هجمات شرسة وتحصينات سيبرانية

هجمات شرسة وتحصينات سيبرانية - الجزائر

منذ بدأت التقنية تغزو العالم وعلى نحو خاص تقديم حلول تقنية للإجراءات والخدمات الروتينية اليومية، مثل المحاسبة، وإدارة الأصول، كانت هناك مشكلات مصاحبة من بينها التقادم، لكن البرامج الضارة مثل الفيروسات الإلكترونية باتت أكثر ما يهدد الشركات، وتهدف أول الأمر إلى تحييد نظام التشغيل الرئيس أو حذف البيانات منه، ما يتعذر معه تشغيل البرامج التطبيقية، وقد يتسبب للشركات في قضايا قانونية وخسائر من جراء حذف البيانات.
وفي عالم البرامج الضارة سميت الفيروسات حينها، وتهدف معظم الهجمات إلى إظهار مدى تأثير المصمم للبرنامج الضار، لكنها لم تصل حد التهديد الأمني الشديد أو حد السرقة والاحتيال، ذلك أن تواصل الأفراد والشركات بهذه الشبكة كان محدودا فقط بمعالجة المعلومات الروتينية، لكن مع تنامي التجارة الإلكترونية من خلال الدفع بالبطاقات الائتمانية، بدأت هذه التهديدات تأخذ مسارا آخر، حيث أصبحت القرصنة والوصول إلى الأرقام السرية الخاصة بالبطاقات أكثر انتشارا. وكلما تنامت التجارة الإلكترونية والاقتصاد الرقمي باتت التهديدات أكثر تحديا، ولها آثار اقتصادية عميقة.
وتكبد الاقتصاد العالمي خسائر وصلت إلى تريليون دولار في عام 2020، وستة تريليونات دولار العام الماضي، بحسب التقارير الدولية، وذلك على الرغم من صعوبة تقدير قيمة دقيقة للخسائر السنوية الناتجة عن الهجمات الإلكترونية، وأن بعض الشركات لا تكشف عن تفاصيل خسائرها، كما أن شركات أخرى غير قادرة على تقدير الخسائر الناتجة عن الهجمات الإلكترونية التي تعرضت لها.
وفي تقرير نشر عام 2020، يبين أن ما تحققه الجرائم الإلكترونية يقدر بـنحو 1.5 تريليون دولار سنويا، وأن 60 في المائة مما تجنيه الجرائم الإلكترونية الضخمة يأتي من الأسواق غير الشرعية عبر الإنترنت، و30 في المائة من سرقة الملكية الفكرية والأسرار التجارية، و0.07 في المائة فقط من فيروسات الفدية التي تسبب مع ذلك أكبر قدر من الأضرار.
وشهد عام 2021 قدرة عصابة إلكترونية إجرامية على إغلاق خط الأنابيب الذي يوفر نحو 45 في المائة من الوقود للساحل الشرقي للولايات المتحدة، وطالبت بفدية كبيرة لم تجد الشركة مفرا من دفعها حتى تحرر النظام.
ولهذا تحذر شركات التأمين حول العالم من أن الهجمات الإلكترونية باتت أكبر تهديد للشركات فالاحتياطات الأمنية مهما بلغت لا تستطيع الحماية 100 في المائة من هجمات القراصنة. والبيانات تؤكد أن هناك اليوم أكثر من 1.2 مليون هجمة إلكترونية على الشركات على مستوى العالم خلال الأسبوع الواحد.
وفي دراسة لخبراء كاسبرسكي، الشركة المتخصصة في برامج المكافحة والأمن السيبراني، أن حملات التجسس الرقمية تهاجم أكثر من ألفي شركة صناعية في أنحاء العالم. وهناك أكثر من 25 سوقا تباع فيها البيانات المسروقة في هجمات التجسس، وفي تحليل للشركة على عينة من برمجيات التجسس التي اكتشفت في النصف الأول من عام 2021، تبين أن واحدا من كل سبعة أجهزة حاسوب صناعية هوجمت ببرمجيات التجسس في منطقة الشرق الأوسط وحدها. بينما تتوقع شركة فينتشر المتخصصة في الأمن السيبراني أن تزداد الخسائر الناتجة عن الجرائم الإلكترونية العالمية 15 في المائة سنويا على مدى الأعوام الخمسة المقبلة، 10.5 تريليون دولار في عام 2025، وهو ما يرسم صورة قاتمة تماما حول مستقبل التجارة الإلكترونية وقدرة الشركات على الصمود أمام هذا الإغراق الضخم من الجرائم، وصعوبة مواجهتها ما لم يتم تحييد كثير من أنشطة الشركة أو الجهات المستهدفة على فضاء الإنترنت. وهو ما يعد تراجعا كبيرا إن حدث لأهم منجزات هذا العصر.
ليست الهجمات الإلكترونية منحصرة اليوم في فضاء التجارة الإلكترونية وسرقة الحقوق أو طلب الفدية، بل هي اليوم ساحة حرب مفتوحة، ويشير تقرير صدر أخيرا إلى أن الحكومة البريطانية طلبت من الشركات الكبرى تعزيز دفاعاتها في مواجهة هجمات إلكترونية روسية محتملة نتيجة الأزمة بين روسيا وأوكرانيا، ومع هذا التحذير استهدف هجوم إلكتروني واسع منشآت ومرافئ نفطية ما يعطل جزئيا شحنات الطاقة وذلك في ثلاث دول أوروبية على الأقل هي: ألمانيا وهولندا وبلجيكا، ما دفع القضاءين البلجيكي والألماني إلى فتح تحقيقات. ومثل هذا الهجوم الذي ينفذ من جهات مجهولة يتسبب اليوم في تعطيل بنى استراتيجية تؤثر بشكل واضح ومتنام في المواقف السياسية، والقضايا العالمية ذات الشأن، وهو ما يجعل الأمن السيبراني والإنفاق عليه لا يقل أهمية عن الإنفاق العسكري بأسلحته التقليدية إذ لم يتفوق عليه.

author: 
Image: