دشرة أولاد موسى بباتنة : الشاهد الأبدي على ميلاد ثورة نوفمبر

باتنة – بإحتضانها للإجتماع الشهير ذات نهاية أكتوبر 1954, ستظل دشرة أولاد موسى الكائنة ببلدية إيشمول بولاية باتنة الشاهد الأبدي على ميلاد أشهر ثورة في التاريخ الحديث وعبقرية مفجريها.

ففي إحدى بيوتها العتيقة (دار الإخوة بن شايبة), أشرف الشهيد مصطفى بن بولعيد في تلك الليلة على توزيع الأسلحة على أبناء الشعب الجزائري الذين اختاروا الشهادة والموت من أجل تحرير الوطن.

ومن هذه الدشرة الصغيرة النائية التي تبعد بحوالي 10 كلم عن مدينة آريس, انطلق منذ 69 سنة 39 فوجا من المجاهدين عند الساعة صفر ليلة الفاتح نوفمبر1954 تحت جنح الظلام للقيام بهجومات ضد المستعمر الفرنسي إيذانا بميلاد الثورة التحريرية المظفرة .

و أجمع مجاهدو الرعيل الأول بالمنطقة ممن تحدثت إليهم /وأج سابقا وانتقلوا بعد ذلك الى الرفيق الأعلى, أن “موقع الدشرة كان استراتيجيا يمكن من رؤية العدو عن بعد ويسمح برصد كل التحركات خارج المكان فيما ساهمت السرية التامة في عدم اكتشاف أمر اللقاء الذي كان منعرجا حاسما في تاريخ الثورة التحريرية”.

وذكر في هذا السياق المرحوم عمار بن شايبة, المدعو علي, أن “الأمور سارت كما خطط لها مصطفى بن بولعيد وأن بيت العائلة كان مناسبا لأنه يقع في مرتفع بأعلى الدشرة ويضم 3 أفنية كبيرة و20 غرفة” .

وأكد مجاهدون متوفون في شهادات سابقة ل /وأج وكلهم من الذين حضروا الاجتماع, أن “تعليمات أعطيت لكل من دخل بيت الإخوة بن شايبة أن لا يخرج منها إلا بأمر شخصي من مصطفى بن بولعيد”.

وروى المجاهد المتوفي محمد بيوش (شهادة سابقة) كيف ظل المجاهدون الذين قاربوا حسبه ال400 شخص طيلة يوم 30 أكتوبر ينظفون الخراطيش ليخصصوا اليوم الموالي لتنظيف الأسلحة، موضحا أن “وحدهم رؤساء الأفواج من كانوا على علم بموعد الثورة قبل أن يظهر بن بولعيد كما قال في آخر اليوم ليخاطب المجاهدين ثم تبدأ عملية توزيع الأسلحة”.

وحسب شهادات العديد من المجاهدين المتوفين ومنهم محمد جرمون, فإن “الأفواج الأولى التي إنطلقت من دشرة أولاد موسى بعد أن أعطت عهدا لسي مصطفى بحضور شيحاني بشير وعادل عجول وعباس لغرور ومصطفى بوستة وآخرون بألا تتراجع حتى تحرير الجزائر أو الموت, جعلت البارود يتكلم في تلك الليلة ولم يصمت من حينها الى أن إستقلت البلاد”.

 

معلم تاريخي ذو رمزية كبيرة

 

وتعتبر دشرة أولاد موسى بالنسبة للأمين الولائي للمجاهدين, العابد رحماني, معلما تاريخيا ذا رمزية كبيرة ليس بمنطقة الأوراس فحسب وإنما بكل الجزائر وهو من المنارات المضيئة التي ستنير درب الأجيال المتعاقبة وتذكرهم بتضحيات الشعب الجزائري وما قدمه جيل نوفمبر من أجل الاستقلال واسترجاع السيادة الوطنية.

ويرى المختص في التاريخ الدكتور جمال مسرحي من جامعة باتنة 1 أن “على جيل الاستقلال إيلاء الأهمية لمثل هذه المعالم واعطائها المكانة التي تستحقها والمحافظة عليها وصيانتها باعتبارها جزء هام من الذاكرة الوطنية”. وحسبه, فإن “اختيار هذه الدشرة كمركز لتخزين السلاح لم يكن صدفة وجاء لاعتبارات استراتيجية تبين جليا عبقرية مفجري الثورة التحريرية بقيادة القائد الرمز مصطفى بن بولعيد”.

وأضاف ذات المختص أن موقع الدشرة في مكان محصن ومشرف على مدينة آريس التي كانت تضم ثكنة للدرك ومركز للجيش الفرنسي يسهل عملية مراقبة الطريق التي قد تسلكها قوات العدو الى جانب كونها آمنة وتتكون تقريبا من عائلة واحدة (بن شايبة) وأغلب أفرادها كانوا ضمن التنظيم السري الذي أشرف عليه بن بولعيد تحضيرا لتفجير الثورة.

وتكمن أهمية الدشرة أيضا وقتها، استنادا لذات المتحدث، في “سهولة الوصول إليها بالنسبة ل+مجموعة الخارجين عن القانون الفرنسي+ وقتها من أمثال حسين برحايل وأحمد قادة وقرين بلقاسم الذين كانوا يترددون على قرى قريبة كشناورة بتكوت وفم الطوب وكيمل ولبوا نداء بن بولعيد الى جانب قربها من ضفة الوادي الأبيض الذي كان مسلكا للمناضلين الذين اعتمد عليهم أب الثورة في جلب الأسلحة من الصحراء وخاصة وادي سوف”.

ولم تفقد الدشرة هيبتها وجاذبيتها ومازالت بعد مرور 69 سنة عن هذه المحطة الحاسمة تحتفظ بمعالمها الأصلية وبنائها التقليدي ذي الطابع المحلي فيما يستشف المتوغل فيها عظمة المكان بعد أن زين مدخلها بجدارية ضخمة تحمل أسماء أكثر من 1000 شهيد من مناطق آريس وايشمول وتيغانيمين وفم الطوب.

ويستقطب المعلم التاريخي الذي حظي في السنوات الأخيرة بعملية ترميم واعادة تهيئة, أعدادا كبيرة من الزوار من طلبة وباحثين وتلاميذ وحتى سياح وطنيين وأجانب على مدار السنة الذين يجدون متعة كبيرة في تصفح محتويات متحف الدشرة أو التجوال في دار بن شايبة وكأنهم يقتفون آثار بن بولعيد ورفقائه من مجاهدي الأفواج الأولى التي إنطلقت من هذا المكان إيذانا بتفجير ثورة نوفمبر الخالدة.

اقرأ المزيد