“لعمامرة والإبراهيمي مكلفان ببيع خارطة طريق بوتفليقة للخارج”

“لعمامرة والإبراهيمي مكلفان ببيع خارطة طريق بوتفليقة للخارج” - الجزائر

يحلل الدبلوماسي حليم بن عطاء الله، في هذا الحوار مع “الخبر”، مقاربة القوى الخارجية خاصة فرنسا وأمريكا للوضع في الجزائر. ويقول إن مبدأ عدم التدخل الذي تتحدث عنه هذه القوى ما هو إلا واجهة مزيفة.
ويعتبر سفير الجزائر لدى الاتحاد الأوروبي، سابقا، أن التعيين المحتمل للمبعوث الأممي الأخضر الإبراهيمي ووزير الخارجية رمطان لعمامرة، لقيادة المرحلة الانتقالية،
ما هو إلا محاولة لتسويق التمديد للرئيس بوتفليقة في الحكم خارجيا.

كيف تقرأ تصريحات الرئيس الفرنسي تجاه القرارات التي اتخذها الرئيس بوتفليقة في رسالته الأخيرة؟
إنه بلد ديمقراطي يشجع مسارا غير ديمقراطي. الفرنسيون يعرفون جيدا الدستور الجزائري. يعلمون أنه لا يوجد في دستورنا ما يعطي للرئيس صلاحية إلغاء الانتخابات. يعرفون أيضا القانون العضوي للانتخابات الذي ينص فقط على تأجيل الانتخابات لمدة 15 يوما في حال وجود عارض. الدستور إذن تم عفسه بالأقدام تحت التشجيع الفرنسي، وهي ممارسة في الحقيقة معتادة لدى فرنسا في إفريقيا. لذلك، كل المسؤولين الفرنسيين و”المحللين” يذهبون في نفس الاتجاه الذي ينص على أن مصالح فرنسا دائما أولا.

ومن الطبيعي أن تكون تطلعات الشعب الجزائري لا تصب في خانة مصالح فرنسا التي تعتبر أن الإلغاء غير الشرعي للمسار الانتخابي واعتماد ورقة طريق الرئيس بوتفليقة سيضمنان لها مصالحها. ليست لها أي مصلحة في تغيير جذري يدفع نحوه الشعب قد يأتي بمسؤولين لا تعرفهم، وبذلك تكون امتداداتها في عالم السياسة والمال مغيبة. هل تتصورون أن شركة “ألستوم” التي تم إنقاذها من دافع الضرائب الجزائري يمكنها أن ترحل من الجزائر؟ على هذا الأساس، فإن المنطلق الفرنسي هو رعاية المصالح بأي ثمن. في الظاهر، يقولون إن ما يجري شأن جزائري، لكنهم متفقون تماما مع ورقة طريق بوتفليقة الذي لن تكون له أي شرعية بعد 16 أفريل، وستكون كل قراراته باطلة، ناهيك عن عدم قدرته على الحكم. إن مبدأ عدم التدخل ما هو إلا واجهة مزيفة. الكل لاحظ أن أول تصريح لوزير الخارجية الجزائري الجديد ونائب الوزير الأول (رمطان لعمامرة) كان على أمواج إذاعة فرنسية وباتجاه فرنسا.
ولو لاحظنا ما جرى بدقة، كان هناك ما يشبه “المشاعر المتبادلة” بين المسؤولين الجزائريين والفرنسيين، فمن جهة الوزير الفرنسي أشاد بخارطة طريق بوتفليقة، ومن الجهة الأخرى، استعجل وزير الخارجية الجزائري تقديم الضمانات لفرنسا وبيعها ورقة الطريق التي لا يريدها الجزائريون، وهذا قبل أن يتحدث للجزائريين حتى. لا يمكن أن نستنتج من ذلك، سوى أن هناك تفاهما ضمنيا حول كيفية تسيير شؤوننا الداخلية، فالوقائع تتحدث عن نفسها، عندما يتم تجميعها وربطها ببعض.

كيف تقرأ الموقف الأمريكي مما يحدث في الجزائر.. وهل هناك تنافس بين فرنسا وأمريكا للتأثير في الجزائر؟
الولايات المتحدة منشغلة حاليا بالتدخل في ملفات إيران وفنزويلا وكوريا الشمالية وسوريا وروسيا والصين، فهم في صراعات في كل مكان من العالم تقريبا. الأزمة السياسية الجزائرية، ليست من أولوياتهم. لكن هذا لا يعني أن عملية الانتقال في الجزائر لا تهمهم ولا يراقبونها عن قرب. الواقع اليوم أن فرنسا هي من تهتم بالوضع باسم التحالف الغربي، وهي تتدخل بشكل فج في مسار الانتقال. هناك مصالح مشتركة بين الأمريكيين والفرنسيين لكن إلى حد معين. وحول هذا الحد الأدنى بين الفرنسيين والأمريكيين هناك اتفاق، لكن لا ينبغي الاعتقاد بـناء على ذلك بأن المصالح متطابقة. هناك حقلان للمصالح بالنسبة للأمريكان، هما البترول وأمن الساحل، بينما فرنسا مصالحها متعددة ومباشرة وأكثر قوة. ما يجب الحذر منه، اليوم، هو الأجندات الخفية في حال الأزمة التي تتحول إلى أرض خصبة للتدخلات الأجنبية، ويجب ألا ننسى أن ما وراء أمريكا تختبئ إسرائيل. هذا دون أن نغفل التدخلات الضارة لبعض إمارات وممالك الخليج التي تنظر بشكل سيّئ إلى تحرر الشعوب ومطالبهم السياسية.

