وزارة الاتصال والقنوات الخاصة في ورطة

وزارة الاتصال والقنوات الخاصة في ورطة - الجزائر

بعد سنوات من التردد والانتظار “الرسمي”، تواجه حكومة الوزير الأول عبد العزيز جراد معضلةً تتمثل في تلبية الطلب على خدمات البث التي تتولاها مؤسسة البث الإذاعي والتلفزي “تي دي أ”، والتي ستُسند إليها مهمة البحث وإيجاد ترددات البث التلفزي لفائدة القنوات الخاصة، وإطلاق القنوات التي أمر بها الرئيس عبد المجيد تبون، ومنها القناة البرلمانية والشبابية والدولية.

توجد مؤسسة “تي دي أ” في ورطة نظرا لمحدودية قدرتها على تلبية طلبات متعاملي النشاط السمعي البصري، بالحصول على رخص الاستغلال، وقد أبرمت صفقة مع شركة “أوتلسات” للاتصالات لاستئجار ذبذبات وترددات على قمرها “أوتلسات 7 غرب”.

وتفيد بنود الاتفاق طويل المدى، حسبما أعلن عنه وزير الاتصال السابق حميد قرين في عام 2016، أن طاقة الاستقبال بسعة 78 ميغاهيرتز (33 ميغاهيرتز فعليا) بما يسمح لذات المؤسسة دخول القطب المداري 7/8 درجات غرب، أملا في توفير أكبر قدر ممكن من القنوات التلفزيونية المستقبلة بواسطة أجهزة الاستقبال عبر الساتل.

وفي هذا الصدد تفيد معلومات متداولة في وسط مهنيي هذا النشاط، الذي يتطلب ضبطه التكيف مع قانون النشاط السمعي البصري، بأن منصة البث التلفزيوني دون تشفير من طرف مؤسسة “تي دي أ” ستجمع بين بث القنوات الوطنية العمومية وقنوات خاصة (يجهل عددها) المنتظر اعتمادها بعد سنوات من العمل غير المقنن الذي استولت عليه مجموعة من رجال الأعمال المحسوبين على النظام السابق.

ونص الاتفاق المبرم بين “تي دي أ” و “أوتلسات 7 غرب” على أن باستطاعة القنوات العمومية والخاصة الاستفادة من خدماته بما يغطي منطقة المغرب العربي وشمال غرب إفريقيا بداية من عام 2015، ليتم بعد ذلك توسيع نطاق التغطية إلى منطقة الشرق الأوسط والخليج العربي.

وكان الوزير الأول السابق عبد المالك سلال قد كلف بتاريخ 23 ماي 2016 وزير الاتصال بتنظيم أوضاع القطاع السمعي البصري في أقرب الآجال، في انتظار تنصيب سلطة ضبط النشاط السمعي البصري فعليا وتكليف زواوي بن حمادي برئاستها في 20 جوان من نفس العام خلفا للراحل ميلود شرفي.

وقد شدد سلال أمام مسمع ومرأى من المتعاملين في القطاع والرأي العام على أنه “من اليوم فصاعدا لن يسمح بأي تجاوز وسيطبق القانون بكل صرامة وفي جميع الظروف”، في إشارة منه إلى من يستغلون حالة الفوضى.

وكشف وقتئذ عن وضع آلية للمتعاملين الراغبين في تقديم خدمات سمعية بصرية على أساس دفتر شروط حدّد بوضوح الحقوق والواجبات. كما تعهّد سلاّل بأن كل القنوات التي ستلتزم ببنود هذا الدفتر ستُعتمد كقنوات جزائرية تستفيد من الدعم والتشجيع الذي ينص عليه القانون، أما تلك التي ستخالفه فستُمنع من النشاط في الجزائر.

وباعتبار أن الانفتاح على عصر السماوات المفتوحة يقتضي تحضيرا في مستوى التزامات الرئيس تبّون، ويواكب تطلعات الجمهور الجزائري الواسع في الداخل والخارج، فإن ما يُلاحَظ على الطريقة التي تعاطت بها الجهات المكلفة بذلك من قبل يؤشر على وجود مستور يخاف بعض المسؤولين في قطاع الاتصال والبث التلفزي انكشافه للرأي العام ولمن يهمه الأمر في أعلى هرم السلطة.

وفي هذا الصدد، تشير معلومات إلى أن “تي دي أ” مخولة بموجب قانون السمعي البصري بتوفير وتوزيع ترددات وذبذبات البث التلفزي والإذاعي، لكن الواقع يبين أنه لم يكن بمقدورها تلبية الطلبات على ذبذبات البث الإذاعي، كما لا يتعدى البث التلفزي حد الاستنجاد بخدمة البث عبر الساتل وتحديدا القمر الاصطناعي “أوتلسات 7 غرب” فقط، والذي يوفر حاليا البث لـ5 قنوات هي القناة الأرضية و “الجزائرية الثالثة” و “كنال آلجيري” و “القرآن الكريم” و “الأمازيغية”، في حين أن الحديث عن البث الرقمي الأرضي “تي أن تي” يظل بعيد المنال في الوقت الراهن.

أما بالنسبة لإمكانية حصول القنوات الخاصة على ترددات على هذا القمر الاصطناعي، فإن مؤسسة “تي دي أ” واقعة في مأزق بسبب الطلبات المرتقبة، خاصة في حال التزام أصحابها بدفتر الشروط، في حين أن المعروض لا يتعدى التكفل بـ6 قنوات إضافية فقط على اعتبار أن سعة البث محدودة ونطاق التغطية لا يشمل أوروبا التي يقيم فيها القسط الأكبر من الجالية الجزائرية بالخارج!

كما لا تبرز الحاجة إلى تقنية البث الأرضي الرقمي “تي أن تي” مجدية في الوقت الحالي، لأن مبدأ الاشتراك في هذا النوع من الخدمة يقتضي احتواء القنوات على مضامين تغري المشاهد نظرا لتكلفته المرتفعة وتجهيزاته الخاصة، وهو ما سيضرب برنامج رئيس الجمهورية لتطوير السمعي البصري في الصميم، خاصة أن هذا المجال يكتسي أهمية استراتيجية في ظل تنامي تأثير قنوات تصنفها الحكومة في خانة “المعادية” لها كقنوات “المغاربية” و “الجزيرة” و “فرانس 24” وغيرها!

ويذكر أن الجهات المعنية بالتعاقد مع إدارة “أوتلسات للاتصالات” وقعت على الاتفاق في 2012 بتكلفة سنوية 70 مليار سنتيم، من أجل استيعاب 13 قناة تلفزيونية، في حين أن قدرات مؤسسة “تي دي أ” لا تسمح لها بذلك، علما بأنها لجأت لاستغلال قمر “أتلانتيك بيرد 3 (AB3)” لتغطية نقاط الظل أي المناطق التي يصلها بث القنوات العمومية وخاصة جنوب البلاد.

بث محدود بدون تأثير

ولا يغطي القمر الاصطناعي “أوتلسات 7 غرب” إلا شمال إفريقيا وغرب إفريقيا والشرق الأوسط، وقد وُضع في مداره الحالي في 24 سبتمبر 2011، وهو من تصنيع الوكالة الأوروبية للفضاء، حاملا معه 56 مستقبِلا (أو ناقلا). وفي شهر ديسمبر من نفس السنة انتقلت تسمية هذا القمر الصناعي إلى تسميته الحالية بعدما كان يعرف باسم “أتلانتيك بيرد 7 (7AB)”. فما هي القنوات التي ستخاطر باستثماراتها في ظروف كهذه ومجال بث؟! والأهم من ذلك، من سيتحمل عواقب هذا الإخفاق؟ وحتى في حال استنجاد الحكومة بالقمر الاصطناعي الجزائري “ألكومسات1″، فإن ذلك لن يكون مربحا بالنسبة للقنوات الخاصة الجزائرية التي ستضطر للتكيف مع القانون، وهي التي وُجدت لمواجهة “المد” الإعلامي الذي كان يستهدف الجزائر خلال ثورات الربيع العربي، وهذا فضلا عن وجود تحدٍّ مرتبط بمضمون وبرامج القنوات الخاصة التي يجب أن تنافس ما يوجد في القنوات الجذابة التي تبث من الأقمار الاصطناعية الأخرى، على شاكلة المصري “نايلسات” الذي يستحوذ على البث في شمال إفريقيا والشرق الأوسط.

كما يستوجب الانتقال للبث عبر قمر “ألكومسات” إقناع المعلنين وخاصة العلامات العالمية والإقليمية باختيار القنوات الجزائرية للإعلان فيها للوصول إلى المستهلكين الجزائريين، بسبب عدم شمول البث لمنطقة الشرق الأوسط والخليج العربي!