الوادي : “الغوط” نمط زراعي ذكي كفيل بتحقيق الأمن الغذائي والحفاظ على الثروة المائية

الوادي – يعتبر “الغوط” الذي ابتكره المزارعون القدامى لغرس وسقي واحات النخيل بمنطقة سوف بولاية الوادي منذ قرون (القرن الخامس عشر), نمطا زراعيا ذكيا كفيلا بتحقيق الاكتفاء الذاتي من الغذاء للأسر والحفاظ على الثروة المائية من خلال اعتماده على نظام سقي مبتكر.

و لخصائصه التي جعلت منه من أنجع الأنظمة الزراعية المستدامة في العالم، صنف من قبل منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة ”الفاو” سنة 2011 كتراث زراعي ومعلم سياحي عالمي وجب الحفاظ عليه نظرا لخصائصه التضاريسية المميزة.

“الغيطان” وهي جمع لكلمة “غوط” أو الهرم المقلوب, هو منخفض عميق عن مستوى سطح الأرض عادة يشكل بمحاذاة التجمعات السكنية خصوصا بالأرياف والقرى ويتوسط الكثبان الرملية حيث يصل عمقه عادة إلى أزيد من 25 مترا.

و يمتد على قطر دائري يتراوح من 80 إلى 200 متر حفره الفلاح بطرق تقليدية تسمى “رفع الرملة” عن طريق وسائل تقليدية (القفة والزنبيل) مصنوعة من سعف (أوراق) النخيل وترفع الرمال من المنخفض (وهو الغوط في طور التشكيل) إلى سطح الأرض على الظهر أو باستعمال الحمير والبغال لتهيئة المنخفضات التي تسمى “الغوط” موجهة للاستغلال في غراسة واحات النخيل نظرا لقربها من المياه السطحية لتصبح النخلة تسقى آليا من خلال امتصاصها للماء من الطبقة السطحية دون اللجوء إلى السقي.

و تسمى أشجار النخيل المغروسة بهذه الطريقة “بالبعلي” (نسبة إلى بعل الزرع الذي يشرب بعروقه فيستغني عن السقي) وهو نمط سقي يسمح لأي فلاح بغراسة النخيل بالغوط كزراعة معاشية قديما ويذهب للقيام ببقية إلتزاماته المهنية لأن نخيله لا يحتاج إلى سقي يبقى فقط “تأبيره” ربيعا وجني المنتوج خريفا، كما سمي التمر الذي تنتجه غيطان النخيل بالتمر “البعلي” وهو من أجود أنواع التمور في العالم، مثلما أوضح رئيس الغرفة الفلاحية، جلول عثماني.

و أردف قائلا: “إن النظام الزراعي +الغوط+ سمح للعديد من العائلات في إطار الإستثمار الزراعي العائلي من تحقيق الإكتفاء الذاتي من الغذاء الذي يعتمد على المنتوجات الزراعية من الخضر والفواكه، حيث ذهبت إلى تسويق فائض منتوجاتها الزراعية من الخضر والفواكه بالأسواق الجوارية فضلا عن تسويق مختلف أنواع التمور”.

 

الغوط نظام سقي مبتكر يحافظ على مخزون الثروة المائية

 

ويعتمد الغوط على نظام سقي ذكي فريد من نوعه في العالم وهي الخصائص المبتكرة في إبداع هذه الواحات من النخيل بهذه المنطقة الصحراوية الذي جعل منه نظاما فريدا من نوعه يحقق تنمية مستدامة، حسب الدكتور خليفة قعيد (جامعة الوادي) وهو باحث مختص في التراث بمنطقة سوف.

و أشار صاحب كتاب ”تفعيل الثقافة الشعبية في التنمية المستدامة” إلى أن “الغوط” هو النظام الزراعي الوحيد في العالم صديق للبيئة يستطيع الفرد أن يستحدثه في عمق الكثبان الرملية بصحراء العرق الشرقي لإنتاج شتى أنواع التمور بالإضافة إلى محاصيل زراعية أخرى ذات صلة مباشرة باحتياجات الأسر من الغذاء دون الحاجة إلى حفر الآبار والمساس بمخزون الثروة المائية والربط بشبكة الكهرباء وإستخدام المكننة الحديثة.

و تشتهر غيطان النخيل بالإنتاج الوفير لشتى أنواع التمور يتصدرها صنف ”دقلة نور بعلي” التي أثبتت بشأنها نتائج تحاليل مخابر الأغذية أن صنف دقلة نور التي ينتجها الغوط من أجود أنواع التمور دقلة نور في العالم وذلك نظرا لخصائصها الغذائية الصحية وهذا راجع إلى نظام السقي الفريد من نوعه والتضاريس الهندسية الرملية للمساحة المزروعة “الغوط”، فهو منتوج طبيعي من أكثر الأنواع طلبا في الأسواق.

و يقول الأستاذ محمد الصالح بن على من جامعة الوادي أن “الغوط” هو نمط زراعي فريد من نوعه في العالم يتواجد في منطقة “سوف” ونظرا لتميز هذا النمط الزراعي صنفته منظمة المنظمة العالمية للتغذية “الفاو” سنة 2011 من بين 500 نمط زراعي في العالم كتراث زراعي ومعلم سياحي عالمي وجب الحفاظ عليه نظرا لخصائصه التضاريسية المميزة التي تعتبر الأولى من نوعها في العالم .

وتحولت “الغيطان” إلى مواقع سياحية بامتياز ومقصدا للسياح الوطنيين و الأجانب من مختلف الدول، نظرا للخصائص الهندسية المبتكرة في إبداع هذه الواحات من النخيل في هذه المنطقة الصحراوية زيادة عن اقتران الغوط بوحدات مصغرة للصناعات التقليدية المشتقة من سعف وجذوع النخيل.

و  أكدت مديرية المصالح الفلاحية في العديد من لقاءات الإرشاد و التوجيه الموجهة للفلاحين أن كل أدوات الدعم والتسهيلات تم تسخيرها لتكون في متناول كل فلاح يريد الإستثمار في إستحداث “غوط” وهو الإجراء الذي يدخل في إطار دعم و تثمين هذا التراث الزراعي و إعادة بعثه من جديد.

و  ذكر رئيس “جمعية الواحة للغوط البعلي”، أحمد بوديسة صاحب “غيطان” بمنطقة “سندروس” التي تقع بالجهة الشرقية لبلدية النخلة (20 كلم جنوب عاصمة الولاية) التي تعتبر أكبر تمركز لغيطان النخيل بتعداد يقدر بـ69 غوط، أن “منظمة الفاو دعت عن طريق مكتبها بالجزائر في العديد من زيارات العمل في إطار إتفاقيات الشراكة مع الجزائر إلى إعادة الإعتبار لنمط +الغوط+ لحمايته من خلال تسطير

برامج دعم لإنشاء غيطان جديدة وذلك من خلال توجيه الفلاح إلى الإستثمار في هذا المجال الزراعي”.

تجدر الإشارة إلى أن منظمة الفاو التي أحصت 2600 غوط، صنفت الغوط كتراث زراعي نظرا لما يمثله هذا الموروث من أهمية تاريخية واقتصادية واجتماعية فهو يندرج ضمن الممتلكات الفلاحية و الاجتماعية والثقافية العالمية.

اقرأ المزيد