في كلمة قوية حملت رسائل استراتيجية، دعا رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، إلى ضرورة إعادة توجيه التعاون بين بلدان الجنوب ليواكب التحديات العالمية الراهنة، وذلك خلال مشاركته في المنتدى الإفريقي الثالث رفيع المستوى للتعاون جنوب-جنوب والتعاون الثلاثي، المنعقد اليوم الأربعاء بالعاصمة السيراليونية فريتاون.
وقد أُلقِيَت كلمة الرئيس تبون نيابة عنه من قبل الوزير الأول، نذير العرباوي، الذي نقل رؤية الجزائر الثابتة في دعم التضامن الدولي، وتفعيل الشراكة جنوب-جنوب كآلية فعالة للتنمية، الأمن، والازدهار المشترك في القارة الإفريقية والعالم النامي.
توسيع آفاق التعاون لمواجهة التحديات العالمية
أكد رئيس الجمهورية أن الوقت قد حان لتوسيع نطاق التعاون بين بلدان الجنوب، ليشمل إلى جانب القطاعات التقليدية، مجموعة من التحديات العالمية الجديدة، وفي مقدمتها التغيرات المناخية، الهجرة، الأمن الغذائي والمائي، الطاقة، والذكاء الاصطناعي. وشدد على أن هذه القضايا لم تعد ترفًا دبلوماسيًا، بل باتت تمثل رهانات حيوية تتطلب تنسيقًا دوليًا واسع النطاق.
وأوضح الرئيس تبون أن الجزائر تضع التعاون جنوب-جنوب والتعاون الثلاثي ضمن أولويات سياستها الخارجية، معتبرًا أنهما يشكلان رافعة حقيقية لتحقيق السلام، الأمن، والازدهار المستدام في الدول النامية، وخاصة الإفريقية.
الجزائر كفاعل إقليمي ودولي ملتزم
وفي كلمته، جدد رئيس الجمهورية التزام الجزائر الراسخ بالمشاركة الفاعلة في الجهود الدولية لتفعيل هذا النوع من التعاون، لا سيما في إطار المنظمات متعددة الأطراف مثل مجموعة الـ77 + الصين وحركة عدم الانحياز، والتي تشكل منصات أساسية لتعزيز الحوار والتكامل بين دول الجنوب.
كما ذكّر الرئيس بعدد من المبادرات الاستراتيجية التي اتخذتها الجزائر في هذا المجال، أبرزها:
-
إنشاء الوكالة الجزائرية للتعاون الدولي من أجل التضامن والتنمية، كإطار مؤسساتي مخصص لتعزيز التعاون الثنائي ومتعدد الأطراف.
-
مراجعة الإطار القانوني والمؤسساتي للاستثمار، بهدف تسهيل الشراكة الاقتصادية وجذب رؤوس الأموال، وخلق فرص العمل.
-
إدراج التعاون بين بلدان الجنوب في صلب الاستراتيجية الوطنية للتنمية، ما يعكس الإرادة السياسية القوية للجزائر في أن تكون طرفًا فاعلًا في التنمية المتبادلة.
مبادئ الجزائر في العلاقات الدولية: التضامن، العدالة، وعدم التدخل
لم تفوت الجزائر هذه المناسبة دون التأكيد مجددًا على مبادئها الثابتة في العلاقات الدولية، والتي تقوم على عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، واحترام حق الشعوب في تقرير مصيرها، وهي مبادئ جسدتها السياسة الخارجية الجزائرية منذ الاستقلال، وتحرص على ترسيخها في مختلف المحافل الإقليمية والدولية.
وشدد الرئيس تبون على أن الجزائر تدعم بقوة إقامة نظام اقتصادي عالمي جديد يقوم على العدالة، الإنصاف، وتقليص الفوارق التنموية بين الشمال والجنوب، مؤكدًا أن هذا التحول أصبح ضروريًا أكثر من أي وقت مضى في ظل الأزمات المتعددة التي يشهدها العالم.
التكامل الإقليمي والتمكين المتبادل في قلب الرؤية الجزائرية
أبرزت الكلمة أيضًا أن الجزائر اعتمدت مقاربة شاملة قائمة على ترقية الحوار الإيجابي وتعزيز العمل متعدد الأطراف، وهو ما سمح لها بلعب دور مهم في تعزيز التكامل الإقليمي، خصوصًا داخل إفريقيا، وفتح آفاق جديدة لـ التمكين المتبادل بين الدول النامية.
الجزائر ماضية في تعزيز الشراكات جنوب-جنوب
تثبت الجزائر من جديد، من خلال مشاركتها في هذا المنتدى رفيع المستوى، أنها ماضية بخطى ثابتة نحو بناء منظومة تعاون جنوب-جنوب متماسكة، مرنة، وقادرة على مواجهة التحولات العالمية الكبرى. ومن خلال تمسكها بمبادئ العدالة، التنمية، التضامن، تسعى الجزائر إلى ترسيخ مكانتها كشريك موثوق وفاعل إقليمي ودولي يسعى لبناء مستقبل مشترك قائم على المصالح المتبادلة والاستقلالية الجماعية.
رئيس الجمهورية يؤكد أن الجزائر ستبقى ملتزمة بالمساهمة في الجهود الرامية لترقية التعاون جنوب-جنوب