده بنفسه بعيدًا عن الوصاية” نريد أن يعود كل الحراقة الذين يعيشون في أوروبا لأنها بلدهم وأن يخرج الفاسدون من الجزائر”.

المسيرات التي استقطبت عشرات الآلاف من الشباب، وكذلك كبار السن وأطفال، ورجال ونساء، شهدت محاكمة علنية في الشوارع للنظام الجزائري بعدما رددوا هتافات” يالسراقين بعتوا البلاد”، في إشارة إلى الأموال الباهضة التي صُرفت من أموال الخزينة العمومية خلال العشريتين الماضيتين.

إنتهت المسيرة السلمية، وعاد كل المتظاهرين إلى بيوتهم بعدما نظفوا الشوارع في مشاهد رائعة ستبقى خالدة في ذاكرتهم، لكن يبقى السؤال: هل فهم النظام رسالة الشباب الذي خرج إلى الشارع بالملايين، أم أن المحتجين سيضطرون للجوء إلى الجولة الثالثة من التظاهرات التي ستجري الأحد بالتزامن مع الموعد المرتقب لإيداع الترشيح الرسمي للرئيس بوتفليقة لدى المجلس الدستوري؟

اقرأ المزيد