تراجع آفاق النمو الاقتصادي العالمي - الجزائر

تراجع آفاق النمو الاقتصادي العالمي

خفض صندوق النقد الدولي معدل نمو الاقتصاد العالمي في 2022 إلى 4.4 في المائة، حسب أحدث تطلعات أصدرها الشهر الماضي. وكان الصندوق يتوقع في تطلعات تشرين الأول (أكتوبر) 2021 نمو الاقتصاد العالمي في 2022 بنسبة 4.9 في المائة. ويعزو الصندوق تراجع توقعات نمو العام المقبل إلى عدة عوامل، أبرزها الانتشار السريع لفيروس أوميكرون الذي تسبب في نشر سلسلة قيود احترازية عبر العالم، وأثر بشكل رئيس في قطاعات السفر خاصة والخدمات بشكل عام. أما العامل الثاني، فكان استمرار معوقات سلاسل التوريد المثبطة للأنشطة الاقتصادية، والمحدثة لتكاليف غير مبررة، والمخفضة لإنتاج عديد من السلع المعمرة؛ كالسيارات والأجهزة الإلكترونية، والرافعة لتكاليف عديد من السلع والمنتجات حتى الخدمات. ولم يقتصر الأمر على ذلك فقد ارتفعت أخيرا المخاوف من ارتفاع معدلات التضخم؛ ما دفع البنوك المركزية لدى الدول الكبرى اقتصاديا، إلى التصريح بنياتها تشديد السياسات النقدية من خلال التوقف عن شراء الأصول ورفع معدلات الفائدة الأساسية إذا اقتضى الأمر.
يعود الخفض الأخير في توقعات النمو الاقتصادي العالمي، وبشكل رئيس، إلى تراجع تطلعات معدلات نمو أكبر اقتصادين عالميين هذا العام. ويشكل الاقتصادان الأمريكي والصيني ما يزيد على 40 في المائة من الاقتصاد العالمي، ويتربعان على قائمة الاقتصادات العالمية. وقلص الصندوق في تطلعات كانون الثاني (يناير) الماضي معدل نمو الاقتصاد الأمريكي العام الحالي، إلى 4 في المائة بنسبة انخفاض 1.2 في المائة عن توقعاته في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي. ويعود خفض آفاق النمو الاقتصادي الأمريكي لعدة أسباب، أبرزها تراجع حجم التحفيز المالي الحكومي، والتبكير في الانسحاب من التيسير النقدي، واستمرار انقطاعات سلاسل الإنتاج الذي أثرت بشكل أقوى في الاقتصاد الأمريكي لاعتماد الشركات الأمريكية العملاقة على الإنتاج الصناعي خارج الولايات المتحدة. أما الصين، فتراجعت توقعات نموها بنسبة 0.8 في المائة؛ نظرا لسياسات التشدد التي تنتهجها تجاه انتشار الجائحة، وتراجع آفاق الاستهلاك المحلي الخاص، والمخاطر المحيطة بقطاع العقارات الصيني. ويتوقع الصندوق أن يصل معدل نمو الاقتصاد الصيني في 2022 إلى 4.8 في المائة. في العالم الغربي سيعاني الاقتصاد الأوروبي بشكل أقل من الاقتصادين الأمريكي والصيني. ويتوقع تراجع النمو الاقتصادي في منطقة اليورو خلال العام الحالي بأربعة أعشار النقطة المئوية إلى 3.9 في المائة، مع تركز التراجع بدرجة أكبر في ألمانيا التي سينخفض ناتجها المحلي بنسبة 0.8 في المائة، وذلك لارتفاع أهمية القطاع الصناعي فيها وتأثرها بدرجة أكبر بانقطاعات سلاسل الإنتاج.
لم يغير صندوق النقد الدولي توقعات معدل نمو المملكة الاقتصادي هذا العام، حيث أبقاه على نسبة 4.8 في المائة، كما كان في توقعات تشرين الأول (أكتوبر) الماضي. ومن الواضح أن هذا يعود إلى استفادة المملكة من تحسن أسعار الطاقة على النقيض من الاقتصاد العالمي والدول المستوردة للطاقة. ونظرا لارتفاع أهمية النفط – أهم مصادر الطاقة – بالنسبة للاقتصاد السعودي، فإن ارتفاع أسعاره يحسن موازين المملكة المالية والخارجية، كما يرفع شهية الإنفاق الحكومي، ويدعم الاستثمارات العامة. وترتفع حساسية معدل نمو المملكة الاقتصادي لأسعار النفط، فكلما ارتفعت الأسعار ارتفعت آفاق النمو الاقتصادي، لهذا فإن استمرار بقاء أسعار النفط عند مستوياتها الحالية سيدفع بمعدلات نموها الاقتصادي هذا العام فوق توقعات الصندوق. وتشير تطلعات عديد من المؤسسات المتخصصة، إلى تحسن قوي في أسعار النفط لهذا العام.
يواجه العالم مخاطر محتملة من ظهور متحورات جديدة وإمكانية تأثيرها في مسيرة النمو الاقتصادي العالمي. كما يولد ارتفاع معدلات التضخم تحديات للسياسات النقدية والمالية ما قد يعيق التحفيز المالي والنقدي. إضافة إلى ذلك تمثل تقلبات أسعار الطاقة والمعادن والأغذية تحديات متعددة لعديد من الدول المستوردة لها. وترفع هذه المخاطر درجة عدم اليقين حول معدلات النمو الاقتصادي العالمي المستقبلية. لهذا من شبه المؤكد مستقبلا رؤية تطلعات أو تسجيل معدلات نمو اقتصادي مختلفة وربما بمعدلات ملحوظة، كما جرى في آخر تحديثات صندوق النقد الدولي. وترفع زيادة حالة عدم اليقين حول التوقعات مستويات التحديات التي يواجهها صناع القرار، حيث تقود التقديرات غير الموفقة إما لزيادة الضغوط التضخمية أو كبح النشاط الاقتصادي وخفض معدلات النمو تحت التوظيف الكامل للعمالة. وأدى الانسحاب المبكر من التحفيز المالي خلال الأزمة المالية العالمية في 2008، إلى تأخر عودة الاقتصاد العالمي إلى مسيرته المعتادة، بينما أسهم التحفيز المالي والنقدي الضخم خلال أزمة كورونا بقوة في رفع مخاطر التضخم. وهذا يوضح صعوبة استشراف المستقبل بشكل دقيق ومناسب للنهوض من الأزمات الاقتصادية من دون أضرار جانبية.

author: 

سعود بن هاشم جليدان

Eng name: 
saod_jleadan
Image: 
Image: