“لا يمكن للمعارضة أن تفكر وتشتغل بنفس أساليب السلطة”

“لا يمكن للمعارضة أن تفكر وتشتغل بنفس أساليب السلطة” - الجزائر

في رأي كريم طابو، منسق الاتحاد الديمقراطي والاجتماعي قيد التأسيس، فإن حراك الشارع وضع قيادة المؤسسة العسكرية أمام مسؤولياتها، أي التفاعل مع مطالبها أو توفير الحماية لجهة معينة في السلطة وتحمل ذلك أمام التاريخ. ويرى طابو أن القيام بعصيان مدني غير محمود العواقب، مقترحا إنشاء حكومة وفاق وطني تتولى تنظيم الانتقال السياسي في الجزائر.

لماذا انسحبت من اجتماع المعارضة المنعقد بمقر حزب طلائع الحريات الخميس الماضي؟

الحراك الشعبي المحتدم أسس لجزائر جديدة وأجبر الجميع والنخب السياسية على أن تكون في مستوى الحدث واتباع قيم وسلوكات سياسية وآليات جديدة، وبالتالي لا يمكن للمعارضة أن تفكر وتشغل بنفس أساليب السلطة، التي أدت بالجزائر إلى أزمة. وفي الواقع أنا حزين على وضعية المعارضة، وأتفهم واقعها، فهي بدورها ضحية لهذا النظام الشمولي الذي قضى على الحياة العامة والحياة السياسية. هذه المعارضة يجب عليها أن تقدم الدليل على أنها تتموقع جهة المجتمع ولا تمارس سياسيات التواطؤ والمناورة، وعليها أيضا أن تختار إعادة كتابة تاريخها وبناء مصداقيتها أمام الشعب وأن تجعل الشارع والمجتمع منبعها ومكانها ومصدر شرعيتها وإلهامها.

في هكذا ظروف، ألا تعتقد أن الأولوية لوحدة المعارضة وتجاوز الخلافات وليس لجلد الذات والحساب؟

للأسف، نحن أمام مشكل نخب سياسية تريد مواصلة العمل بنفس الآليات التي تعمل بها السلطة وهي تختزل الأزمة في مرض الرئيس وتنظيم الانتخابات، وهذا بعيد كلية عن نبض الشارع، فالشارع يريد تغيير كل المنظومة السياسية، إذا هل نختزل هذا الحراك في مادة قانونية أو دستورية ما؟ أم إعادة صياغة دستور وبناء آليات سياسية جديدة والتفاعل مع نبض الشارع؟ كيف لا نظهر انزعاجنا فيما الشارع يقول بالتغيير وأحزاب تتحدث عن المادة 102.

أي تغيير يجب أن يتم بآليات جديدة، وليس انتظار حل من المجلس الدستوري أو اجتماع غرفتي البرلمان، لأن هذه المؤسسات ركيزة للنظام. ثم إن دور المعارضة ليس ممارسة تموقع أو نصب كمين، وأي فعل في هذا الاتجاه سيطرح مشكل انسجامها مع الشارع. لقد أفرز الحراك الشعبي واقعا جديدا، وأي رئيس يخرج من صندوق الانتخابات لا يمكنه تجاوز صوت الشعب.

تبدو منبهرا بالحراك الشعبي، ما مبعث ذلك؟

لقد أظهر الجزائريون نضجا ووعيا ومناعة لافتة، وتظاهروا في إطار احترام القواعد والمبادئ الأخلاقية، وهذا مبعث تفاؤل. رغم تعنت السلطة الماسكة بمواقف تجاوزها التاريخ، فهي تظهر للجزائريين أنها سمعت صوت رئيس مريض لا يقدر على الكلام وصوت الملايين لا يسمع، وفي اعتقادي هذه فاحشة سياسية بل أكبر الفواحش.

لقد حقق هذا الحراك عدة مكاسب، في مقدمتها نهوض نخب من سباتها، وأسس لمرحلة جديدة في الجزائر وأصبح مستحيلا على النخب السياسية في السلطة أن تتجاهل الشارع، كما أرّخ لمصالحة تاريخية جديدة بين الجزائريين وأسقط كل المناورات التي استعملتها السلطة في إطار سياسة فرق تسد لزرع الشك بين المواطنين، من خلال اختزال الساحة في قطبيات ثنائية قاتلة مثل قطبية إسلاميين متطرفين في مواجهة الكل أمني أو القبائل ضد بقية الجزائيين.

وقد أظهر هذا الحراك اجتماع الجزائريين حول مصالحة حقيقية مع الذات ومع المجتمع وتوج بمكسب كسر حاجز الخوف، رغم ترسبات مرحلة الأزمة الأمنية، فالجيل الثائر تجاوز المثبطات رغم عبء مرحلة العشرية السوداء واستطاع التحرر وأظهر نضجا كبيرا.

كيف تقيم استجابة السلطة لهذا الحراك؟

بلغ عدد التدخلات العامة التي قام بها رئيس أركان الجيش في الفترة الأخيرة 8 تدخلات على الأقل، وهو الوحيد الذي يعبر عن مواقف في هذه المرحلة، بينما اختفى المتحدثون باسم المؤسسات السياسية وأحزاب الموالاة والحكومة والجمعيات وقوى الموالاة.

وقد تجاوب الحراك الشعبي معه وتوجه إليه للقيام بمساءلة لذاته: إما إن ينحاز وينسجم مع روح المجتمع ومطلب التغيير، وهذا في صميم مهامه، أو توفير الحماية لجهة معينة في السلطة ويتحمل ذلك أمام التاريخ.

