معسكر: مركز التعذيب بعين فرس شاهد على وحشية جرائم الاستعمار الفرنسي

 معسكر ـ يشكل مركز التعذيب ببلدية عين فرس (ولاية معسكر) معلما تاريخيا شاهدا على وحشية جرائم الاستعمار الفرنسي التي لا زال يتذكرها أبناء المنطقة ممن عايشوا مرحلة ثورة التحرير المجيدة.

وتم إنشاء هذا المركز في نهاية سنة 1956 على مساحة هكتار واحد بمزرعة لتربية الخيول ببلدية عين فارس من قبل قوات الاحتلال الفرنسي بطلب من المعمرين لتعذيب المعتقلين من مجاهدي جيش التحرير الوطني وحتى سكان المناطق الريفية العزل, حسب مديرية المجاهدين و ذوي الحقوق التي أشارت إلى أنه يضم عدة زنزانات و مطامر (حفر) وأربعة أبراج مراقبة.

وفي تصريح لوأج, أوضح المجاهد بوجلال عبد القادر (86 سنة) الذي لا تفارق ذاكرته حتى اليوم الأوقات الصعبة التي كابدها بمركز التعذيب الذي كان يدعى “فارم غيلان” أن “حالة جدران زنزانات المركز تعبر عن بشاعة الأساليب الوحشية التي كانت تمارسها قوات جيش الاستعمار الفرنسي و حتى معمرون في تعذيب المعتقلين بالكهرباء و الماء و الصابون”.

ويتذكر المجاهد بألم يوم إلقائه رفقة مجاهدين من جيش التحرير الوطني المعتقلين في مطمورة عميقة ومظلمة وسكب الماء البارد عليهم طيلة يوم كامل قبل تحويلهم في اليوم الموالي إلى زنزانة مظلمة وموحشة لا يسمع بداخلها سوى أنين المعتقلين الذين تم تعذيبهم قبلهم في مشهد لترويعهم.

وذكر أنه تم اعتقاله بهذا المركز سنة 1957 لمدة ستة أشهر تعرض خلالها لأبشع أنواع التعذيب, مشيرا إلى قتل 65 شهيدا من الجزائريين العزل في ليلة واحدة بالمركز.

وبدوره, لا ينسى المجاهد قويدر بوطيبة (87 سنة) الفترات العصيبة التي عاناها داخل هذا المركز الذي كان يفتقر, كما قال, لأدنى شروط المعاملة الإنسانية للسجناء الذين كانوا يعذبون بالحرق و التعليق بحبل والضرب.

وفي ذات الصدد, أشار إلى أن العديد من المجاهدين وحتى سكان المناطق الريفية المجاورة تم قتلهم بالحرق داخل الزنزانات والتخلص من جثثهم بردمها داخل إحدى الآبار بالقرب من المركز, مؤكدا بأن هدف ضباط الجيش الفرنسي والمعمرين من وراء التعذيب الوحشي خلال استنطاق المعتقلين هو ترهيب سكان المناطق المجاورة التي كان بها جنود جيش التحرير الوطني لاسيما بالمنطقة الرابعة للولاية الخامسة التاريخية.

وقال بأنه سجن بهذا المركز لأكثر من سنة عاش خلالها “جحيما لا يوصف” حيث كان المعتقل يحرم أيضا من رؤية ذويه إلى درجة أن الكثير من عائلات المعتقلين كانت تجهل مكان تواجد أبنائها ومصيرهم.

 

اتخاذ مركز التعذيب كأداة لحماية ممتلكات المعمرين

 

ومن جهتها, أكدت الباحثة في تاريخ ثورة التحرير المجيدة, نور الهدى بوديسة, بأن مركز التعذيب “فارم غيلان” كان يتخذ من طرف الجيش الاستعماري كأداة لحماية ممتلكات المعمرين.

وأوضحت السيدة بوديسة, في تصريح لوأج, بأن قوات الاحتلال الفرنسي استجابت لمطلب المعمرين بالمنطقة المتضمن إنشاء مركز للتعذيب بمزرعة المعمر “غيلان” لتربية الخيول وكان الهدف الرئيسي من ذلك حماية ممتلكاتهم (المعمرين) من هجمات مجاهدي جيش التحرير الوطني.

وأشارت إلى أن المعمرين الذين كانوا يمتلكون أراضي فلاحية بمناطق مختلفة بالجهة, أصروا على إنشاء هذا المركز وخاصة بعد معركة حرق مزارع المعمرين بتاريخ 22 سبتمبر 1956 بمنطقة تيغنيف.

وذكرت السيدة بوديسة بأن أساليب التعذيب الوحشية في حق المعتقلين الجزائريين داخل المركز كان يمارسها ضباط من الجيش الاستعماري الفرنسي وكذلك معمرون, مشيرة إلى أنها قامت في السنوات الثلاث الأخيرة بتجسيد بحث ميداني في الموضوع مستندا على شهادات مجاهدين كانوا معتقلين بالمركز.

وأبرزت بأن هذا المركز شهد اعتقال حوالي 120 مجاهد وعدد من مواطني مناطق ريفية مجاورة, داعية الباحثين والمهتمين بتاريخ ثورة التحرير المجيدة وكذا وسائل الإعلام الوطنية إلى نفض الغبار عن هذه المعالم التي تعد شواهد حية على الجرائم الوحشية لجيش الاحتلال الفرنسي في حق الجزائريين إبان حرب التحرير وذلك من خلال تجسيد دراسات تاريخية علمية متخصصة و روبورتاجات سمعية بصرية وأفلام وثائقية.