هجمات الشمال القسنطيني أججت لهيب الثورة و فكت الحصار عن مناطق بأكملها

هجمات الشمال القسنطيني أججت لهيب الثورة و فكت الحصار عن مناطق بأكملها

قسنطينة – شكلت هجمات 20 أوت 1955 بالشمال القسنطيني لمهندسها الشهيد زيغود يوسف، إحدى المحطات البارزة في تاريخ الكفاح المسلح من أجل التحرير الوطني إذ مكنت من إضافة شعلة جديدة للثورة و فك الحصار عنها في الاوراس-نمامشة و مناطق أخرى من البلاد، وفق ما ذكره مختصون في التاريخ.

و قد انطلقت انتفاضة 20 أوت 1955 بعد اندلاع الحرب التحريرية بأقل من عشرة أشهر في منتصف النهارو كانت بمثابة النفس الثاني للثورة الجزائرية و المنعرج الأول و الكبير للمسيرة النضالية للشعب الجزائري كما يراها الكثير من المؤرخين على أنها البداية الحقيقية للثورة و أكبر هجمات لجيش التحرير الوطني و الأولى من نوعها التي خطط لها زيغود يوسف الملقب بـ ”سي أحمد”, قائد المنطقة التاريخية الثانية.

و قد اعتبر العديد من المختصين في تاريخ الثورة الجزائرية من بينهم الباحث في التاريخ و الأدب و مدير جامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية سابقا، الدكتور عبد الله بوخلخال, أن هجمات 20 أوت 1955 “تشبه كثيرا اندلاع ثورة الفاتح من نوفمبر 1954 من حيث ظروف التحضير لها، حيث تميزت بالسرية التامة و التخطيط الجيد و الهبة الجماعية من أجل التحرر و شاركت فيها الأحزاب السياسية و الحركة الوطنية و جمعية العلماء المسلمين الجزائريين و الكشافة الإسلامية الجزائرية”.

و ذكر ذات الأستاذ، المختص في سيرة البطل زيغود يوسف، أن الفرق الوحيد هو أن اندلاع الثورة في الفاتح من نوفمبر 1954 كان في منتصف الليل في حين كانت انطلاقة هجمات 20 أوت 1955 في منتصف النهار و ذلك ليثبت صناع ملحمة الشمال القسنطيني للمستعمر أن الشعب الجزائري بمختلف أطيافه مستعد للتضحيات الجسام من أجل تحقيق استقلال وطنه عكس ما حاولت فرنسا إقناع الرأي العام به بأن من فجروا الثورة مجرد فارين من السجن و هاربين من العدالة.

كما ساهمت أحداث 20 أوت 1955 في إدراج “القضية الجزائرية” في جدول أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة في 30 سبتمبر 1955 بناء على طلب 15 دولة من أصل 29 شاركوا في مؤتمر باندونغ (إندونيسيا)، حسب ما ذكر به الأستاذ بوخلخال.

و كان هدف قادة المنطقة التاريخية الثانية من انتفاضة 20 أوت 1955 هو الاستجابة لنداء شيحاني بشير، القائد المؤقت آنذاك لمنطقة للأوراس، الذي طلب المساعدة و مساندة أهالي المناطق المجاورة لفك الحصار عن الأوراس، لذا فإن هجمات 20 أوت 1955 عبرت عن الارتباط بين المنطقتين و التعاون و التنسيق و محاولة فعلية لفك الحصار على الأوراس، حسب ما رصدته (وأج) من شهادات حية للمجاهد موسى بوخميس.


اقرأ أيضا :     هجمات 20 أوت 1955: تحطيم أسطورة الجيش الفرنسي الذي لا يقهر و تدويل للقضية


و من خلال تلك الهجمات، أراد قادة المنطقتين، حسب المجاهد موسى بوخميس، القاطن بمجاز الدشيش بولاية سكيكدة, الرد على السياسات الفرنسية و الضغوط المفروضة على الجزائريين لإبقائهم محايدين إزاء القضية الوطنية، لذا قاموا بإشراك أكبر عدد ممكن من المواطنين في الثورة و المعترك الحقيقي و ذلك ما تجسد عمليا من خلال المواجهات المسلحة التي استهدفت 93 منطقة بالقرى و المدن الإستيطانية عبر ولايات قالمة و سكيكدة و الطارف و قسنطينة.

و أضاف أن “خطة هجمات 20 أوت 1955 أتت بنتائج إيجابية”، حيث تخلصت منطقة الأوراس النمامشة من الحصار الذي كان مفروضا عليها بعد أن انتقلت القوات الاستعمارية إلى الشمال القسنطيني لإخماد الانتفاضة الشعبية، فكانت الحصيلة استشهاد 12 ألف من الجزائريين منهم 6 آلاف بولاية سكيكدة.

