في تطور جديد ينذر بتصعيد دبلوماسي في منطقة الساحل الإفريقي، أعلنت كل من مالي وبوركينا فاسو، في بيان مشترك أوردته وكالة “رويترز” للأنباء، عن استدعاء سفيريهما من الجزائر العاصمة للتشاور، على خلفية حادثة إسقاط طائرة استطلاع مسيرة قالت مالي إنها تعود لها، فيما أكدت الجزائر أنها اخترقت مجالها الجوي.
وتأتي هذه الخطوة الدبلوماسية بعد أيام فقط من إعلان وزارة الدفاع الوطني الجزائرية، في بيان رسمي بتاريخ 1 أفريل 2025، عن إسقاط طائرة استطلاع بدون طيار مسلحة، قامت باختراق المجال الجوي الجزائري على مستوى مدينة تين زاوتين، الواقعة ضمن الناحية العسكرية السادسة، بمحاذاة الحدود الجنوبية مع دولة مالي.
وذكرت الوزارة في بيانها:
“في سياق الجهود المبذولة لحماية حدودنا الوطنية، تمكنت وحدة تابعة للدفاع الجوي عن الإقليم، ليلة أول أفريل 2025، في حدود منتصف الليل، من رصد وإسقاط طائرة استطلاع بدون طيار مسلحة، بعد اختراقها المجال الجوي لمسافة 2 كيلومتر داخل التراب الوطني، بالقرب من مدينة تين زاوتين.”
تصعيد غير مبرر؟
وتعتبر السلطات الجزائرية الحادثة جزءاً من الإجراءات السيادية التي تندرج ضمن مهام الجيش الوطني الشعبي في حماية الحدود البرية والجوية والبحرية، لاسيما في ظل الوضع الأمني المتدهور في منطقة الساحل، وتزايد نشاط الجماعات المسلحة العابرة للحدود.
وأضاف بيان وزارة الدفاع:
“تأتي هذه العملية النوعية لتؤكد مرة أخرى اليقظة العالية والاستعداد الدائم لوحدات الجيش الوطني الشعبي في الدفاع عن السيادة الوطنية، والتصدي لأي تهديد أمني مهما كان مصدره أو طبيعته.”
لكنّ رد الفعل المالي جاء سريعاً ومفاجئاً، إذ اتهمت باماكو الجزائر بإسقاط طائرة تابعة لها، دون أن توضح في بيانها ما إذا كانت الطائرة في مهمة رسمية داخل الأراضي المالية أو تخطت حدود السيادة الجزائرية. واعتبرت حكومة مالي أن هذا التصرف يمثل “مساساً بالعلاقات الثنائية”، مما دفعها لاستدعاء سفيرها لدى الجزائر للتشاور، في خطوة دعمتها بوركينا فاسو لاحقاً عبر بيان مماثل.
الخلفيات والتداعيات:
تُطرح علامات استفهام كثيرة حول طبيعة هذا التصعيد المفاجئ، خاصة وأن الجزائر كانت قد لعبت دوراً محورياً في ملف السلام في مالي من خلال “اتفاق الجزائر” المبرم سنة 2015، والذي جمع الحكومة المالية والحركات المسلحة في شمال البلاد. كما ظلت الجزائر متمسكة بموقفها الرافض لأي تدخل أجنبي في الشأن المالي، خصوصاً ما يتعلق بوجود قوات فاغنر الروسية، المدعومة من بعض الأنظمة العسكرية في الساحل.
ويرى مراقبون أن التصعيد الأخير قد يعكس تحوّلاً في توجه بعض دول الساحل نحو تحالفات جديدة، لا تنظر بعين الرضا إلى الدور الجزائري التاريخي في المنطقة، خاصة في ظل انسحاب فرنسا من مالي وبروز محاور إقليمية جديدة.
الجزائر تتمسك بحقها في الدفاع عن سيادتها:
من جهتها، لم تُصدر وزارة الشؤون الخارجية الجزائرية لحد الساعة أي رد رسمي على الخطوة المالية-البوركينابية، لكن مصادر متابعة تؤكد أن الجزائر تنظر إلى الحادثة باعتبارها اعتداءً تقنياً على مجالها الجوي، وأن رد فعلها العسكري جاء في إطار ما تتيحه لها القوانين الدولية للدفاع عن سيادتها.
كما أن الواقعة تسلط الضوء على التحديات الأمنية المعقدة التي تواجه الجزائر في مناطقها الحدودية الجنوبية، خاصة مع تنامي تهديدات الجماعات الإرهابية، وانتشار السلاح، وحركة المهربين في مناطق تمتد عبر آلاف الكيلومترات.
إسقاط الجزائر للمسيرة المالية.. هل لجأت باماكو فعلا إلى مجلس الأمن؟