“الثورة المضادة في الجزائر يمكنها أن تتخذ 3 أشكال” - الجزائر

“الثورة المضادة في الجزائر يمكنها أن تتخذ 3 أشكال”

يفكك الدكتور حواس تقية، الباحث في مركز الجزيرة للدراسات بقطر، علاقة المؤسسة العسكرية تاريخيا بالرئاسة في الجزائر وإسقاطات ذلك على الحراك الحالي في ظل المخاوف من استحواذ المؤسسة العسكرية على القرار في تسيير المرحلة الانتقالية. ويوضح تقية أن ثمة 3 أشكال للثورة المضادة ينبغي التنبه لها، من أبرزها التفاف أحزاب الموالاة على قيادة الجيش من أجل البحث عن عذرية جديدة للعودة إلى الساحة.
هل الحل الدستوري عبر تطبيق المادة 102 يمكنه أن يحقق مطالب المتظاهرين؟
المادة 102 متعددة الأوجه وتحتاج إلى تفصيل لأن رهاناتها السياسية مرتفعة للغاية.
هذه المادة تحقق مطلبا جزئيا وهو رحيل الرئيس بوتفليقة، لكنها في المقابل تحافظ على باقي أركان النظام لأنها تجعل الشخصيات والمؤسسات التي استند إليها بوتفليقة في حكمه هي التي تشرف على المراحل السياسية التالية وهذا يخالف مطلب الحراك الذي يصر على رحيل النظام كله، أي الشخصيات التي كانت تتخذ القرارات المؤثرة في حياة الجزائريين، لذلك تبدو هذه المادة وكأنها تأخذ باليد اليمنى ما تعطيه للجزائريين باليد اليسرى.
وهي مادة خطرة إذا أصر المستفيدون منها أن يتمترسوا خلفها للبقاء في السلطة، لأنها تعطيهم مشروعية دستورية تمكنهم من اتهام المطالبين برحيلهم بأنهم يريدون إحداث فراغ دستوري يدفع البلاد إلى المجهول أي يلوحون بالفوضى.
ثم هي مادة لا تحل مشكلة المؤسسات الضرورية المنصوص عليها دستوريا. وهنا نقصد مؤسستين، لا يوجد وزير للدفاع لأن بوتفليقة رحل من غير تعيين وزير يخلفه في المنصب، ولا توجد هيئة تشرف على الانتخابات لأن بوتفليقة كذلك رحل دون أن يشكل هيئة تخلف الهيئة التي حلها. لا يمكن أن نجد حلال للمشكلتين في الدستور لأن المادة 104 تمنع رئيس الدولة الذي يخلف بوتفليقة من اتخاذ أي قرار بهذا الخصوص. لو بقينا في إطار الدستور الحالي لن نتمكن من تشكيل الهيئة المستقلة التي تشرف على الانتخابات، مع أنها هيئة منصوص عليها في الدستور، لذلك سنضطر من الناحية العملية لإيجاد صيغة خارج الدستور لإكماله أو لملء هذه الثغرات.
إذا خرجنا من إطار الدستور لحل مشكلة الهيئة المشرفة على الانتخابات فما المانع من أن نخرج في جوانب أخرى تعبر عن روح الدستور، وهي اعتبار الشعب صاحب السيادة. والكل يعترف حاليا بأن الحراك هو الشعب، حتى قائد الأركان طابق بين الحراك والشعب واستند على ذلك لإعطاء شرعية لمطالبته بوتفليقة بالتنحي الفوري من منصب رئيس الجمهورية.

هناك مخاوف من تغول المؤسسة العسكرية في المرحلة المقبلة بعد أن أصبحت أهم فاعل في الساحة.. هل هذه المخاوف مبررة؟
بالطبع المخاوف حقيقية، لأن هناك تضاربا في المصالح على مستويين على الأقل.
ارتبطت مصالح قائد الأركان ڤايد صالح بنظام الحكم في عهد الرئيس بوتفليقة، رقاه بوتفليقة إلى قائد أركان في 2004 ثم نائب وزير دفاع في 2015، لذلك ظل يدعم بوتفليقة حتى في ترشحه للعهدة الخامسة. في المقابل، الحراك متضرر من هذا النظام ويطالب برحيله. ولا يمكن أن يلبي ڤايد صالح مطلب رحيل النظام لأنه جزء منه، بل قد يقبل بالتخلي عن أجزاء من النظام قد لا تكون أساسية للحفاظ على مراكز النظام الأساسية، علاوة على أن دولة القانون التي يطالب بها الحراك ستحيل ڤايد مباشرة على التقاعد لأنه تجاوز السن التي يحددها القانون العسكري للبقاء في الخدمة.
أما بخصوص المؤسسة العسكرية فإنها استأثرت تاريخيا بالمؤسسة الرئاسية، ثلاثة من رؤساء الجزائر وهم بومدين والشاذلي وزروال كانوا وزراء دفاع، وأما بوتفليقة الرئيس الرابع فعينته قيادة الجيش، وقد حصلت على هذا الدور لأن الانقسامات داخل الطبقة السياسة الجزائرية تجعل بعض أجنحتها يستقوي بقيادة الجيش على الأجنحة الأخرى، استقوى بن بلة ببومدين للتغلب على الحكومة المؤقتة ومنافسيه، وبوضياف وآيت أحمد، لكن في النهاية أزاحت قيادة الجيش الجميع وتولت السلطة. لذلك ليس من المستغرب أن تتعود قيادة الجيش على القيام بأدوار مهمة في الحياة السياسية، لأن النخبة السياسية عودتها على ذلك. ومادامت النخبة السياسية متصدعة ولا تتوافق على رفض الاستعانة بقيادة الجيش في التنافس السياسي، فإنها ستقع في نفس الوهم الذي وقع فيه بن بلة الذي اعتقد أن قيادة الجيش ستسلمه السلطة ثم تعود إلى ثكناتها. هذا الميراث رسخ في ثقافة قيادة الجيش أنها ضرورية وأن الطبقة السياسية عاجزة بمفردها عن تسوية خلافاتها وقيادة البلاد.

على ضوء تجارب الانتقال الديمقراطي في العالم.. كيف ترى الحل الأنسب للأزمة الجزائرية؟
جربت مصر وليبيا الانتخابات لكنها فاقمت الخلافات داخل البلدين ولم تؤد إلى تسويتها كما كان مؤملا، لأن الانتخابات قد تجعل الأغلبية الفائزة تبدو خطرا داهما في نظر الأقلية الخاسرة، فتسارع الأقلية الخاسرة إلى الاحتماء بالجيش من الأغلبية الفائزة، ما يقوي احتمالات المواجهات المسلحة.
جربت تونس الجمع بين الانتخابات والتوافق ونجحت. لفهم ذلك نقارن بين تعامل النخبة السياسية التونسية والنخبة السياسية المصرية في التعامل مع نفس المشكل. بعد أن فازت حركة النهضة في تونس بالأغلبية في 2011 وفازت حركة الإخوان المسلمين بمصر بالأغلبية في 2012، صارتا تسيطران على السلطة التنفيذية والتشريعية وتتحضران لإقرار دستور، فأصيبت الأقلية الخاسرة في البلدين بالفزع، فعرضتا على الطرفين التخلي عن الحكومة مقابل الاتفاق على الدستور، وافقت حركة النهضة فتخلت عن رئاسة الحكومة مقابل الحصول على دستور توافقي يحدد قواعد ممارسة السلطة، لكن في مصر رفضت حركة الإخوان وأصرت على أن تتمسك برئاسة الجمهورية والحكومة وتمرير الدستور دون توافق، ففزعت منها القوى الثورية التي كانت متحالفة معها وسارعت تحتمي بالجيش، فكانت النتيجة أن خسر الجميع السلطة واستولى عليها الجيش.
الصيغة التي أثبتت نجاحها هي الجمع بين الانتخابات والتوافق لكن الأولوية تقدم للتوافق، لأن الانتخابات تحفز التنافس بين قادة الحراك ومكوناته، وهي بالتأكيد ليست متساوية القوى، وقد يشعر بعضها بأن أطراف الحراك الأخرى أو المعارضة قد تسيطر على السلطة وتقصيه فيميل إلى الاستعانة بقيادة الجيش لترجيح الكفة لصالحه. والتوافق هام حاليا لأنه يتعلق بالحصول على إجماع كل النخبة السياسية على شروط ممارسة السياسة، وهي في الوقت الحالي رفض أي دور سياسي لقيادة الجيش، ومن أراد أن يمارس السياسة يستقيل من الجيش ويقضي عدة سنوات في الحياة المدنية قبل أن تحق له ممارسة السياسة.
التوافق هام أيضا لأن مكونات الحراك والمعارضة وقيادة الجيش تفتقد إلى الثقة المتبادلة فيما بينها، ولا حل لهذه المشكلة الصعبة إلا إذا توافقت مختلف الأطراف على شخصيات تحظى بثقة الجميع في هذه المرحلة على الأقل، لأنها مرحلة إنشاء المؤسسات الضامنة وتوزيع السلطة حتى لا تتغول فئة على بقية الفئات.

