”ندعم أي جهد جزائري لتحقيق السلم في ليبيا” - الجزائر

”ندعم أي جهد جزائري لتحقيق السلم في ليبيا”

قال المبعوث الشخصي لرئيس حكومة الوفاق إلى دول المغرب العربي، د. جمعة القماطي بأن العملية العسكرية التي قادها الجنرال المتقاعد خليفة حفتر في طريقها للانتهاء كليا، وأن قواتها لن تستطيع العودة إلى سابق عهدها بسبب الضربات القوية التي تلقتها، وأكد أن حفتر لن يكون له مكانا في العملية السياسية مستقبلا لأنه لا يؤمن إلا بالعمل العسكري، كما تحدث المسؤول الليبي  في حواره مع “الخبر” عن رؤية حكومة الوفاق الوطني لعلاقاتها مع الدول التي ساندت حفتر، وأيضا للمستقبل السياسي لليبيا، وشدد على الدور الجزائري في مرافقة ليبيا ومساعدتها في بناء مؤسساتها واستقرارها.

بعد تغير موازين القوى على الأراضي الليبية، هل يمكن القول أن “معركة الكرامة” التي أطلقها حفتر انتهت ؟

يمكن أن نقول أن عملية الكرامة التي قادها حفتر في طريقها إلى الانتهاء كليا، لأنها تلقت ضربات قوية جدا وقوات حفتر ومليشياته الآن في حالة تراجع كبير ولن تستطيع العودة إلى سابق قوتها ومكانتها بعد أن تم دحرها في كل الغرب الليبي، والآن تتم ملاحقتها في سرت وقريبا في الجفرة وبعدها في الموانئ الليبية، ونتوقع أن يتم طردها أيضا من الجنوب الليبي بالكامل، وربما ستنحصر في الشرق فقط، وهناك قد تكون تطورات أخرى من نوع الانتفاضة الشعبية من داخل المدن ضد حفتر، بعد أن يعرف الناس أن مشروعه فشل بالكامل ولم يجلب لهم إلا القتل وفقدان عشرات الآلاف من أبنائهم، كما أن المرتزقة متعددي الجنسيات وخاصة مرتزقة فاغنر الروس الذين يبلغ عددهم 1600 فرد قد انسحبوا وهم الآن في طريقهم للخروج من ليبيا، وكذلك جزء كبير من مرتزقة الجنجويد، وانسحاب المرتزقة يضعف كثيرا حفتر الذي كان يعتمد على حوالي 60 إلى 70 بالمائة منهم في معاركه، إذا نستطيع القول أن حكومة الوفاق استردت المبادرة بعد 14 شهرا وهي الآن تتقدم بقوة وثبات، وانقلاب حفتر يعتبر فاشلا بالكامل مما يعني أنه قد يخرج من المشهد السياسي والعسكري بالكامل في ليبيا قريبا.

وكيف تتوقع أن يكون مصيره ؟

نتوقع أن يكون مصير حفتر الفرار للعيش في إحدى الدول العربية، قد تكون في الأغلب الأردن أو مصر، هذا إن لم يحدث له ما ينهيه داخل ليبيا والأسابيع القادمة ستحدد مصيره.

وقبل ذلك كيف ستقر الدول الداعمة لحفتر تراجعه الكبير ميدانيا، وهل ستتخلى عنه في حال وصول هزائمه إلى أقصى الشرق؟

بعض الدول الداعمة لحفتر بدأت مراجعة إستراتيجيتها ودعمها له بعد أن أدركت أن مغامرته الأخيرة بالهجوم على طرابلس قبل 14 شهرا قد باءت بالفشل، ومشروعه العسكري في ليبيا في طريقه إلى الفشل أيضا، ومن هذه الدول التي تقوم بمراجعات سريعة، لتبتعد بالكامل عن حفتر، روسيا التي أرسلت إشارات واضحة لحكومة الوفاق الوطني بأنها تريد أن تتعامل معها لترتيب الملفات الروسية العالقة في ليبيا، منها مصالح اقتصادية وديون قديمة وبعض المواطنين المعتقلين في طرابلس، وعقود قديمة في مجال الغاز والسكك الحديدة، كل هذه الملفات ترسل روسيا إشارات على أنها مستعدة لحلحلتها بالتعامل الكامل مع حكومة الوفاق الوطني كحكومة شرعية في ليبيا والتخلي عن خليفة حفتر.

 كذلك فرنسا ترسل نفس الرسائل بعد أن شعرت بخسارة مراهنتها على حفتر وتريد أن تغير موقفها وعلاقاتها لتتحول من دعم حفتر إلى التعامل مع حكومة الوفاق الوطني، كما نسمع أن مصر أيضا تقوم بمراجعات سريعة فهي لا تريد أن تخسر كل شيء بخسارة حفتر في ليبيا، وهي الآن تعيد التموقع وربما تراهن على شخصيات أخرى مثل رئيس برلمان طبرق عقيلة صالح، أو شخصيات أخرى في الشرق الليبي تكون البديل عن حفتر والحليف الجديد لمصر لضمان مصالحها في ليبيا، ولكن ما نتوقع من مصر هو أن تتعامل مع الحكومة الشرعية في طرابلس، وتحترم السيادة الليبية وتتوقف عن دعم الحملات العسكرية والانقلابات كما فعلت مع حفتر طيلة السنوات الست الماضية.

تبقى دولة الإمارات التي تعتبر أكبر داعم لحفتر عسكريا وسياسيا وإعلاميا ولوجستيا وإستخباراتيا، يبدو أنها  مازالت مصرة على المضي في التمسك به وبمشروعه الذي استثمرت الكثير فيه، وتصر على تمسك حفتر بأي مواقع يمكن أن يسيطر عليها حتى تكون أوراق ضغط لأي تسوية سياسية، ولكن إذا خسر حفتر بالكامل وخرج من المشهد، فإن  الإمارات ستكون أكثر دولة خاسرة في ليبيا، لما أوجدته من غضب شعبي خلال السنوات الماضية تجاهها وتجاه ما قامت به من مؤامرات على الشعب الليبي وتغذية وتمويل لدعم عمليات القتل والحروب وعدم الاستقرار في ليبيا.

 ومع توازن السيطرة على الأرض ميدانيا، هل حان وقت الخوض في حوار وطني جامع لليبيين؟

لابد أن يكون هناك حوار بين الأطراف الليبية المختلفة بعد انتهاء الحرب ونأمل أن يكون ذلك بفرض سيادة حكومة الوفاق على كامل التراب الوطني، لكن لا يمكن أن يكون هناك أي مكان لحفتر في أي حوار لأنه لا يؤمن بالحوار والشراكة السياسية ولا يؤمن بالعملية السلمية أصلا، هو يؤمن فقط بأسلوب الانقلاب العسكري والاستحواذ على السلطة بالقوة في حكم شمولي فردي.

مع من سيكون الحوار، ومن سيمثل الشرق الليبي؟

هناك بالتأكيد أطراف أخرى كثيرة يجب أن تكون شريكة في الحوار الوطني، حكومة الوفاق الوطني والقوى السياسية الأخرى المتواجدة في غرب ليبيا تتطلع إلى فتح قنوات وجسور التواصل مع القوى الاجتماعية والسياسية والمدنية في إقليم برقة شرق ليبيا، وهؤلاء كثيرون لم يسمح لهم خلال السنوات الماضية بالتعبير عن رأيهم بحكم القبضة الشمولية التي مارسها حفتر على شرق ليبيا، وكثير منهم لا يدعمون الحملة العسكرية التي قادها حفتر على طرابلس ولا يؤيدون أسلوب الانقلاب العسكري وبالتالي هم من سيمثلون شرق ليبيا، وكذلك الأمر بالنسبة للجنوب، ويمكن أن تكون النخب السياسية والمجتمع المدني والقيادات الاجتماعية والقبلية هم الشركاء في أي حوار قادم جامع وأي توافق على شكل المرحلة النهائية للحكم والنظام السياسي في ليبيا وأعتقد أن هذا ما سيبدأ بعد توقف الحرب مباشرة.

 وما هي خارطة حكومة الوفاق الوطني للتسوية السياسية؟

التسوية السياسية في ليبيا يجب أن تكون بين كل الأطراف ليس فقط السياسية بل هناك أطراف عرقية، قبلية، مناطقية، وأخرى تمثل تيارات حزبية وفكرية كلها يجب أن تكون في المسار السلمي بعد انتهاء الحرب، وحكومة الوفاق الوطني هي جزء من هذه المكونات السياسية إلى جانب مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة وهذه هي الأجسام السياسية الثلاث التي انبثقت عن اتفاق الصخيرات، يضاف إليها الأطراف الأخرى المتنوعة في كل مناطق ليبيا ولا ننسى مؤسسات المجتمع المدني والفئات المختلفة منها المرأة والشباب، وكذلك أنصار النظام السابق القذافي الذين أصبحوا يؤمنون الآن بالمشاركة في بناء دولة مدنية دستورية مبنية على الاحتكام للقانون وصناديق الاقتراع، وهذه ستكون نقلة نوعية فرضتها معطيات ثورة فبراير في 2011، ويحتاج أنصار القذافي لأن يحققوها للقبول بوضع جديد في ليبيا مختلف تماما عن النظام السياسي الذي فرضه القذافي.

من منظورك للتسوية المرتقبة كيف سيكون مصير اتفاق الصخيرات ومخرجاته؟

سيبقى اتفاق الصخيرات إطار ومرجعية سياسية نحتكم إليها، لكن يمكن أن ندخل عليه بعض التعديلات لأنه لم يتم تطبيقه بالكامل وعرقل جزء كبير منه، وأعتقد أنه يحتاج لتطوير في شكل قد يتحول إلى اتفاق سياسي جديد بالكامل يحدد معالم المرحلة الانتقالية ومجالاتها الزمنية وكذا معالم الصورة النهائية للنظام السياسي في ليبيا.

ما هو منظوركم لشكل النظام السياسي وطبيعة المؤسسة العسكرية في الدستور الجديد لليبيا ؟

في 2014 تم انتخاب هيئة تأسيسية لصياغة مشروع دستور تتكون من 60 عضو، وبالفعل أنجزت مسودة مشروع دستور جديد في عام 2017، لكنها مازالت تنتظر شرط أساسي وهو أن تعرض المسودة على استفتاء عام ليصوت عليها الشعب الليبي، على أن يوافق عليها ثلثي المصوتين حتى تصبح المسودة، الدستور الأساسي الدائم، الذي يحدد معالم شكل النظام السياسي، والدولة وعلاقة السلطات ببعضها البعض، ومنها تنظيم دور المؤسسة العسكرية والجيش كمؤسسة تخضع للقيادة السياسية المدنية، ودورها فقط حماية التراب والأراضي والسيادة الليبية، إذاً الجيش سيكون منتظم ومنضبط لا يتدخل في السياسة، وهو مختلف تماما عن رؤية حفتر للجيش الذي أراد استخدامه للاستحواذ على السلطة، وأن تكون المؤسسة العسكرية هي المتحكمة في كل شيء، أي أن يستنسخ النموذج المصري الأخير منذ 2013 في تحكم الجيش في الدولة ومؤسساتها، وهو ما يرفضه الليبيون تماما ولهذا خضنا الحرب ضد حفتر منذ 6 سنوات لإفشال الحكم العسكري ونموذج تحكم العسكر في السلطة.

هناك من ينسب حكومة الوفاق الوطني لجماعة الإخوان المسلمين وهو ما قد يطرح مخاوف لدى البعض، ما تعليقك ؟

 

لا علاقة على الإطلاق لحكومة الوفاق الوطني بجماعة الإخوان المسلمين أو بأي حزب سياسي ينتمي لها أو يمثلها، السيد فائز السراج وأعضاء المجلس الرئاسي التسعة لا ينتمون إلى الإخوان المسلمين، باستثناء عضو واحد وهو السيد كاجمان المحسوب كعضو في حزب العدالة والتنمية.  وجماعة الإخوان المسلمين في ليبيا لا تتحكم في السلطة ولا في مؤسسات الدولة، وغير صحيح على الإطلاق أن حكومة الوفاق منبثقة أو تابعة أو يتحكم فيها الإخوان المسلمين، هذه الفكرة نشرها الإعلام الإماراتي من باب التضليل لشيطنة الحكومة الشرعية ووصفها بأنها حكومة المتطرفين والمتشددين الإسلاميين وهذا أبعد ما يكون عن الواقع.

