حوار الأستاذ محمد بوحميدي لوأج

الجزائر – خص أستاذ الفلسفة محمد بوحميدي، يوم الثلاثاء، وكالة الأنباء الجزائرية بحوار، جاء نصه الكامل كالتالي :

 – حسب تصريحاتكم فان الحراك الحقيقي لم يعد له وجود، فمن يستمر بالتظاهر اليوم؟

نعم، لقد أكدت ذلك، حيث قيمت كل الشخصيات التى تتحدث اليوم باسم المتظاهرين،بالملايين عدد الاشخاص الذين خرجوا الى الشارع ،بين فترة فيفري 2019 الى شهر ماي من نفس السنة، بل و تحدثت هذه التقييمات عن 20مليون و يبقى عدد 12مليون مقبولا جدا.

لا يمكن اليوم أن تجمع المظاهرات كل هذا العدد من الأشخاص. لا أريد  أن أخوض حربا في الأرقام،  فالبرغم من ارتفاع عدد المتظاهرين خلال أيام معينة رمزية  مثل أول نوفمبر أو 5جويلية إلا أن عددهم لم يتجاوز عشرات الالوف.

استنادا لتقييماتهم لشهري فيفري و مارس2019 ، لا يمكن بصفة شرعية لهؤلاء الزعماء المنتخبين أو التلقائيين التحدث باسم الجماعات التي تخلت عنهم. هؤلاء، نفسهم من دعوا بعد انتخابات شهر ديسمبرالى النقد الذاتي و اعادة تقييم نشاطاتهم بحثا عن سبيل لتفسير فشلهم الذي أرجعوه الى عدم انجاح عملية المقاطعة العامة للانتخابات الرئاسية.

أشار أحد الأساتذة الجامعيين الى أن الخطأ الرئيسي يكمن في مهاجمة الجيش الشعبي الوطني بطريقة عدوانية مما أثار استنفاره.

و اللافت للانتباه أن هذه الملاحظة هي نفسها التي ادلت بها “كرايزس قروب ” للمنظمات غير الحكومية التي تبحث عن تأطير الحركة.

أشارك معكم هذا التحليل الصادر بتاريخ29 فيفري :

“حذرت “كرايزس قروب” الرأي العام العالمي في تحليل صدر عنها مؤخرا بأن النظام، ويقصد به الجيش، يسعى لعرقلة امكانية ايجاد حل للازمة و ذلك بعدم انتهاج الحوار مع ممثلي الحركة و عدم التفاوض من أجل انسحابه بطريقة آمنة.

من خلال هذا النقاش، نقترب من الاستجابة للطلبات الاساسية للمحتجين التي أشرنا اليها أعلاه،و هذا بتوفير بعض الضمانات للنظام بما فيها أن لا يكون محل أعمال انتقامية تودي به الى مأزق.

في حين أشارت جريدة ” فينونشال تايمز”الى خطأ أخر، يكمن في انحصار تأثير هذه القوات على الطبقات المتوسطة دون سواها: ” اذا كانت الشكوك بخصوص وجود علاقة بين هذه الجمعيات،التي ترفع هذه المطالب ، بالنظام غير واردة ، إلا أنها تمثل اساسا الطبقة المتوسطة الحضرية و المتعلمة “.

انه لا أمر هام أن تتحدث جريدة “فينونشال تايمز” عن هذه التنظيمات الحاملة لمشروع، فهذا يجعلني بمنأى عن نظرية المؤامرة، ما يسهل علي أن أذكركم مجددا بأن توجيه الحراك و التعبئة الشعبية كانت موضوع كفاح بين مختلف الحركات   و التنظيمات.

ومن هذا المنطلق، أحدد تاريخ 29 أفريل منعرجا للحراك ، حيث اشارت كل من “كرايزس قروب” و “فينونشال تايمز” الى اقتراف القوات التي ارادت تدعيم التعبئة الشعبية لتحقيق ثورة ملونة،  خطأين جسمين. يكمن الاول في تمثيلها للطبقات المتوسطة دون سواها أما الثاني فيتمثل في تطرفهم الخيالي.

و أأكد على هذا التغيير من خلال الملاحظة، حيث يتبين أن كلما تم تأكيد عملية ايقاف كبار المسؤولين في الدولة ( الجنيرالات و من شغلوا منصب وزير أول سابقا و الطبقة الحاكمة التي كانت ليس بالأمس البعيد قوية جدا) عرفت  التعبئة الشعبية تراجعا ملاحظا .

تبين للطبقات الشعبية بشكل واضح بأنه تم ايجاد نصف حل المعادلة التي قد تعرفها أي أزمة سياسية:

” تكون الأزمة حين يعجز المسؤولون عن الحكم كما كانوا عليه آنفا و عندما يرفض المحكومون أن يخضعوا للحكم كما كانوا عليه سابقا”.

غاب عن الأنظارالحكام الذين لم يعد بوسعهم الحكم كما في السابق فأما بالنسبة للمحكومين فسيكون شهر ماي شهرا حاسما . 

ان الهجوم الذي تم شنه  ضد الجيش الشعبي الوطني، متسترين تحت غطاء شن هجوم ضد قايد صالح (نائب وزير الدفاع, رئيس أركان الجيش الشعبي الوطني الجزائري)، أثبت لشعبنا الاختلافات العميقة الموجودة ضمنه، لاسيما تلك المتعلقة بنمط الحكم الجديد المراد وضعه.

انجر عن حل الازمة السياسية بروز أزمات أخرى ثقافية و اقتصادية و اجتماعية و لسانية بل و حتى أزمات عرقية.

لم تتوصل الجمعيات التي ساندتها كل من “كرايزس قروب” و “فينونشال تايمز” الى ضبط مخططاتها التكتيكية وذلك بسبب عدم فهم الازمة السياسية التي تم حلها أمام أعينهم.

هذه الجوانب الكمية “للماناجمنت السياسي” للجماهير و ان لم تظهر فانها ليست دافعي الوحيد.

ففي نهاية شهر افريل و بداية شهر ماي لم تلقى شعارات الديمقراطية المجردة صدى لدى اغلب فءات المتظاهرين و اكثرها شهرة.

كانت اعلى الاصوات تنادي بتحرير البلاد و الشعب و المجتمع من العصابة و من هذه الجماعات التي تم تشكيلها و التي تجول اليوم امام المحاكم . كذلك تحريرها من رعاتهم الاجانب و من دولة الاستعمار الفرنسي الجديد ووكالات  أخرى لتمويل الثورات الملونة.

فبعد انسحاب الطبقات الشعبية، ارتفع صوت الذين يطالبون بحقوق الانسان مستقلا و “متحررا” من المجتمع و ذو مصير غير مشترك، تلته فيما بعد رفع تلك الشعارات المطالبة بالثورة المجتمعية و الثورة المتعلقة بالجنس.

لا تسمح هذه الاختلافات النوعية المسجلة دون الحكم القيمي على المواطنين و بعيدا عن حسن نية التنظيمات المذكورة من طرف ” فينونشال تايمز”  بنفي الفرق الجوهري الموجود بين هذين الوقتين اللذان اميز بينهما. 

الحراك، بصفته الشكل الملموس لهذه التعبئة الشعبية،أنهت مهمته التاريخية.

الا ان الحراك كان يحمل بذاته أكثر من أزمة سياسية،فلقد وضع على الساحة السياسية كتلا شعبية معتبرة.

بحكم تجربتنا الفعلية بالنسبة “للربيع العربي” خلال شهر فيفري 2011 ، ثم كل محاولات التظاهر،امتدادا من فيفري 2011 الى فيفري 2019، تدل على عدم قدرة التنظيمات على جمع أكثر من بعض المئات من الاشخاص.

أتاح تطور النظام التعليمي الجزائري خلال مدى العشرات من السنين من تكوين ملايين الخرجين من الجامعات حيث بلغ عدد الطلبة 1 500 000 طالب ، الذين اصنفهم ضمن الطبقات المتوسطة بحكم قربهم اليها.

لجأ هؤلاء الخرجين من الجامعات الى أشكال متعددة  من أجل التعبير و فرض أنفسهم سياسيا و اجتماعيا بشكل واسع قبل حكم الرئيس بوتفليقية.

ان تقليص فرص التحقيق الاجتماعي في الحياة السياسية، عبر انشاء حر للجمعيات و فتح فضاء النقاش و الحديث، زاد بلة بهيمنة هذه الشخصيات المستنفرة و المستهترة بالطبقات المتوسطة المتعلمة من طرف الاقلية المحبطة لها و غير المتعلمة و التي في يدها حكم الدولة الحقيقي.

ان تطور الطبقات المتوسطة في مجتمعنا كان حتما سيؤدي الى بروز مشكلة عاجلا أم أجلا، حيث كان في عام1962 لا يضم إلا6% من الرجال المثقفين و% 4 من النساء ، فلا يمكننا ادارة مجتمع يضم طبقات متوسطة مثقفة كما ندير مجتمعا ريفيا.

ليس لدي الوقت هنا لأتحدث عن النتائج الثقافية و السياسية و الاجتماعية بل و المجتمعية رغم أن السؤال في نهاية المطاف يفرض نفسه .

تدل صياغة “الحراك تحول” على أنه انتهى ، كان قد انتهى منذ شهر ماي و لكنه اعطى نبضا جديدا مغايرا له و المتمثل في : بروز طبقات متوسطة في الحياة السياسية المباشرة .

ان التنظيمات التي تتحدث عنها “فينونشال تايمز”  تقوم بكل ما بوسعها ليعود لها الفضل في ضم الطبقات التي تواصل المظاهرات، مستعيرة منها الكثير من شعاراتها  و لكن دون أن تخضع لهاو تحول اليها طاقتها. بل هي في الواقع لا تعيرها شعاراتها بل تستمدها من روح العصر، انصياعا لتصورات و لغة الاعلام المهيمنة عالميا. فاستعارها لهذه الصياغات و الافكار منعها من اعداد برامج سياسية خاصة بها.

فالحديث اليوم عن الحراك لا مجال له لدى الطبقات المتوسطة و التنظيمات الملونة و لكن ليس لنفس الاسباب الجوهرية.  فكلتاهما تحتاج للحراك من أجل فرض نفسها و كسب الشرعية الشعبية مقابل انتخابات رئاسية عادلة. إلا ان الطبقات المتوسطة ، تسعى الى ضمان حقها في حياة سياسية حرة. تريد تحقيق ديمقراطية غير مرادفة لاقتصاد السوق كما هو عليه الحال اليوم و لكن مرادف لفضيلة التي تجعل  العالم يسمو على التاجر.

في حين تعارض التنظيمات التي تتحدث عنها “فينونشال تايمز” هذه الشرعية المزعمة للحراك بغية تمديد غياب حل سياسي و الابقاء على أعلى مستويات الضغط من اجل الوصول الى احلال فوضى عارمة.

هل كانت اذن كتلة المتظاهرين محل تلاعب ؟

لقد قمت بصياغة الفكرة، حيث أن على غرار شهر فيفري، تتميز بمجموعة من حقائق و ديناميكيات مختلفة. فلابد من التمييز بين الاحتياجات السياسية و الثقافية لهؤلاء المتظاهرين من جهة و بين أهداف الذين يتحدثون باسمهم من جهة أخرى. و هذا ما يمكن للحكومة أن تفعله فورا دون انتظار صدور الدستور الجديد.

فمجرد اسداء تعليمات الى الولاة و رؤساء الدوائر من اجل معالجة ملفات ترخيص  انشاء الجمعيات بطريقة أقل صرامة و بعيدة عن البيروقراطية مثلا سيبعث في المواطنين نفسا جديدا.

لاسيما أن المتظاهرين لن يتقبلوا ان يتم التلاعب بهم و هذه الوضعية قد أدت الى أزمة “الثورة الديمقراطية”.  فبالرجوع الى مخطط سنة  2011، الذي نتج عنه تحالف التيارات الدينية و العصرية على غرار نموذج غنوشي ـ مرزوقي في تونس أو برادعي و الاخوة المسلمين في مصر، و المجلس الانتقالي بكل من ليبيا و سوريا.

و للخروج من هذا المأزق “التظاهر كل يوم جمعة” قررت هذه الجمعيات، بالتحالف مع زيطوط ، الخروج كل يوم السبت الى الشارع سعيا منها ادخال الجزائر في دوامة استراتيجية الولايات المتحدة الامريكية و الحلف الاطلسي و اسرائيل من أجل احداث فوضى عارمة مستغلة كل الخطوط الحساسة الاثنية و اللغوية و الثقافية و الدينية و غيرها.

ان مسالة كورونا فيروس جد مهمة حيث انها تبرز مدى عدم مبالاة هذه التنظيمات بشعبنا ، حيث كانت مسألة ايقاف المظاهرات مجال نقاش؟

خوض نقاش من اجل معرفة اذا ما كانت حياة الجزائريين أو موتهم أسمى من أهدافهم السياسية و هذه تعتبر ابشع هزيمة.

أود أن أختتم أجوبتي بهذه العبارة الطويلة للفيلسوف “هيجل”والتي ستسمح بفهم ما يقابل الاصرار على عدم التفكير ـ فكرة لا تريد أن تفكر “ان أولئك الذين يعدون الفكر ملكة خاصة مستقلة  منفصلة عن الارادة منظورا اليها هي الأخرى على أنها ملكة مستقلة و يعتقدون أن الفكر يضر بالإرادة خصوصا لإرادة الطيبة ، و هؤلاء يكشفون بهذا عن جهلهم التام بطبيعة الارادة،”ملاحظة يتم تداولها كثيرا حول نفس الموضوع ” و تعريف الارادة بأنها مجرد قوة محضة، أو امكانية مطلقة هوفكرة خطرة.

و بالجملة، فان الارادة لاتصبح واقعية إلا اذا حددت نفسها.