مع حلول فصل الشتاء ، يجد الكثير من الجزائريين وعلى اختلاف مستوياتهم المعيشية، ضالتهم في ارتداء أحد الألبسة التقليدية التي مازال المجتمع محافظا عليها، والتي ما يصفونها بـ”المدفأة المتنقلة” أو بالأحرى “القشابية”.
إذ يكاد لا يخلو بيت في مدن الجزائر العميقة من هذا المعطف الوبري الذي يرتديه الشباب والرجال لمواجهة الصقيع والبرد القارص.
القشابية” لباس تقليدي عريق يحتل مكانة هامة في المجتمع الجزائري، وهي عبارة عن عباءة ثقيلة مصنوعة من وبر الإبل والصوف مع غطاء للرأس، وهي تصنع عبر “المنسج” التقليدي الذي تحتفظ به بعض العائلات والحرفيين، وتعدّ من الأزياء الشائعة في مناطق أعالي الجبال، حيث تنخفض درجات الحرارة وتتساقط الثلوج بكثافة، وخاصة في الجلفة والأغواط وغرداية.
ورغم أن “القشابية” لباس رجالي شتوي، لكنه مصنوع بأيادي نسائية من وبر الجمال وصوف الأغنام، عادة ما تغزل النساء هذا للباس على المناسج الخشبية التقليدية، فيما باتت مؤخرا تصنع في معامل النسيج، كمدفأة للرجال في فصل الشتاء شديد البرودة.
وتبدأ مراحل حياكة القشابية بانتقاء وتنقية وغسل الوبر أو الصوف، ثم التجفيف والغزل لاستخراج خيوط النسيج، يليهما الحياكة والصباغة بين ألوان الأسود والأبيض والبني.
وتشكل القشابية بجانب “البرنوس” أشهر الألبسة التراثية للرجال، فيما يعد “الكراكو” و”الملايا” من أبرز الألبسة النسائية في الجزائر.
وليس هناك منطقة لا تجد مرتديا لـ”لقشابية” في شوارعها.. حتى في الجزائر العاصمة وغيرها من المدن الكبرى هناك إقبال متواصل على اقتناء هذه العباءة الجزائرية الخالصة وارتدائها، أين تباع في عدة محلات خاصة بالألبسة التقليدية.
ويستمد هذا اللباس الشعبي جذوره من التاريخ، إذ كان محاربو الثورة التحريرية إبان الاستعمار الفرنسي الذي دام 132 عاماً يرتدونه بالجبال الوعرة المكسوة بالثلج لتحصين أنفسهم من انخفاض درجات الحرارة في معاركهم ضد الجيش الفرنسي، فساعدهم على إخفاء الأسلحة الخفيفة، فاستطاع بذلك أن يكون سندهم في مواجهة عدوين هما “الاستعمار والبرد”.
تمرّ عملية نسيج لباس القشابية على عدة مراحل، تستغرق في الغالب وقتاً طويلاً قد يصل إلى سنة كاملة في بعض الأحيان، عملية صناعة هذا الزي التقليدي الرجالي، تبدأ بمرحلة جمع الوبر، وتكون عبر جزّ وبر الجمل حياً أو ميتاً، ولكي تحصل على قشابية ذات جودة عالية فعليك بوبر “العقيقة”، وهو وبر يتم جزه من صغار الإبل.
بعد عملية جمع الوبر التي تستغرق بضعة أشهر والتي يقوم بها الرجال، تأتي مرحلة تصفية الوبر ثم غزله، ومن هنا تبدأ وظيفة النساء، عملية الغزل تتطلب أدوات خاصة؛ هي “القَرْداش” و”المغزل”، وتنتهي عند تحويل الوبر إلى خيوط ذات لون “بني ذهبي”، أو ما يعرف محلياً بخيوط “الڨيام”.
تمّ تأتي عملية نسج القشابية، وهنا يعود الرجل لأداء هذه المهمة، ويستغرق النسج شهراً كاملاً للقطعة الواحدة، باستعمال “المَنْسَج” و”الخَشْبَة” و”الخُلالة” و”الأوتاد”.
لا مجال للمبالغة إذا قيل إن لباس “الـقَـشابية” هو أغلى لباس عربي رجالي، كونه مصنوع من وبر “الجمل الصغير”، إذ يمتاز وبر هذا الجمل الصغير بمحافظته على الحرارة، إذ يتراوح سعرها ما بين
10 إلى 20 مليون سنتيم، وتنخفض الأسعار تماشيا مع نوع الوبر الذي صُنعت منه.
ساعة اقتصاد : الصناعات الالكترونية الجزائرية تنافس الماركات العالمية