ذكرى المولد النبوي الشريف : “المنارة” إحتفال شعبي مميز بشرشال

تيبازة – تعيش مدينة شرشال (تيبازة) أجواء متميزة في ذكرى المولد النبوي الشريف أبرزها الاحتفال الشعبي الجماعي بالمناسبة من خلال عادة “المنارة” التي بقيت راسخة في الضمير الجماعي لساكنة هذه المدينة منذ قرون.

و تستقبل شرشال العريقة موعد ذكرى مولد سيد الخلق محمد (صلى الله عليه وسلم) على طريقتها الخاصة و المميزة ويبرز ذلك جليا في شوارع وأزقة وأسواق المدينة التي تتزين ب”المنارة” و ينشر الباعة من جهتهم أجود عروض أطباق المكسرات و الحلويات التقليدية.

و يؤكد المهتم بتاريخ وثقافة المنطقة, أمحمد هواورة, التمسك الوثيق لسكان هذه البلدية بعادة المنارة التي يمتزج فيها الطابع الديني للذكرى و الطابع الشعبي و الثقافي لمظاهر الاحتفالات التي يشكل فيها الأطفال نواة “المنارة” واستمرارها.

و تصنع “المنارة” التي يحملها الأطفال و يجوبون بها شوارع المدينة أو عبر أحيائها و أزقتها, من الخشب على شكل صومعة بأشكال هندسية مستوحاة من الهندسة المعمارية الإسلامية يبدع فيها صناعها في تزيينها ويتم لفها بأطراف من القماش المزركش بهلال و نجمة باللونين الأبيض و الأخضر, رمزا للإسلام.

و يكمن سر تمسك سكان شرشال بعادة “المنارة” في ارتباطهم الوثيق بمدينتهم و التزامهم الدؤوب بالدفاع عن تاريخها و تراثها و موروثها اللامادي الضارب في أعماق تاريخها العريق, كما جاء في حديث السيد هواورة.

و عرفت صناعة “المنارة” مع التطورات الحاصلة, تعديلات شملت أساسا الوسائل المستعملة على غرار اسطوانة من الحديد عوض الخشب أو المؤثرات الضوئية بدلا من الشموع, و هي تعديلات لم تضر بجوهر العادة, كما أكد نفس المتحدث لوأج, مبرزا أن اللونين الأبيض و الأخضر, و شكل الصومعة و الإنارة يشكلون “أساسيات عادة المنارة”.

و بما أن الأطفال يشكلون العنصر الاساسي للاحتفال بالمنارة, فذلك يضمن استمرارية العادة و توريثها من جيل لآخر, علما بأن سكان مدينة شرشال قاوموا بقوة محاولات الاستعمار الفرنسي اليائسة بمنع مظاهر هذه الاحتفالات و بالتالي طمسها.

و أشار الباحث في تاريخ و تراث المنطقة أن مدينة شرشال قديما كانت تستعد للاحتفالات ثلاثة أشهر قبل موعد المولد النبوي, يجتمع سكان المدينة المكلفون بتنظيم مهرجان المنارة بمقر الكشافة الإسلامية و يتم الإعداد لها وفق برنامج دقيق يبدأ بجمع الأموال التي يتبرع بها سكان المدينة لصناعة منارة كبيرة الحجم و تحضير الحلويات التقليدية و المشروبات.

و عند ليلة الاحتفال بالذكرى, تعج شوارع مدينة شرشال بالعائلات و الأطفال الصغار للمشاركة في الاحتفال الذي ينظم على شكل موكب تحمل خلاله المنارة على أكتاف مواطنين يمرون بها عبر الشوارع العريقة للمدينة مشيا على الإقدام, تصاحبها في ذلك التهاليل والمدائح الدينية الشعبية.

و تحط المنارة بالساحة العريقة المطلة على الميناء, أين توزع الحلويات و المشروبات وتواصل فرق المدائح في التهليل و الصلاة على النبي (صلى الله عليه وسلم).
ويتم بعد ذلك نقل المنارة على متن قارب صيد لتشق طريقها وسط البحر و يشرع المواطنون في الأدعية بسنة خير و هناء للجميع قبل أن تتوارى المنارة كليا عن الأنظار لتطلق النساء زغاريد إيذانا بختام الاحتفال.

 

 

 

اقرأ المزيد