الأحداث في الجزائر تتسارع ودرجة الترقب ترتفع - الجزائر

الأحداث في الجزائر تتسارع ودرجة الترقب ترتفع

تتسارع الأحداث في الجزائر بشكل لافت وغير مسبوق منذ انطلاق الحراك الشعبي يوم 22 فبراير رفضًا لعهدة رئاسية خامسة لعبد العزيز بوتفليقة، ليصل الأمر إلى شن إضراب عام يرتقب أن يشل البلاد لأربعة أيام وفق الدعوات المتداولة على منصات مواقع التواصل الاجتماعي، في ظل إصرار السلطات على عدم سحب ترشح بوتفليقة.

إضراب عام أم عصيان مدني؟

استيقظ الجزائريون صبيحة اليوم 10 مارس، عبر عدة ولايات، على محلات تجارية مغلقة، وغياب شبه تام لوسائل النقل العمومية والخاصة، وتعزيزات أمنية كبيرة، وصوت المروحية التي لم تتوقف عن التحليق بالعاصمة لتتبع حركة الاحتجاجات وحماية المقرات الرسمية.

بدأت الأخبار تتوالى من ولايات الوطن، والتي تفيد بأن المحلات التجارية التي قرّرت فتح أبوابها، قد لجأت إلى قرار الغلق، وفق ما لاحظته”TSA عربي” في جولة لها بالعاصمة، ومتابعتها لعشرات مقاطع الفيديو التي تم تداولها على مواقع التواصل الاجتماعي، من كافة ولايات الوطن.

ولم يقتصر الإضراب على التجار فقط، فعلى نحو متسارع، توقفت الدراسة بالثانويات وخرج التلاميذ للاحتجاج في الشارع بعدة ولايات، عقب قرار الأساتذة بالانضمام إلى الإضراب المفتوح، بينما خرج طلبة الجامعات للتظاهر ضد قرار وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، بمنحهم عطلة ربيعية مسبقة وتدوم لـ 25 يومًا بدل 15 يومًا كما جرت عليه العادة، وهي الخطوة التي يعتقد كثير من المراقبين أنها جاءت لكسر إضراب الطلبة الذين خرجوا بالآلاف في الأسبوعين الماضين.

كما قرّرت عدة مؤسسات عمومية المشاركة في الإضراب، وهو ما شهدته المنطقة الصناعية بالرويبة، عقب إعلان عمال كل من مؤسسة “سوناكوم” وعدة شركات أخرى تعليق العمل والخروج إلى الشارع، غير أن قوات مكافحة الشغب المتواجدة بالمكان قامت بتفريقهم.

في تلك الأثناء، أعلن عمال شركة الأشغال البترولية الكبرى التابعة لمجمع سوناطراك بحاسي وعمال مجمع “سيفيتال” ببجاية الدخول في إضراب، في خطوة لدعم ومساندة الحراك الشعبي الرافض للعهدة الخامسة والمطالب بتغيير النظام الحاكم.

ولحد الساعة، لا يُعلم إن ما كان الإضراب سيقتصر على يوم 10 مارس، أم أنه سيستمر إلى الأربعاء المقبل، وهو تاريخ إعلان المجلس الدستوري على المرشحين الرسميين لرئاسة الجزائر.

وضمن ردود الفعل على الإضراب العام الذي شنه الجزائريون كتب وزير الاتصال والدبلوماسي الأسبق، عبد العزيز رحابي” كما كنت أتوقع وأخشى لم يرقي رد السلطة السياسية، التي عششت فيها قوى غير نظامية، إلى مستوى عظمة الربيع الجزائري لأنه أفتقد إلى إجراءات تهدئة تبسط الثقة بين الشعب وحكامه”.

وبحسب تدوينة رحابي المنشورة على صفحته الرسمية على الفاسبوك “الوضع يتطلب قرارات استعجالية توقي البلاد والعباد من فوضى مبرمجة للاستحواذ على هبّة الشعب وتقزيم مطالبه” ليُضيف في السياق ” التعنت والتعصب لا يقويان فوق سيادة شعب بأكمله. السلطة مسؤولة عن كل مخاطر وتداعيات الوضع لأنها اختارت أن ترسخ الرئاسة مدى الحياة ضد المنطق فاستخفت بعبقرية شعب و عكس وتيرة التاريخ فأدخلت الوطن في مغامرة تمرير الأمور بالقوة”.

ويعرف العصيان المدني، على أنه أحد الطرق التي ثار بها الناس على القوانين غير العادلة، وقد استخدم في حركات مقاومة سلمية عديدة موثقة؛ في الهند (مثل حملات غاندي من أجل العدالة الاجتماعية وحملاته من أجل استقلال الهند عن الإمبراطورية البريطانية)، وفي جنوب أفريقيا في مقاومة الفصل العنصري.

وبالرغم من اشتراك العصيان المدني مع الإضراب (وخصوصا الإضراب العام) في كونهما وسيلتان تستخدمهما الجماهير للمطالبة برفع ظلم أصابها، إلا أن الإضراب متعلق بحقوق العمال في مواجهة صاحب العمل (والذي يمكن أن يكون هو الحكومة).

ولطالما كان العصيان المدني من بين الأمور التي تختلف حولها المجتمعات، حيث لا يرى البعض في هذه الأفعال إلا نوعًا من الإضرار بالممتلكات. أما البعض الآخر فيجدونها أفعالا مفيدة تهدف إلى تغيير سياسة السلطات، تمامًا كما هو حاصل اليوم بالجزائر.

الرئيس وجنيف
وبينما انشغل الجزائريون بموضوع الإضراب العام، بدأت الأخبار تتهاطل عن عودة مرتقبة لبوتفليقة من العاصمة السويسرية جنيف، بعد قضائه 14 يومًا في إحدى مستشفياتها للعلاج، دون أن تُقدم رئاسة الجمهورية أي معلومة عن حالته الصحية، وهذا الأمر ليس بالجديد، فمنذ إصابة الرئيس بوتفليقة بجلطة دماغية عام 2013 انتهجت الرئاسة نفس الأسلوب.

ومباشرة عقب إعلان عودة بوتفليقة مساء الأحد 10 مارس، قادمًا من جنيف، أدلى عبد الغاني زعلان، مدير حملة المترشح عبد العزيز بوتفليقة، بتصريحات صحفية أعقب اجتماع داخلي جمعه مع المدراء الولائيين، وهو ما يوحي أن خيار العهدة الخامسة لا يزال قائما على الأقل لحد كتابة هاته الأسطر.

وأفاد زعلان، أن المترشح بوتفليقة، قال دون مراوغة وبعبارات، أنه سيقوم بتغيير النظام والذي “يعتبر المطلب الأساسي للنظام”، موضحًا “الشارع تكلّم عن العهدة الخامسة، وبوتفليقة، لم يستعمل مفردات يصعب فهمها وبعد الانتخابات ستكون ندوة الوطنية يحدّد في تاريخ الانتخابات المسبقة”.

مبادرة سياسية
في مقابل ذلك، سارع حزب جبهة التحرير الوطني للتأكيد بأنه “يعمل مع كل الأطراف السياسية للخروج من الأزمة بأقل ضرر”. بينما وصف الحراك الشعبي بـ” المكسب والمفخرة للشعب الجزائري” وهي لهجة جديدة ينتهجها الحزب الذي هاجم على لسان منسقه العام، معاذ بوشارب، في وقت سابق الراغبين في الخروج إلى الشارع، ووصفهم بـ”دعاة الفوضى”.

ولم يقدم الأفلان، تفاصيل أكثر عن دعوته، ولمن هي موجهة بالأساس، غير أن نائب وزير الدفاع وقائد أركان الجيش، الفريق أحمد قايد صالح، قال في كلمة له بالمدرسة الوطنية التحضيرية بالرويبة، “إن هنالك رابطة قوية نابضة بالحياة بين الشعب والجيش”.

وأشار “الرابطة يشهد على قوتها ومتانتها ذلك التفاعل والتعاطف”، مؤكدا أن “الجيش والشعب لهما رؤية موحدة بشأن المستقبل” في حين إعتبر أن “الجيش يفتخر بأنه من صلب هذا الشعب وأن هذا الشعب الأصيل عرف ويعرف كيف يحافظ على وطنه”.

وفي خضم تسارع الأحداث، يجرى حديث عن سيناريوهات عديدة للخروج من الأزمة التي تعيشها البلاد، سواء بإستمرار السلطة في التمسك بالعهدة الخامسة وتجاهل مطالب الشعب، أو لجوء المجلس الدستوري، إلى رفض كافة المترشحين للرئاسة وهو القرار الذي سيؤدي لا محال إلى تأجيل الرئاسيات وإقالة الحكومة وحل البرلمان، والدخول في مرحلة إنتقالية.