حي سيدي الهواري يستعيد أنفاسه: مشروع سوناطراك يعيد الروح لمعالم وهران التاريخية

حي سيدي الهواري يستعيد أنفاسه: مشروع سوناطراك يعيد الروح لمعالم وهران التاريخية - الجزائر

في خطوة وُصفت بالمفصلية في مسار ترميم وإنعاش حي سيدي الهواري العتيق بمدينة وهران، صادق المجلس الشعبي الولائي، خلال دورته الأخيرة، على قرار يقضي بتحويل ملكية مستشفى “بودانس” التاريخي، الكائن بحي سيدي الهواري المطل على ميناء وهران، لصالح الشركة الوطنية للمحروقات سوناطراك.
هذا القرار يندرج ضمن اتفاق بين والي ولاية وهران، سمير شيباني، ومسؤولي الشركة، بهدف إنشاء مركز تكوين ومرافق مرافقة له، في بادرة وُصفت بأنها الأولى من نوعها على المستوى الوطني، تسعى إلى تعزيز البعد المواطناتي للشركات الوطنية الكبرى، وفي مقدمتها سوناطراك.

حي سيدي الهواري… تراث مهدد بالتلاشي

يُعد حي سيدي الهواري، الذي يُلقب بـ”الذاكرة الحية لوهران”، من أقدم الأحياء في الجزائر، ويختزن في أزقته الضيقة ومعالمه الأثرية تاريخاً يزيد عن عشرة قرون. ويواجه هذا الحي تحديات جمّة بسبب الإهمال، الهجرة الجماعية للسكان، وانعدام مشاريع الترميم الجادة، ما جعله عرضة للتدهور والسطو والتخريب، خاصة من قبل شبكات استرجاع النفايات الحديدية، التي حولت بعض معالمه إلى خرابات مهجورة.

ويأتي هذا القرار في ظل مطالب مستمرة من النشطاء والمهتمين بالشأن التراثي، الذين وجّهوا نداءات استغاثة للحفاظ على ما تبقى من الحي العتيق، خاصة بعد تعطل أشغال دراسة القطاع المحمي في شطره الثاني، نتيجة التحفظات التي أبدتها كل من بلدية وهران ومديرية الثقافة حول الوثائق المقدمة.

مستشفى بودانس… من معلم صحي إلى صرح تكويني

تعود أصول مستشفى “بودانس” إلى سنة 1849، حين شُيّد من قبل المهندس المعماري الفرنسي فوبان، وسُمي على اسم الطبيب العسكري ليسيان بودانس (1804-1857). كان المستشفى يُعدّ من أكبر المنشآت الصحية في الجزائر خلال الحقبة الاستعمارية، إذ ضمّ حينها ما يقارب 800 سرير. بعد الاستقلال، تحوّل إلى مقر لمصالح الشرطة، قبل أن يُعاد استخدامه كمستشفى، وظل على حاله إلى أن تقرر التنازل عنه لصالح سوناطراك.

يتربع المستشفى على مساحة تُقدر بـ6 هكتارات، ويقع في موقع استراتيجي يطل على خليج وهران وحي “سكاليرا”، ويُجاور معالم تراثية مثل كنيسة سان لوي، الحمامات التركية، مسجد باي محمد الكبير، والقصبة العتيقة، مما يجعله موقعًا مثالياً لمشروع يزاوج بين التكوين المهني والمحافظة على الذاكرة الجماعية.

سابقة وطنية: سوناطراك تساهم في ترميم معالم أثرية

القرار الأخير يفتح الباب أمام شراكات مستقبلية بين القطاع الاقتصادي العمومي وملف التراث الوطني، حيث أن سوناطراك تُعتبر أول مؤسسة اقتصادية عمومية تتبنى بشكل مباشر مشروع ترميم معلم أثري داخل حي تاريخي، وهو توجه يمكن أن يمتد لاحقًا إلى مواقع أخرى، مثل المعلم الروماني بورتيس ماغنيس في بطيوة المجاورة للمنطقة الصناعية، حيث سبق للشركة أن خصصت مليار سنتيم لترميم هذا المعلم وإنشاء متحف بيداغوجي داخله.

ويُتوقع أن يساهم المشروع في كسر حلقة التدهور التي يعيشها الحي، عبر إعادة الروح إلى الفضاءات التاريخية، وتحويلها إلى أقطاب للتكوين والتثقيف والسياحة الثقافية.

قرارات موازية تدعم المشروع

تزامنًا مع قرار التنازل عن مستشفى بودانس، تم اتخاذ قرارات مماثلة، تخص التنازل عن بنايات تراثية أخرى لفائدة مؤسسات عمومية، مثل:

  • ثانوية “حسين قديري” (الموخات سابقًا) لصالح شركة سونلغاز.

  • مدرسة “الإخوة قراب” لصالح الخطوط الجوية الجزائرية.

  • مقر الولاية السابق بساحة بودالي حسان لفائدة مديرية السكن.

وتهدف هذه الخطوات إلى خلق نواة جديدة للاستثمار العمومي في القطاع التراثي، مع بعث ديناميكية تنموية جديدة في أحياء تاريخية عانت لعقود من التهميش.

نحو إطلاق مخطط الحفظ الدائم

من جهة أخرى، تنتظر السلطات الولائية استكمال إعداد مخطط الحفظ الدائم لقطاع سيدي الهواري المحمي، من طرف مكتب الدراسات المكلّف، بعد رفع التحفظات المسجلة على الشطر الثاني، والانتهاء من إعداد الشطر الثالث. ومن المنتظر أن تُطلق عقبها أشغال استعجالية لترميم المعالم، مع فتح باب المنافسة أمام الشركات المؤهلة.

تبرز هذه الخطوة كمؤشر واضح على تحوّل حقيقي في طريقة التعامل مع التراث الوطني، من خلال إشراك المؤسسات الاقتصادية الكبرى في عملية الإنقاذ والترميم والتثمين. ويأمل الفاعلون في القطاع الثقافي أن تكون تجربة سوناطراك في حي سيدي الهواري نموذجًا يُحتذى به، يعيد للمعالم الأثرية هيبتها، ويمنح للذاكرة الوطنية فضاءً نابضًا بالحياة.

اقرأ المزيد