الجزائر – عرف المجتمع المدني خلال السنة الجارية نشاطا استثنائيا، ميزه التضامن والمبادرة، بسبب ما عاشته البلاد من أزمة صحية جراء تفشي وباء كورونا المستجد، وهو ما يؤكد المكانة التي خص بها رئيس الجمهورية هذا النشاط وجعل منه شريكا في إطار الجزائر الجديدة.
انخرطت الحركة الجمعوية فور ظهور أولى حالات فيروس كورونا المستجد بالجزائر بشكل فعال و ثمين في اطار مسعى تشاركي في الجهد الوطني الرامي الى الحد من انتشار هذا الوباء. وكان ذلك بحس مدني منقطع النظير.
وبرز دور العديد من الجمعيات على غرار جمعية “سيدرا” و”ناس الخير” و “الدار البيضاء المتحدة” و”أمل الجزائر” بالاضافة إلى الآلاف من جمعيات القرى والأحياء طوال قرابة العشرة أشهر من الجائحة التي تعيشها البلاد على غرار دول العالم.
ويمكن استحضار ما قامت به الحركة الجمعوية من حملات تحسيسية وأخرى لتعقيم وتطهير الشوارع والساحات المرافق العمومية. كما أن بعض الجمعيات أخذت على عاتقها مسؤولية صناعة الأقنعة والبذلات الواقية ومساندة الجيش الأبيض في مهمته النبيلة من خلال الضمان لهم الأكل والإيواء.
كما أن الهبة التضامنية التي أبانت عنها الجمعيات خلال هذه الجائحة بالخصوص اتجاه ولاية البليدة، التي انطلق منها الوباء وعانت من الحجر الكلي الذي فرض عليها، أظهرت قدرة المجتمع المدني على التنظيم والتجنيد والاستجابة السريعة لنداء الوطن.
“الحليف الأول لتحقيق استقامة الدولة”
وجاءت كل هذه الأحداث في ظرف سياسي استثنائي مرت به الجزائر ميزه حراك شعبي سلمي يطالب بالتغيير وضع حد لعشرتين من النهب والفساد وأدخل الجزائر في عهد جديد بعد انتخاب السيد عبد المجيد تبون رئيسا للجمهورية في 12 ديسمبر 2019.
ومن أهم إلتزامات الرئيس المنتخب الجديد عبد المجيد تبون جعل المجتمع المدني “جزء لا يتجزأ من معادلة الديمقراطية التشاركية”، إذ أكد خلال اجتماعه بالولاة في اغسطس الفارط أن المجتمع المدني يعتبر “الحليف الأول لتحقيق استقامة الدولة”، مشددا على ضرورة توفير كل الدعم و التسهيلات للمنظمات المدنية و مساعدتها على تنظيم صفوفها.
وهو ما أراد رئيس الجمهورية تجسيده في التعديل الدسوري للفاتح من نوفمبر الفارط، إذ ذكر مصطلح “المجتمع المدني” في الوثيقة ست مرات ولأول مرة في تاريخ الجزائر المستقلة يذكر في الديباجة. وهو ما يؤكد التزام السلطات العليا في إعطاء المجتمع المدني مكانته الطبيعية والمستحقة.
وتضمنت وثيقة التعديل الدستوري 15 مادة تخص إشراك المجتمع المدني و تجعل منه شريكا في السياسات العمومية وتسيير المرافق العمومية والديمقراطية التشاركية وفي محاربة الفساد وشريك أيضا في المؤسسات الاستشارية والرقابية منها مؤسسات مكافحة الفساد وتنظيم الانتخابات وتلك أيضا التي تخص الشباب والمجلس الاقتصادي والاجتماعي ومرصد المجتمع المدني.
إقرأ أيضا: الدولة الجزائرية عازمة على جعل المجتمع المدني “شريكا قويا”
كما أكدت الوثيقة الدستورية رفع العقبات أما النشاط الجمعوي الذي سيمارس بمجرد التصريح وأسست مرصدا وطنيا للمجتمع المدني، بصفته هيئة استشارية لدى رئيس الجمهورية يقدم آراء وتوصيات متعلقة بانشغالات المجتمع المدني ويساهم في ترقية القيم الوطنية والممارسة الديمقراطية والمواطنة، كما أنها أكدت أن الجمعيات لا تحل إلا بحكم قضائي.
ولم تتوقف جهود الرئيس تبون عند هذا الحد، وإنما سعى إلى التقرب أكثر من المجتمع المدني وذلك بتعيين البرلماني نزيه برمضان مستشارا مكلفا بالحركة الجمعوية والجالية الجزائرية بالخارج قصد التعرف أكثر على معوقات هذا النشاط ومحاولة تجاوزها.
ومنذ تعيينه جاب السيد برمضان كل ولايات الوطن وعقد عدة لقاءات تشاورية قصد الاطلاع الميداني على واقع الحركة الجمعوية والأخذ باقتراحاتها من أجل وضع خارطة طريق لإرساء علاقة جديدة بين الإدارة و المجتمع المدني في ظل الشفافية و التكامل، مفادها تحسين الحياة اليومية للمواطنين على الصعيدين المحلي و الوطني.
واستكمالا لهذا المجهود تم الاعلان عن انطلاق منصة رقمية وطنية خاصة بالمجتمع المدني قبل نهاية السنة الجارية والتي ستسمح بإجراء تقييم شامل و”موضوعي” لأداء الجمعيات وتحديد مرافقة الدولة لكل المشاريع المقترحة.
وحسب الأرقام التي قدمها السيد برمضان فإنه خلال شهر يولو الماضي وحده، اعتمدت مصالح وزارة الداخلية والجماعات المحلية والتهيئة العمرانية أكثر من 2600 منظمة من المجتمع المدني من أزيد من 4000 طلب تقدم بها مختلف النشطاء في هذا المجال.
وفي هذا الصدد أقرت الوزارة تسهيلات لفائدة أصحاب المبادرات لإنشاء جمعيات بلدية ذات طابع خيري وتضامني ولجان الأحياء والقرى والتجمعات السكانية. وتتمثل هذه التسهيلات في تقليص مدة دراسة ملفات تأسيس جمعية إلى 10 أيام و تخفيف الإجراءات البيروقراطية و فتح فضاءات لعقد لقاءات بين الجمعيات.
ويرى ملاحظون أن المجتمع المدني في الجزائر ستسند إليه أدوارا بالغة الأهمية في ظل الجزائر الجديدة وسيكشف عن ذلك في المستقبل القريب عندما يتم مراجعة قانون الجمعيات وتترجم أحكام الدستور الجديد في مختلف القوانين العضوية والعادية الأخرى.
جالية – رئاسيات الـ 7 سبتمبر | النشاط الجمعوي.. دعامة الوعي الوطني