يصر الشارع على فكرة “يتنحاو ڤع”.. ما مدى واقعية هذا الطرح؟
تحدد واقعيته بالمقصود منه. إذا كان المقصود تتنحى القيادات السياسية التي كانت تتخذ القرارات التي تمتد آثارها إلى كامل الشعب الجزائري أو الشخصيات التي ارتكبت جرائم يعاقب عليها القانون فهذا ممكن، لأن أعدادهم ليست كبيرة، ثم لأن ذلك يخدم البلد. الأمثلة على ذلك عديدة، مثل الباءات الأربعة، بن صالح وبلعيز وبدوي وبوشارب، هؤلاء كانوا شركاء سياسيين رئيسيين في النظام السياسي القائم وهناك آخرون بالطبع.
الحراك يميز بين المؤسسات وبين النظام، مثلا يرفع متظاهرون شعارات تطالب بتنحي ڤايد صالح لكنهم يرفعون شعار “الجيش والشعب خاوة خاوة” لأنهم يعتبرون الجيش مؤسسة كانت قبل ڤايد وستظل بعد رحيله.

كيف تتوقعون شكل الثورة المضادة في الجزائر.. وما هي الجهات التي ستقودها؟
تأخذ الثورة المضادة عدة أشكال. الشكل الأول التحاق مؤسسات النظام السابق أو شخصياته بالحراك وإظهار الحرص عليه والعمل على توجيهه من خلال تقديم النصائح وإثارة الشكوك في مكونات الحراك والانتقاص من المعارضة التي تعد، رغم عيوبها، أفضل من القوى السياسية التي ساندت بوتفليقة. هذا النموذج من الثورة المضادة نراه حاليا في التحول الذي تعرفه قيادة حزب جبهة التحرير والتجمع الوطني الديمقراطي، التي صارت تساند الحراك وتقدم له النصائح وتبدي الحرص والإشفاق عليه وتحذره من محاولات المعارضة استغلاله للوصول إلى السلطة، بينما هي تستغله فعليا للإفلات من العقاب والبقاء في السلطة.
الشكل الثاني للثورة المضادة هو مسارعة أحزاب الائتلاف الحاكم إلى الإشادة بقرارات الجيش لعله يجعلها مجددا واجهته السياسية، فيحكم من خلاله المؤسسات السياسية للدولة مثل البرلمان والحكومة والإدارات المحلية. نرى ذلك في تحول أحزاب الائتلاف من دعم العهدة الخامسة إلى دعم قيادة الجيش المطالبة بتنحي بوتفليقة الفوري.
الشكل الثالث، في حال فوز الحراك والمعارضة في الانتخابات قد تحاول قوى النظام المتبقية من عهد بوتفليقة شل الحياة العادية للجزائريين، بافتعال أزمات في الحياة اليومية، مثل افتعال أزمة في الخبز أو المواد الاستهلاكية أو البنزين أو غيرها، فتدفع عامة الناس إلى التذمر وربما الاحتجاج، فتحدث فوضى تتحجج بها قيادة الجيش لإعلان حالة الطوارئ ووقف عمل كل المؤسسات المنتخبة، تماما مثلما حدث مع الرئيس المصري محمد مرسي أو الرئيس الشيلي سلفادور أليندي أو رئيس الوزراء الإيراني مصدق، وقد تكون هذه التدخلات من قوى داخلية منفردة أو بمساعدة قوى من الخارج، كما لعبت الإمارات والسعودية دورا مركزيا في تشجيع قيادة الجيش المصري على الإطاحة بالرئيس المنتخب محمد مرسي أو في تشكيل قوات حفتر ودعمه في ليبيا للانقلاب على المؤسسات المنتخبة في 2014.