أفغانستان: استئناف المفاوضات بين واشنطن وحركة طالبان وسط أجواء من “الحذر و التفاؤل”

أفغانستان: استئناف المفاوضات بين واشنطن وحركة طالبان وسط أجواء من

الجزائر – استأنفت واشنطن، أمس السبت في قطر، محادثاتها التي تتسم “بالتفاؤل والحذر”-حسب مسؤولون- مع حركة طالبان الأفغانية المسلحة، بعد مرور نحو ثلاثة أشهر على توقيفها من قبل الرئيس دونالد ترامب بشكل مفاجئ، حيث تراجع عن دعوة طالبان لعقد اجتماع قرب واشنطن في أعقاب مقتل جندي أميركي.

وجاء استئناف المفاوضات، بعد أن مهّد مبعوث السلام الأمريكي الخاص، زلماي خليل زاده الطريق لذلك مع الرئيس الأفغاني أشرف غني، حيث ذكر بيان صادر عن الرئاسة الأفغانية، الخميس المنصرم، أن غني وخليل زاد بحثا استئناف مباحثات السلام مع طالبان، ومسألة وقف إطلاق النار، مضيفا أن الجانبين ناقشا أيضاً مسألة تدمير مخابئ حركة طالبان خارج أفغانستان.

وكانت الولايات المتحدة قد أعلنت الأسبوع المنصرم، استئناف المفاوضات بين واشنطن وحركة طالبان، بعد أن أوقفها الرئيس دونالد ترمب قبل نحو ثلاثة أشهر.

ووصل ترامب لأفغانستان، أواخر نوفمبر المنصرم، لإحياء “عيد الشكر” مع الجنود الأميركيين في قاعدة باغرام الجوية، بيد أنه استغل وجوده هناك ليعلن عن استئناف مفاوضات السلام مع حركة طالبان التي كان هو نفسه قد أوقفها بشكل مفاجئ ، كما عقد اجتماعا ثنائيا مع الرئيس الأفغاني أشرف غني أعلن فيه الخبر،مضيفا إنه “يعتقد أن طالبان تريد وقف إطلاق النار”.

وكانت وكالة أنباء “رويترز” نقلت عن ذبيح الله مجاهد، المتحدث باسم طالبان، الأسبوع الماضي القول إنهم “مستعدون لاستئناف المحادثات” هذا العام، مضيفاً: “موقفنا لم يتغير. إذا بدأت محادثات السلام فستُستأنف من حيث توقفت”، فيما قال قيادي كبير في الحركة طلب عدم نشر اسمه: “نرجو أن تثبت زيارة ترامب لطالبان جديته في استئناف المحادثات”.

ودعما لما جاء على لسان دونالد ترامب، أعلنت  وزارة الخارجية الأمريكية في 4 ديسمبر الجاري ، أن خليل زاده سينضم مجددا إلى المحادثات مع طالبان في الدوحة لمناقشة الخطوات التي قد تؤدي إلى مفاوضات أفغانية داخلية، وتحقيق تسوية سلمية للصراع الجاري في البلاد.

وكان الرئيس الأميركي قد علق المفاوضات المباشرة وغير المسبوقة التي أجراها زلماي خليل زاد مع طالبان في 7 سبتمبر، رغم قرب الإعلان عن التوصل لاتفاق، وذلك عقب مقتل جندي أميركي في هجوم مسلح بكابول، حيث توصلت الولايات المتحدة في وقت سابق هذا العام لاتفاق مع المسلحين يتيح سحب الجنود الأميركيين من أفغانستان ويطوي صفحة أطول حرب للولايات المتحدة، مقابل ضمانات أمنية.

لكن ترامب أوقف بشكل مفاجئ في سبتمبر المحادثات، التي استمرت سنة قائلا إنها بحكم “الميتة” وتراجع عن دعوة طالبان لعقد اجتماع قرب واشنطن في أعقاب مقتل جندي أميركي.

و شهدت المفاوضات المباشرة بين الجانبين الأمريكي وطالبان، جولات ناجحة على مدى 10 أشهر، وقّعّ خلالها الطرفين اتفاق سلام مبدئياً ينهي حالة الحرب متعددة الأطراف في أفغانستان.

 

أسباب عديدة وراء إلغاء ترامب محادثات السلام مع حركة طالبان

           

و يرجح مسؤولون ان هناك عدة أسباب جعلت الرئيس ترامب يلغي مفاوضات مع طالبان ففضلا عن مقتل الجندي الأمريكي ، يرون أن تكلفة الحرب الكبيرة و مسألة الثقة تعد أحد الأسباب الرئيسية لاتخاذه هذا الموقف.

واعتبر الرئيس ترامب ان قتل الجندي الأمريكي بمثابة سعي طالبان لاستخدام العنف “لضمان مزيد من النفوذ لها”، وقال: “للأسف من أجل الحصول على نفوذ زائف، أقرت طالبان بهجوم في كابول قتل فيه أحد جنودنا ” مضيفا ،”قررت على الفور إلغاء الاجتماع ووقف مفاوضات السلام”.

وسبق أن أشار مسؤولون إلى أن المحادثات بين طالبان وحكومة كابول المدعومة من واشنطن ستبدأ في العاصمة النرويجية أوسلو فور توقيع الاتفاقية بين الولايات المتحدة وطالبان، وكان ذلك الاتفاق لو تم سيعد أولى خطوات السلام الملموسة في البلاد منذ انتشار القوات الأمريكية في أفغانستان في أعقاب هجمات سبتمبر 2001.

ويمثل استمرار الحرب في أفغانستان تكلفة مالية مرهقة للخزينة الأمريكية فضلا عن التكلفة البشرية المتمثلة بالضحايا من العسكريين والمدنيين في هذه الحرب، فبحسب أرقام نشرتها وزارة الدفاع الأمريكية، يبلغ مجموع ما أنفقه الأمريكيون عسكريا في أفغانستان من أكتوبر 2001 إلى مارس 2019 نحو 760 مليار دولار.

وحسب الأرقام الرسمية، كان عدد العسكريين الأمريكيين الذين يخدمون في أفغانستان في يونيو 2018 يبلغ نحو 14 ألف عسكري، ولكن كان هناك في البلاد أيضا أكثر من 11 ألف من المدنيين الأمريكيين يعملون كمقاولين، غير ان هذه الخسائر الأمريكية لا تقارن بالخسائر التي تكبدها المدنيون والعسكريون الأفغان.

وكان الرئيس الأفغاني قد قال في وقت سابق من العام الحالي إن أكثر من 45 ألف من العسكريين الأفغان قتلوا منذ توليه منصبه في عام 2014.

وحسب بعثة الأمم المتحدة في أفغانستان، قتل أكثر من 32 ألف مدني أفغاني وأصيب أكثر من 60 ألف بجروح منذ بدئها في تسجيل الخسائر في صفوف المدنيين الأفغان في عام 2009.

يذكر ان الولايات المتحدة كان يفترض أن تسحب 5400 جندي من 5 قواعد خلال 20 أسبوعا بموجب اتفاق السلام المقترح.

ويشار ايضا إلى أنه في واشنطن تشهد علاقة ترامب بالقيادة العسكرية الأميركية توترا بسبب “تدخله المتكرر” في قضايا تأديبية عسكرية.

الى جانب التكلفة المالية المرهقة للخزينة الأمريكية، هناك مسألة الثقة أيضا، حيث عقّب أحد المسؤولين الأفغان على ذلك الاتفاق قائلا: “لا أحد يتحدث عنه بشكل يقيني أبدا، فالجميع يتحدث عن الأمل ولكن لا توجد ثقة، لا يوجد تاريخ من الثقة وليس هناك دليل على الأمانة والإخلاص من قبل طالبان فهم يعتقدون أنهم يخدعون الأمريكيين، بينما يعتقد الأمريكيون أنه لو مارست طالبان الخداع فسوف تدفع الثمن غاليا”.

ويقول مسؤولون أن هذان السببان من بين أسباب كثيرة دفعت الرئيس الأمريكي ترامب إلى إلغاء المفاوضات مع طالبان.

وتشن طالبان التي تسيطر على نصف البلاد تقريبا، هجمات شبه يومية ضد الحكومة، وترفض إجراء مفاوضات مباشرة معها بحجة أنها “غير شرعية”، وتشترط بغية التوصل لسلام معها خروج القوات الأمريكية من البلاد.