و قد عمدت قوات الاحتلال الفرنسي إلى قتل الجزائريين بطريقة وحشية و دفنهم أحياء بواسطة جرافة، يضيف المتحدث في شهادته.

 

 

 

 دوار “السوادق”، مهد النضال السياسي و العسكري لمهندس هجمات 20 أوت 1955

 

 

 

شهد المكان المسمى ”دوار السوادق” شرق السمندو سابقا (بلدية زيغود يوسف حاليا) مولد البطل الرمز و مهندس هجمات 20 أوت 1955 زيغود يوسف، حيث ترعرع بها و اكتمل نضجه الفكري و وعيه السياسي وسط القادة و المناضلين ديدوش مراد و بوشريحة عباس و بن غرز الله بلقاسم و بلوصيف علي الذين كانوا يسيّرون المنطقة الثانية و يعقدون لقاءاتهم بهذا المكان.

و في سنة 1938, تم تعيين زيغود يوسف قائدا لخلية حزب الشعب الجزائري في منطقة “كوندي سمندو” (بلدية زيغود يوسف حاليا)، حيث أشرف كذلك فيها على تنظيم مظاهرات 8 ماي 1945 قبل أن يلتحق سنة 1947 بالمنظمة السرية لحركة الانتصار للحريات الديمقراطية إلى أن اكتشف العدو الفرنسي أمره سنة 1950 وتم اعتقاله مع مئات المناضلين الجزائريين بسجن عنابة.

و قد تنقلت وأج إلى قرية “السوادق” التي يقع بها المقر الأول للولاية الثانية التاريخية (1954-1956) الذي كان يجتمع فيه المجاهدون و يقومون بالتحضيرات للثورة التحريرية في تلك المنطقة، حيث أكد الدكتور احسن ثليلاني، مدير مؤسسة زيغود يوسف، و الذي يشغل حاليا منصب مدير الثقافة و الفنون لولاية عنابة, أن هذه القرية احتضنت الخطوات الأولى لنضال ”الحداد الثائر” (زيغود يوسف) مثلما وصفه في أحد مؤلفاته، كما أنها مثلت مصدر إلهام له لأنها مكان استشهاد البطل ديدوش مراد في 18 يونيو 1955 بمعركة “بوكركر” و يومها تم تعيينه قائدا للمنطقة الثانية.

و اعتبر الأستاذ ثليلاني أن ”السوادق” مدرسة استلهم منها صانع ملحمة 20 أوت 1955 العبر و قرر بها تنفيذ انتفاضة الشمال القسنطيني، حيث خطط بها أهم المحطات التحضيرية لهجمات 20 أوت 1955 خلال مؤتمر “الزامان” بمشاركة عدة مناطق من الشرق الجزائري.

و في يوم اعتقاله بسجن عنابة، فكر زيغود يوسف في طريقة للهرب قبل موعد محاكمته، فتمكن من صنع مفتاح لباب السجن، حيث حصل على قطعة حديد وصقلها على شكل مفتاح وتمكن من الهروب من السجن في ليلة 21 أبريل سنة 1951 رفقة ثلاثة مناضلين هم بركات سليمان و عمار بن عودة وعبد الباقي بخوش، يضيف المتحدث.

و ذكر الأستاذ بوخلخال حادثة وقعت لزيغود يوسف حين آوى هذا الأخير إلى مزرعة عائلة بوخلخال بجبل الوحش (شمال بلدية قسنطينة)، فوصلت شاحنتان للجيش الفرنسي للبحث عنه و لما دخلوا المنزل سألوا عنه فأجابهم صاحب المزرعة أنه غير موجود رغم أنه كان واقفا أمامهم، بل و قام بتقديمه لهم على أنه شقيق زوجته، فنجا من عساكر فرنسا الاستعمارية التي كانت تبحث عنه لفراره من السجن سنة 1951.

و خلال مؤتمر الصومام المنعقد في 20 أوت 1956 بمنطقة إيفري (بجاية), لاحظ القادة عدم حضور قائد منطقة الأوراس مصطفى بن بولعيد، فتم تكليف زيغود يوسف بالتنقل إلى هذه المنطقة لمعرفة أسباب عدم حضور قائدها المؤتمر، يضيف الاستاذ بوخلخال.

و في أواخر شهر سبتمبر من نفس السنة، انطلق زيغود يوسف و معه ثلاثة جنود إلى وجهتهم ففاجأتهم قوات الجيش الفرنسي بالمكان المسمى “الخربة” بمنطقة سيدي مزغيش (سكيكدة) في 25 سبتمبر 1956، حيث استشهد بعد أن قاوم جنود المستعمر.

اقرأ المزيد