يجب أيضا أن نضع في أذهاننا، أن الأمريكان لديهم طريقة عمل جاهزة لاستغلال الوضع في حال الأزمات عبر المنظمات غير الحكومية المتخصصة في ضرب الاستقرار بالتعاون مع بعض دول الخليج. لذلك يجب أن نتحلى باليقظة القصوى. الشعب الجزائري يبدو واعيا، ومدركا للتجارب المأساوية التي مرت بها دول عربية في السنوات الماضية. لكن طرق الاستفزاز قد تكون ماكرة وغير مرئية، فالقوى العظمى لديها دائما خيارات متعددة للتعامل مع كل الحالات. هنا يبرز دور الجيش ومصالح الأمن والمخابرات في تأمين هذه الديناميكية التي يعرفها الشعب الجزائري. وعلى الجزائريين أن يواجهوا تحديا ثقيلا، يكمن في كيفية استغلال ديناميكية تغيير النظام، دون السماح بأي محاولات للاختراق أو تشويه الحراك أو استغلاله، لخلق أزمة أكثر عمقا من الأزمة السياسية. الجزائر حاليا يمكنها أن تواجه مستوى عاليا من التدخل في حال اختار الجزائريون مسارا ديمقراطيا يتعارض مع بعض المصالح الأجنبية.

هل اختيار الدبلوماسيان لعمامرة والإبراهيمي يأتي بإيعاز من الخارج في اعتقادك؟
يمكننا القيام بعدة قراءات. الأولى هي أن النظام يريد أن يقول إنه لم يجد داخل الجزائر شخصيات يمكن أن نضع فيها الثقة لقيادة المرحلة الانتقالية، وهذا في حد ذاته مخيب. ثانيا، ما لاحظناه أن الأسماء تم تداولها من مواقع أجنبية ثم جاء التأكيد داخليا. بعد ذلك، تولّت آلة البروباغندا الترويج لكفاءات هذين الاسمين وقدرتهما على الوساطة الدولية، بما يعني صلاحيتهما للإشراف على المرحلة الانتقالية في الجزائر. في اعتقادي، تكمن مهمة هذين الاسمين في التسويق لأجندة بوتفليقة خارجيا، والتي تم اعتمادها من فرنسا في المرحلة الأولى ثم من الولايات المتحدة الأمريكية. والرسالة الفرنسية الأمريكية اليوم، هي إما هذه الخطة (ما اقترحه بوتفليقة) أو لا شيء.

من ناحية المفهوم، يجب على الوسيط أن ينال ثقة كل الأطراف وتكون له مهارة الوصول إلى توافقات. لكن في حالتنا، الأسماء المختارة لم يتم تعيينها للتحاور مع الشعب. فالأول (لعمامرة) ينحدر من النظام، والثاني (الإبراهيمي 85 سنة) قريب جدا من بوتفليقة، وهو مجهول من الغالبية الساحقة من الجزائريين بالنظر إلى سنه.

نظرا للسن ولانقطاع علاقتهما مع الواقع الجزائري وبسبب تواجدهما شبه الدائم بالخارج، لعمامرة والإبراهيمي منقطعان تماما عن تطلعات الشباب الجزائري. بل إنهما يقولان إنهما في خدمة بوتفليقة. من الواضح أن مهمتهما هي إعطاء مصداقية لعملية التمديد لبوتفليقة.
حتى فكرة “الندوة الوطنية الشاملة”، هي مفهوم تبنته الأمم المتحدة. وهذه الصيغة لم تأت بنتائج لا في ليبيا ولا في سوريا أو من قبل في لبنان.

هل الجزائر اليوم في وضع ضعيف يجعلها فريسة للتدخل الأجنبي؟
يجب أخذ الأمور بنسبية، إذ تبقى المؤسسات قوية، خاصة المؤسسة العسكرية، خاصة وأنها أعلنت بأنها تتقاسم مع الشعب نفس الرؤية، وعليه وجب أن تبقى على هذا السلوك والتوجه. لأن هذه الوحدة أساسية ومصيرية، إذ يصعب على الأجنبي أن يتلاعب ويوظف ورقة الخلاف، أما بالنسبة للشعب فإنه من جانبه، في موقع قوة مقارنة بالسلطة وبالأجنبي أيضا.

ففيما يخص السلطة، فإن الشعب الآن في وضع أو حالة هجوم، وقد حاصر السلطة وقلص هوامش حركتها، كما قام بتعريتها أمام العالم، إلى الحد الذي نجد فيه بوتفليقة يعلن بأنه لم تكن لديه أي نية للترشح، لكن الغربيين يتغاضون على مثل هذه الادعاءات واللف والدوران، الذي كان من المفترض أن يقود مباشرة إلى الاستقالة أو التنحية في ديارهم.
أما بالنسبة للخارج، فإن الشعب أيضا في وضع قوة، لأنه لا يدين له بشيء، بل إنه عازم على ألا يتدخل الغريب أو الأجنبي وألا يأتي لإنقاذ السلطة.

بالمقابل، فإن السلطة في موقع ضعف، خاصة وأنها معزولة ومنقطعة عن الشعب، وبالتالي، فإن أي رسالة تشجيع لمسعاها مرحب به، ويندرج ذلك ضمن زاوية ميزان القوى.
والآن، هناك تداعيات إقليمية لأزمة سياسية قد تستمر إذا استمرت السلطة في عدم الاستماع للشعب، وهذا الظرف بالذات، يمكن أن يغري القوى الغربية وبعض مملكات الخليج من ذوي النوايا السيئة للانتقال إلى السرعة القصوى في مجال التدخل في الشأن الداخلي، وقد يأخذ ذلك أشكالا متعددة وخفية في مرحلة أولى، ويمكن لمثل هذا الوضع أن يدفع السلطة إلى ترسيم نهاية اللعبة بطريقتها الخاصة، على غرار ما قامت به حينما قررت توقيف مباراة الانتخابات، لأن لاعبها عاجز.

وفي هذا الظرف بالذات، يتعين على الجزائريين أن يتحلوا بالقدرة على التحمل والبقاء متحدين وتجنب الأعمال التي من شأنها زعزعة استقرار الجسم الاجتماعي أكثر من النظام، على غرار الإضرابات في المدارس أو الجامعات، والتجار الصغار ومراكز الصحة أو الصيدليات على سبيل المثال. إذ يجب ألا يكون هناك ضحية جانبية في الجسم الاجتماعي.

وفي اعتقادي أن الإضراب العام خطير وذو حدين، وفي كل مكان آخر، تسبب ذلك في عنف الدولة بدعوى ضرورة الحفاظ على النظام العام، وإذا تحججت السلطة بالفوضى التي تقود إلى الشلل، فإنها ستستفيد من دعم الخارج للجوء إلى الأساليب الردعية والقوة، وفيما يخصني، فأنا لست من مناصري نظرية المؤامرة، ولكن يجب ألا نستصغر ونقلل على الإطلاق من شأن قدرة الإيذاء والتأثير الخارجي الذي يتسم بالكثير من الذكاء وبالقدرة على المناورة والتلاعب، وإلى حد الآن، فإن يقظة الشباب تبقى في مستوى الحدث، ومع ذلك يجب أن يؤخذ في الاعتبار أن أي عنف يمكن أن يؤدي إلى مخطط تآمري خارجي، الذي يصعب رؤيته وتلمسه، إذ يتمتع المتآمرون بعقود من الخبرة في هذا المجال. حيث لديهم طرق استخدام وتوجيهات لزعزعة الاستقرار الصامت الذي لا ندركه ولا نتلمسه في البداية، بل إن هؤلاء قد أتقنوا أساليبهم في مسارح مختلفة من التدخل في شؤون الدول، وقد اطلعت على أحد الأساليب التي تنتهجها منظمة غير حكومية أمريكية متخصصة في هذا المجال، إنه أمر جدير بالذكر، إذ عليهم أن ينتظروا كيف تمت تغطية المظاهرات المتفرقة التي جاءت في أعقاب الإعلان عن إلغاء الرئاسيات، إذ تم تقديمها على أنها دعم هائل وكبير لبوتفليقة، كما تم تقديم رسالة بوتفليقة في أفضل مظهر وصورة ممكنة، وفي كلتا الحالتين، يشكل ذلك تلاعبا، ومع ذلك نجح الشباب في احتواء والالتفاف على خدعة قناة “العربية” على سبيل المثال.

ما هي المحاذير التي ينبغي التنبه لها في المرحلة الانتقالية حتى لا تكون مسيرة من الخارج؟
هذه فترة حرجة جدا: النظام يريد المضي سريعا في مرحلة انتقالية رغم الرفض الشعبي، وماكرون نصح بمرحلة انتقالية لفترة معقولة، لتجنب مشاكل لفرنسا، التي تخشى انتقال عدوى التوترات السياسية إليها، وهي لا تريد استمرار حالة عدم الاستقرار في الجزائر.

القوى الخارجية توجه دعمها السياسي والإعلامي لصالح بوتفليقة، لكن الحراك الوطني لحد الآن ليس مهددا بالخارج. ولكن يجب الانتباه إلى أن هذا الحراك قد يجري تشويهه من قبل محركي الرأي العام في العالم العربي والغربي. لحد الآن، الحراك لا يوجد تحت تهديد محتمل من الدولة، بالنظر إلى الطبيعة السلمية وتمدن ووحدة وطرافة خاصة بشبابنا، وإذا استمر بهذه الطريقة سيفقد النظام الدعم، وستأتي اللحظة التي تحدث بينه وبين الخارج القطيعة، وعندها سيتحقق النصر.