ظاهرة تهريب الأموال إلى الخارج تعود بقوة

ظاهرة تهريب الأموال إلى الخارج تعود بقوة - الجزائر

رغم الإجراءات الردعية التي أقرتها السلطات
بات تزايد تهريب العملة الأجنبية من الجزائر نحو الخارج، يشكل في هذه الآونة، محور النقاش في الجزائر، بسبب التداعيات الخطيرة للظاهرة المتجددة على اقتصاد البلاد، الذي تهاوى في الأعوام الأخيرة نتيجة التسيير الكارثي لثروات الأمة في عهد النظام السابق، ودفعت محاولات تهريب الأموال الصعبة عبر المطارات والموانئ والمنافذ البرية، التي تحبطها تكرار ومرارا المصالح الأمنية المشتغلة في هذا المجال الرقابي، الخبراء إلى دق ناقوس الخطر على اعتبار أن المحاولات الأخيرة تشكل أخطر عمليات تهريب الأموال إلى الخارج وضخها في مصارف تضمن سرية الحسابات على غرار الامارات، اسبانيا، ماليزيا، بلغاريا، بولندا وايرلندا.

وشكلت البيانات الأخيرة لمصالح الشرطة والجمارك في ضبط مبالغ كبيرة من العملات الأجنبية، أهم تساؤلات الملاحظين لهذه الظاهرة التي لم تجد إجابة وافية لحد الآن، فمنذ بداية الشهر الجاري، تم السيطرة على ما يقرب من 800 ألف يورو تم حجزها في مطارات وهران، الجزائر، عنابة والشلف، آخرها ضبط مسافرة بصدد الإقلاع من مطار هواري بومدين الدولي نحو دبي بدولة الإمارات العربية المتحدة بحوزته 107 ألف اورو بطريقة مخالفة لقانون الصرف، دون أن تدلي المسافرة الموقوفة باعترافات حول وجهة هذه الأموال المضبوطة أو تحديد طبيعة نشاطها في دولة الغولف، ما فهم وقتها أن الأموال التي ضبطت مخبأة في علبة هاتف، كانت في طريقها إلى مصرف خاص في دبي في ظل التعاون المحتشم بين السلطات الجزائرية والإماراتية حول القضاء على ظاهرة تهريب الأموال إلى دبي على وجه التحديد.

وقبل ذلك بأيام فقط، جرى وضع اليد على مسافر أخر كان على أهبة مغادرة الجزائر نحو باريس وبحوزته 13500 يورو دون التصريح بها على مستوى الجهات المختصة. وفي اليوم نفسه، أوقفت فرقة الفحص الروتيني لجمارك مطار هواري بومدين، مسافرة بصدد ركوب طائرة متجهة نحو ستوكهولم السويدية وبحوزتها قيمة تزيد عن 22 ألف دولار. وفي مطار السانية الدولي، جرى توقيف شاب يبلغ من العمر 34 عاما في طريقه إلى اسبانيا، يخزن 12800 يورو في حقيبة خاصة حاول تمريرها بطريقة ملتوية قبل انكشاف أمره، وقبل ذلك بأيام، أي بتاريخ 14 نوفمبر، أعلنت مصالح الشرطة بمطار عنابة الدولي أنها قبضت على مسافر تاجر بحوزته 14000 أورو كان يحاول تهريبها إلى مرسيليا، لتعلن فورها المصالح الرسمية أن الشخص ذاته حاول عام 2014 تهريب 32 ألف أورو عبر المطار نفسه، كما جرى توقيف مسافرين في مطار الجزائر الدولي، الأول كان متجها إلى باماكو عاصمة مالي بحوزته 82 ألف اورو والثاني بصدد الهجرة إلى باريس محاولا تهريب 15540 أورو.

هذه الأرقام التي دونتها المصالح الرسمية في ظرف يقل عن عشرين يوما، لا تقل أهمية عن الحصيلة المضبوطة خلال شهر أكتوبر، التي شهدت ضبط 245 ألف أورو عبر مطارات الجزائر وما لا يقل عن 330 ألف يورو على مستوى موانئ وهران، الغزوات، الجزائر وبجاية. في حين تم حجز 46 ألف أورو بحوزة امرأة ورجل في مناطق التماس الحدودية الشرقية مع تونس، لكن الأكثر أهمية حدث في سابق الأيام حينما تم إفشال محاولة تهريب نحو 268 ألف يورو على الحدود بين الجزائر وتونس، كذلك تمكنت فرقة تفتيش المسافرين في الجمارك التونسية، في اليوم نفسه، من توقيف جزائري بحوزته 740 ألف دولار أمريكي، حاول تهريبها إلى الأراضي التونسية.

 

إسبانيا، نيامي بالنيجر وباماكو بمالي آخر الوجهات

وتشير الإحصائيات الرسمية التي نشرتها المصالح الجمركية، إلى أن هذه المضبوطات الهائلة من العملة الصعبة التي كانت في طريقها إلى الخارج في شكل ودائع مالية، يتم ضخها في بنوك تضمن سرية الحسابات المصرفية مقابل استفادة تلك المصارف من نسب هذه العائدات المشبوهة، نتيجة تضخيم الفواتير التي تحدث تحت غطاء عمليات الاستيراد وصفقات مشبوهة تتورط فيها شركات أجنبية في الأغلب، وجاءت هذه العمليات الهائلة، نتيجة تنسيق محكم بين مصالح الأمن والجمارك بعد استحداث جهاز مشترك وتشديد ضوابط على المسافرين والمتاع بعد انتشار محاولات نقل غير شرعية للعملة الأجنبية إلى تركيا، فرنسا، دبي، بلجيكا، اسبانيا، لندن، بلغاريا، لبنان، دبي، ، نيامي، باماكو وماليزيا على سبيل المثال”، حسب تحقيقات الشرطة والتي تشمل أيضا غسيل الأموال.

هذه الحصيلة المثيرة للذهول، التي توجز أرقام العملات المضبوطة، ترتبط حتما بالوضع الحالي الذي تمر به البلاد، والذي قابله إصرار الدولة على استمرار مكافحة الفساد وضرب أذرع العصابة التي برعت في الفساد المالي في الماضي، ما أحدث حالة ذعر حقيقي في الدوائر المستهدفة بتحقيقات العدالة والأجهزة الأمنية والتي حركت العصابة على اختلاف مستوياتها في حماية ودائعها وإخفاء ممتلكاتها بطريقة سريعة، بعد إعلان قائد الأركان قايد صالح الحرب على الفساد والمفسدين، مع وضع “رؤوس العصابة” في السجن وبعض رجال الأعمال بتهم الفساد.

وتكررت محاولات تهريب مبالغ ضخمة بالعملة الصعبة، عبر المطارات والحدود البرية لاسيما مع الجارة تونس، من دون الكشف عن هويات المهربين الذين يُعتبرون غير معروفين لدى الأجهزة الأمنية أو من قبل تجار “الشنطة”.