في رأيك كيف تتم عملية التغيير والانتقال السياسي في الجزائر؟ هل باعتماد تجارب دول الجوار أو اعتماد آليات جديدة؟

الأمور لم تتحرك بعد، ولو أنه يفهم من الرسالة الأولى والثانية المنسوبتين للرئيس أن هناك بعض التردد، وحتى الآن لم يتخذ قرار شجاع ينسجم مع حجم الحراك عبر سحب ترشح الرئيس بوتفليقة وإلغاء الانتخابات الرئاسية، وهذه إجراءات مستعجلة واجب اتخاذها قبل فوات الأوان لفتح آفاق جديدة ولإعطاء التفسير الحقيقي لهذا الحراك وبناء جزائر جديدة.

وأرى أنه يجب التفكير في حكومة وفاق وطني مكونة من نخب ذات مصداقية ومؤثرة تتولى قيادة هذه المرحلة وإعادة صياغة كل الآليات الانتخابية ووضع ميكانيزمات تتضمن الشفافية والديمقراطية مع إلزامية ضمان ممارسة كل الحريات دون إقصاء، فلا يمكن أن نتحدث عن انتخابات إذا لم تكن متطابقة مع قاعدتين أساسيتين في الديمقراطية، وهي ممارسة كل الحريات الفردية والجماعية دون إقصاء والمساواة بين كل الأطراف الأساسية والمنافسين أمام القانون ومؤسسات الدولة لأن الآليات القاعدية لإجراء الانتخابات حاليا لا تتحكم فيها الإدارة التي هي طرف سياسيي منحاز للسلطة، ودون إعادة الشفافية والوضوح التام والمصداقية للعملية الانتخابية يستحيل أن نتجاوز التزوير الذي هو سلوك سياسي متجذر.

التجارب الأقل تكلفة في التغيير تمت بشراكة بين أطراف في النظام والمعارضة، ما هي إمكانات تحقيق ذلك في الحالة الجزائرية في رأيك؟

التغيير لا يعني الصدام أو تصفية الحسابات، بل القبول بقواعد عامة يخضع لها الجميع والحامي الرئيس لهذه العملية هو الحريات دون إقصاء، وأي تحول ناجح يجب أن يكون سلميا وسلسا وتدريجيا، نقطة الوصول فيه هي التأسيس لجمهورية جديدة تطبق فيها القوانين والقواعد الديمقراطية وليس بإصدار الأوامر، وعندما تضمن هذه القواعد الحريات للجميع لا نتوقع أن يقدم أي طرف على كسر العقد الاجتماعي الذي اتفق الجميع عليه.

ويمكن في رأيي أيضا ابتكار أدوات وآليات جزائرية، وفق قواعد عامة تتماشى مع مبادئ مجتمعنا وطبيعة المرحلة الراهنة.

هل تعتقد أن القوى المنتفعة من النظام ستسمح بالتغيير ولن تقاوم عملية الانتقال؟

أي انتقال سياسي يعد هدفا للمناورات السياسية لأجل إفشاله، والقول بعدم وجود قوى في السلطة وأطراف لها ارتباطات في الخارج تعمل على تعكير الأجواء والقيام بعملية سرقة الحراك والقيام بثورة مضادة مخالف للواقع، وبالتالي علينا إعادة ترتيب أولوياتنا ومنع تكرار تجربة التحول الفاشلة في 1988.

وعلى النخب السياسية والأحزاب السياسية أن تتبنى الحراك وتتجند للتغيير وتتنازل عن الحسابات السياسية الضيقة وتقوم بالتعبئة للحافظ على هذا الحراك لتحقيق أهدافه وبلوغ نتائج مرضية.

شهدت الجزائر، أمس، تطورا في شكل الاحتجاج واعتماد أدوات عصيان مدني، ما تعليقك عليك على هذا التطور؟

استعمال هذه الطاقة يجب أن يكون ممنهجا وذا مضمون سياسي مؤطر بنخب سياسية لها مصداقية كي لا يحدث انزلاق، والاحتجاج يجب أن يتم بأساليب سياسية وزيادة حجم التعبئة والتجند أكثر وتفادي أساليب تؤدي لخلق فوضى وعدم القبول من شرائح أخرى في المجتمع خشية حدوث تناقضات.

نشهد توجسا هذه الأيام من ردود الفعل الخارجية تجاه الحراك الشعبي، هل هذا مبرر في رأيك؟

السلطة مارست السياسة الخارجية من موقف ضعف وقدمت تنازلات وسمحت بالتحكم في كل شيء من الخارج، والشرعية الوحيدة التي كان النظام يبحث عنها هي شرعية الخارج. هذا ما جعل العلاقات الجزائرية مع بعض العواصم الغربية وخصوصا فرنسا تديرها شبكات مصالح وعصابات عابرة للحدود، وكانت النظرة الغربية ضيقة تختزل الجزائر في ثنائية قاتلة: النظام أو التطرف الديني، متجاهلة وجود قوى سلمية ديمقراطية شبانية متحضرة تتمتع بمواهب وإمكانات لبناء نظام سياسي منفتح.

وقد زعزع هذا الحراك بعض العقليات والذهنيات التي تتعامل مع شعوبنا على أنها غير مؤهلة للديمقراطية، وما نطلبه اليوم ليس التدخل في شؤوننا ولا المساندة بل نريد منهم أن يحتكموا إلى قرارات الشعوب.

اقرأ المزيد