تجمع مالبو سنة 1945.. عملية استعمارية شنيعة راسخة في الأذهان

تجمع مالبو سنة 1945.. عملية استعمارية شنيعة راسخة في الأذهان - الجزائر
تجمع مالبو سنة 1945.. عملية استعمارية شنيعة راسخة في الأذهان

بجاية – امتدادا لمجازر 08 مايو 1945 بمدينة خراطة, عاشت منطقة مالبو (25 كم شرق بجاية) قبل 75 سنة خلت أحداثا شنيعة ورهيبة اقترفها الجيش الاستعماري الفرنسي انتقاما من الانتفاضة الشعبية آنذاك. فقد أُجبر آلاف الأشخاص طيلة يوم كامل على مغادرة أكواخهم المتناثرة عبر الجبال الواقعة بين تيشي وخراطة على مسافة 50 كم و التجمع بالقوة في شاطئ تخلاويط المرسى لأجل حضور عرض عسكري يجسد نهاية الانتفاضة في البابور وتهدئة المنطقة بأسرها.

وخلف هذا العمل العشرات من القتلى لاسيما من كبار السن والرضع والنساء الحوامل ممن لم يتحملوا صعوبة المسافة وعواملها القاسية جراء نقص الطعام والعطش وعنف جنود المستعمر.

وحسب الشهادات التي تم استقاؤها, فإن العديد منهم لم يصلوا إلى الساحل ولفظوا أنفاسهم في الجبال أثناء السير القسري على الأقدام في حين أن الكثير ممن كان أكثر حظا وبلغ المكان على ظهر الحمير أو الخيل فقد هلك بسبب الإرهاق والهلع أمام العرض المذهل للجنود الذين تعمدوا انتهاز الفرصة لإبراز مدى قوة سلاح فرنسا الاستعمارية.

بالفعل, فقد تم تجنيد حوالي 10.000 جندي و أعداد كبيرة من القياد و الباشاغات و عدد هائل من الضباط, على رأسهم الجنرالان دوفال و هنري مارتين من أجل تنفيذ, حسب الشهود, عرض مسرحي دنيء ومرعب من خلال الاشادة بعظمة فرنسا و التهديد بالموت لكل من قد تخول له نفسه التفكير في المساس “بأمن وسلم البلد”. فقد ركزت الخطابات الموجهة لحضور قليل الاستماع رغم جهود للمترجمين على “حاملي العصي” المتهمين ب “الشغب والتخريب” و “تعكير الحياة العادية” بحيث صاح هنري مارتين من على منبره ” انها نهاية حرب العصي”, متهما الثائرين بقتل “رجال و نساء وأطفال” يوم 8 مايو 1945.

” لقد نكلوا بجثثهم” هكذا كان يقول بلا خجل مارتين الذي نصح بـ” عدم اتباعهم” والبقاء في “الطريق المستقيم لجعل الجزائر الفرنسية بلدا أين يستطيع فيه الرجال الأحرار العمل بسلام” و “والعيش طويلا بمشيئة الله”. ولإضفاء مصداقية أكبر على ما يقول راح مارتين يذكر بمركزه كقائد عسكري مسموع مؤكدا “عزمه على المساعدة لاستعادة السلم لأنه يرى أن ابليس لعب بعقول البعض”.

وهكذا توالت خطابات الترغيب والترهيب مدعمة باستعراض عسكري مذهل لقوات الاحتلال المدججة بسلاح البطش. فقد أدت كل من الدبابات والمدرعات والطائرات الأدوار المخولة لها وكانت تتخللها من حين لآخر طلقات نارية من سفن القوات البحرية التي كان تتوسطها الطرادة “دوغي تروان” إحدى أضخم البواخر الفرنسية التي استخدمت إبان الحرب العالمية الثانية وفي الهند الصينية (الفيتنام) والتي أرست لهذه المناسبة بالقرب من منطقة المنحدرات عند مخرج مدينة مالبو. فقد تم من على متنها إطلاق عدة قذائف باتجاه القرى المتاخمة والتي وصلت حتى الزيامة (جيجل) المجاورة.

ودام هذا المشهد الاستعراضي والمروع حتى غروب الشمس تاركا وراءه جثثا كثيرة منها حوالي اثنا عشرة لقوا حتفهم رميا بالرصاص بمنطقة المنحدرات فقط لأنهم “تثاقلوا” في السير نحو الشاطئ. فقد كان يوما فضيعا يبقى راسخا في الأذهان.

اقرأ المزيد