كبار التجار يحتكرون العملة للمضاربة بعد انتهاء الحجر

كبار التجار يحتكرون العملة للمضاربة بعد انتهاء الحجر - الجزائر

شلت حركة الملاحة الجوية وألغيت عمرة رمضان وأجلت العطلة الربيعية وأغلقت المعابر الحدودية، فانخفض الطلب على العملة الصعبة ودخل نشاط تجار العملة الموازيين في حالة ركود لم يسبق لهم أن عايشوه من قبل، ليبقى مصيرهم مرهونا بالتطورات المستقبلية للوباء.

“الخبر” زارت ساحة بور سعيد “السكوار” بالجزائر العاصمة وجست نبض بعض التجار من مدينة التبسة الحدودية ووقفت على حالة الجمود الذي تشهده المعاملات المالية بعد أزمة كورونا.

كرّ وفر بالسكوار في العاصمة

يفتح الشاب حمزة، 35 عاما، عينيه كل صباح على آخر أسعار العملة في سوق السكوار الموازي بساحة بور سعيد بالعاصمة، ذلك الفضاء الذي صار بمثابة مرجع أو “بورصة” تحدد فيها أسعار تصريف العملات الأجنبية مقابل العملة المحلية.

يقول حمزة لـ “الخبر”: “لقد ارتفع سعر العملة الأوروبية (الأورو) قليلا، سعر البيع قدر في السكوار صباح اليوم (يقصد الاثنين 13 أفريل) بـ19.25 أي ما يعادل 19 ألف و250 دينار جزائري، مقابل 100 أورو، بينما ضبط سعر الشراء في 19، ما يمثل ارتفاعا نسبيا مقارنة بالأيام القليلة القادمة، التي بلغ فيها سعر الشراء مستويات دنيا تجاوزت عتبة 16.

لم تكن ساحة بور سعيد والشوارع المؤدية إليها تعج بالباعة مثلما كانت عليه بالأمس، بل في عدد قليل فقط تجدهم واقفين على الأرصفة ينتظرون قدوم زبون يقتنون منه العملة.

يقول إلياس، وهو تاجر عملة ينشط في السكوار منذ سنين: “لا بيع ولا شراء.. أنت تشاهد بعينيك حالة الركود التي نحن فيها.. العالم كله توقف بسبب المرض المنتشر، خاصة مع تطبيق قوانين الحجر الجديدة ابتداء من الساعة الثالثة زوالا، حتى من كانوا يقصدون السوق من أجل بيع العملة صاروا يخافون التنقل، بسبب المطاردات البوليسية”.

وفي خضم تلك الحركة “الميتة”، توقفت مركبة سياحية في مدخل شارع الحرية ليسأله أحد الباعة القلائل ممن كانوا يقفون على الرصيف: “عندك أورو؟ دولار؟ كاشما تبيعنا؟”، ليكتشف أن صاحب المركبة جاء خصيصا لاقتناء العملة الأوروبية الموحدة وليس للبيع، فيرد عليه بائع آخر: “يوجد الأورو بـ19.40”.

اقتربت من ذلك الزبون وسألته لماذا تبحث عن اقتناء العملة، والعالم كله متوقف؛ لا مبادلات تجارية ولا رحلات جوية، فرد قائلا: “لدي دَين لا بد من تسديده، لقد اقترضت ما قيمته 300 أورو من صديق مقيم في فرنسا، ولقد رفض استلام المبلغ بالدينار الجزائري، كي لا يقع في الربا”، يبتسم محدثي ثم يردف قائلا: “لم أفهم شيئا! سعر الشراء بـ19، بينما سعر البيع بـ19.40!”.

وكشف بائع آخر لـ”الخبر” عبر اتصال هاتفي: “الخدمة ناقصة والشرطة تطارد والطلب يكاد يكون منعدما.. لا أخفي عليك، لم أعد أنشط في السكوار، بل أكتفي بالمبادلات المالية مع زبائني الدائمين الذين يتصلون بي عبر الهاتف، أقتني من عندهم العملة الصعبة وفقط.. لدي بعض المال أفكر في استثماره رفقة شريك من أجل فتح محل لبيع التبغ والجرائد”.

ويتستر خلف تجار العملة الصغار تجار آخرون كبار، هم من يقومون بتموين السوق بالعملة، ولا يقبلون الخسارة أثناء التقلبات الموسمية، وبالتالي تجدهم يحتكرون السيولة النقدية كي لا يكون هناك فائض في العرض على حساب الطلب، وهو ما يفسر – حسب الخبير المالي ووزير المالية سابقا عبد الرحمن بن خالفة – عدم تهاوي أسعار العملة في السوق الموازية بشكل لافت.

وباللغة المالية، أوضح المتحدث لـ “الخبر” أن تداعيات أزمة انتشار فيروس كورونا قد تمتد إلى خمسة أشهر على أقصى تقدير، وفق توقعات خبراء الصحة العالميين، كونه فيروسا موسميا، وهو ما يدفع بكبار عارضي العملة الصعبة إلى تخزين العملة لعدة أسابيع للحفاظ على مستويات الأسعار ومنعها من التهاوي.

وحسب توقعات الخبير المالي، فإن سعر العملة في الأسواق الموازية سيقفز إلى مستويات قياسية مع نهاية السنة، مرجعا ذلك إلى تحكم كبار التجار في السوق خلال هذه الفترة، وانفراج جميع الطلبيات المتحجرة دفعة واحدة من مبادلات تجارية ورحلات سياحية ودينية واستثمارات.

ووجه بن خالفة نداء إلى السلطات العليا من أجل التحكم المسبق في الوضع، من خلال إجراءات تمهيدية تمنع التجار الموازيين من اغتنام الفرص وفرض منطقهم في السوق الموازية، حتى يكون هناك توازن بين سعر الصرف المعتمد في البنوك، وسعر الصرف في الأسواق الموازية.

كبار تجار تبسة يحتكرون العملة الصعبة تحسبا لما بعد الأزمة الصحية

بالرغم من قرار السلطات غلق معابر الحدود الشرقية الأربعة بولاية تبسة وكل الولايات الحدودية مع تونس الوادي والطارف وسوق أهراس، غير أن تجار العملة لا يزالون يقاومون تأثيرات فيروس كورونا على مؤشرات ربحية السوق السوداء للعملة الصعبة، في ظل إقبال خفي للتجار الكبار للعملة ومغتنمي الفرص لحصد أرباح مستقبلية لفترة ما بعد كورونا في هذا النشاط النقدي الموازي، من خلال طلب الشراء من التجار الصغار ولو بالخسارة.

وفي غمرة ذلك، كان لـ “الخبر” جولة لفضاءات تبادل العملات بعاصمة الولاية تبسة بحي 4 مارس، وهي صورة واقعية لبقية الأسواق الموازية الوطنية، أين وقفنا من خلال حديثنا مع شباب يتجول بخطى ثابتة غابت عنها سمة حركة الهرع نحو أي مركبة تتوقف بالمكان، أو توجيه نداءات لأي شخص أو سيدة تمر من هذا الشارع المحاذي للسوق المركزية المغلقة أبوابها بموجب قرار رسمي. تتضمن صيحة براح شعبي لإشهار عرض تداول الأورو أو العملة التونسية للبيع أو الشراء بعبارات “هيا صرف.. صرف.. صرف”.

وأجمع كل الذين تحدثنا إليهم على أن مصدر رزقهم انهار في ظل انتشار وباء فيروس كورونا وأصبحوا في حالة فزع وخوف من تدبر مدخول يومي يغنيهم عن حاجتهم للسؤال لدى الغير، ليبادر شاب في الحديث معنا بعفوية: نحن لسنا مافيا، فقط نجابه الفقر والبطالة بمصدر رزق حلال فتات ربحيتنا اليوم لا يغطي حاجيات عائلاتنا. كورونا دمرت كل شيء، عليكم بتوجيه الأسئلة للتجار الكبار.. نحن آخر من يتعامل مع المواطن الذي كان يحتاج الأورو لرحلات علاجية أو سياحية نحو تونس، أو زيارة أقارب هناك. أما اليوم، فكل شيء متوقف ونترقب عودة الأمور إلى حالها السابق بإذن الله. وعندما كررنا بإلحاح السؤال عن المدخول، رد هذا الشاب بعبارة شعبية: “خلي البير بغطاه”.

كان أغلب التجار في جلسة عزلة إرادية، يقول وحيد مطأطأ الرأس: “لم نعد نشاهد تلك التجمعات المعهودة”، لينفجر في وجهنا شاب آخر: “لا أريد الحديث مع أي كان.. كرهنا الحياة.. ابتعد عني”.. قالها بمزحة كورونا يتجول بيننا، في إشارة لتطبيق مسافة الأمان، ليرحب بنا شاب آخر ويجيب عن أسئلتنا بكل عفوية ونقاش العارف بخبايا سوق الصرف الموازية قائلا: “هذه أثار النظام الذي يتحكم في سوق الخدمات والسلع، الشاب يتحدث وكأنه خبير اقتصادي من الواقع.. لو نظمت الدولة هذا النشاط بمكاتب معتمدة منذ الاستقلال، ما كان حالنا اليوم هكذا.. أسعار الأورو عند الشراء بين 18600 إلى 18700 دينار، وعند البيع تتراوح بين 18850 إلى 18900 دينار، والدينار التونسي بـ 5700 دينار جزائري لكل 100 دينار تونسي، تنقص منها 200 دينار هامش الربحية عند الشراء. مؤشرات الخسارة والتراجع بين 1300 إلى 1600 دينار جزائري، ولم يخف حزنه إزاء تجميد حركة السفر بقوله إنها حياتنا وروحنا التي نعيل منها عائلاتنا وتضرع لله العلي القدير، طالبا منا تكرار الدعاء معه والقول، آمين يا رب العالمين لرفع الضر والسقم عن العالم الذي دمر كل شيء.

في مقابل ذلك، استفرد بنا أحدهم بركن من سوق الصرف الشعبي في تبسة ليبيح لنا، كما قال، بسر السوق: لقد نزل تجار العملة بقوة لاكتناز العملة الأجنبية حاليا، صدقني لولا الطلب المرتفع للتجار الكبار على العملة الأوربية والدينار التونسي، لانهار السوق إلى مستويات الإفلاس الكلي للتجار الصغار في هذه الفضاءات الموازية.. مختتما قوله “بعض الشباب باع العملة بقيمة أقل من الشراء من أجل قضاء حاجيات العائلة ومواد التنظيف والتحضير لشهر رمضان المعظم”.

من جهة أخرى، تفيد معلومات من سكان شهود عيان على مستوى الشريط الحدودي، أن وتيرة نشاط محترفي التهريب انخفضت إلى أدنى المستويات، بدليل غياب شبه كلي لمواكب سيارات تهريب المواد الطاقوية، لكن هذا لا يلغي تبادل بعض السلع وبعض المواد الأخرى في جنح الظلام، في ظل ضربات قوية ومتكررة لمصالح الشرطة والجمارك وحرس الحدود بحجز كل المواد دون فوترة وحيازة الترخيص القانوني.