 وفي نهاية الأمر عندما يكون لنا دستور دائم، سيكون لكل التيارات السياسية سواء كانت ليبرالية أو علمانية أو يسارية أو غيرها الحق في المشاركة في الانتخابات والمنافسة على البرلمان طالما أنها متمسكة بالعملية الديمقراطية وبالتداول السلمي على السلطة ومحتكمة إلى نتائج صناديق الاقتراح، وكل حزب يؤمن بالعملية السلمية والسياسية سيسمح له الدستور الجديد بالممارسة السياسية، ولن يكون هناك أي إقصاء لأي طرف طالما احترم القيم الجامعة للشعب الليبي، ففكرة الإقصاء مرفوضة لأن جوهر النظام الديمقراطي الذي نسعى له هو حرية المشاركة السياسية للجميع طالما احترموا الدستور وقيم الشعب الليبي.

وأخيرا كيف تقرا حكومة الوفاق موقف الجزائر من الأزمة الليبية، وما هو الدور الذي تنتظره منها مستقبلا؟

ما نسمعه ونقرأه من مواقف الجزائر في القضية الليبية كله إيجابي، فالجزائر دائما تعلن أنها مع وحدة الشعب والتراب الليبي والسيادة الوطنية وأنها ضد التدخل الأجنبي والحروب والوصول إلى السلطة بالسلاح، ولكن أعتقد أن الحرب الأخيرة الذي شنها حفتر على طرابلس منذ أفريل 2019 جاءت في وقت كانت فيه الجزائر منهمكة بالشأن الداخلي بحكم ما شهدته من حراك، ثم جاءت انتخاباتها الرئاسية وتمت إعادة ترتيب البيت الجزائري وانطلاق المؤسسات للعمل وتفاعلها مع الخارج في الملفات المهمة خاصة الملف الليبي، ونحن استبشرنا في ذلك خيرا، ومازلنا نتطلع لدور أكبر بحكم أنها دولة جارة قوية في العالم العربي وشمال إفريقيا، ونتطلع دائما لأن تكون الجزائر دولة وازنة ولا تسمح لأي قوة عربية قريبة أو إقليمية بعيدة بالتأثير في المشهد الليبي لترسيخ الانقسام، وتمنع أيضا التدخل الفج في ليبيا، خاصة وأن الأمن القومي الجزائري يتأثر مباشرة بما يحدث في ليبيا التي تجمعها بها أكثر من 900 كلم من الحدود المشتركة، وهناك قضايا حساسة جدا مثل الإرهاب وحركة السلاح والتهريب وغيرها.

كما أننا نأمل أن تكون للجزائر مبادرة قوية لتحقيق واستضافة مشروع مصالحة قوية في ليبيا بين كل شرائح المجتمع الليبي وليس فقط القبائل الليبية، فهناك بعض الدعوات تصدر من الجزائر للحوار بين القبائل الليبية، وكأن المجتمع الليبي مقتصر على القبائل وهذه نظرة غير دقيقة، فالمجتمع الليبي في أغلبه  حضري ومدني وفيه عدة شرائح على أساس عرقي وفكري وسياسي، لذلك نتمنى من المهتمين بمسألة تحقيق المصالحة الوطنية في ليبيا من إخوتنا في الجزائر أن ينظروا للمجتمع الليبي بنظرة واقعية تتجاوز  حصره في القبائل، ونحن ندعم أي جهد جزائري يساعدنا على تحقيق السلم والوئام الاجتماعي في البلاد، ونتطلع أيضا إلى تعاون كبير بحيث يمكن للجزائر أن تساهم في إعادة بناء مؤسسات ليبية مهمة جدا كالمؤسسات الأمنية والعسكرية وغيرها، كما نتطلع لتعاون كبير في مجالات لا حدود لها وما نحتاجه هو بناء شراكة حقيقية بين الدولتين وهذا يتطلب الوصول لحالة من الاستقرار الدائم في ليبيا والجزائر يمكنها أن تساهم في الوصول إلى هذه الحالة في أقرب وقت.