المغرب: تفشي المخدرات بين المراهقين وطلبة المدارس في ظل إهمال الدولة

المغرب: تفشي المخدرات بين المراهقين وطلبة المدارس في ظل إهمال الدولة

الرباط – لازالت ظاهرة تعاطي المخدرات تنشر سمومها في المجتمع بالمملكة المغربية وخاصة بين الشباب والمراهقين في المدارس، في ظل انعدام استراتيجية حكومية لمحاربة الإدمان والحد من انتشاره، بل الأدهى أنها ردت على انشغالات وقلق الأولياء وفعاليات المجتمع المدني والهيئات الناشطة في مجال مكافحة المخدرات بتقنين القنب الهندي.

و تعد ظاهرة تعاطي المخدرات, معضلة تهدد مستقبل أجيال وتضع مستقبل البلد على المحك, مما صعد موجة الانتقاد لسياسات الحكومة ولفشلها في اتخاذ تدابير لمكافحة الآفة في ظل شح مراكز العلاج وإعادة التأهيل للمدمنين بالمملكة.

و قد ضاعف انتشار تعاطي المخدرات من قلق الأولياء والجمعيات التربوية على حياة أبنائها, خاصة مع لجوء هؤلاء مؤخرا إلى تعاطي نوع جديد من هذا السم القاتل والمعروف بمخدر “البوفا” منخفض السعر.

و تتعالى أصوات في المغرب تدعو إلى مواجهة انتشار “البوفا”, حيث حذر الفرع المحلي لحزب فيدرالية اليسار الديمقراطي ببرشيد (وسط) من هذا المخدر, وقال إن المدارس “أصحبت ملاذا مناسبا لتجارته”, متسائلا عن من “يحمي المؤسسات التعليمية من البوفا أو مخدر الفقراء الفتاك, وما تواجهه من خطر محدق يتهدد التلاميذ”.

بدورها, حذرت جمعيات ناشطة في مجال مكافحة المخدرات من مخاطر هذا المخدر الذي يصفه البعض ب”كوكايين الفقراء”, منبهة إلى قدرته على إتلاف الجهاز العصبي بعد أيام من استنشاقه, كما دعت السلطات إلى التدخل بشكل عاجل.

و تكمن خطورة مخدر “البوفا”, بحسب ما صرحت به جمعيات ناشطة في مجال مكافحة المخدرات, في تسببه في هلوسة لمتعاطيه تدفعهم إلى ارتكاب جرائم أو الانتحار تحت تأثيره.


اقرأ أيضا :      المغرب : مرصد حقوقي يعرب عن قلقه إزاء انتشار جرائم غسيل الأموال والاتجار بالمخدرات شمال البلاد


و مهما كان, فإن المخدرات بجميع أنواعها لا يجني منها متعاطيها سوى الدمار لنفسه ولمجتمعه ويزيد الأمر حدة عندما يتعلق الوضع بانتشارها في المراكز التربوية والمدارس, وهو ما نبه إليه رئيس فيدرالية جمعيات آباء وأولياء التلاميذ بالمغرب, نور الدين عكوري, الذي أكد أن انتشار المخدرات وأقراص الهلوسة يستقطب تلاميذ المدارس وأن هناك “من يستغلهم في ترويجها”.

و يؤكد عكوري على “ضرورة فرض عقوبات قاسية بحق كل من ثبت تورطهم في بيع الممنوعات وترويجها في المدارس ومحيطها, كونهم يدمرون مجتمعا برمته”. كما طالب الأساتذة بالقيام بدورهم ومراقبة التلاميذ وحمايتهم من الأخطار المحدقة بهم.

و يرى المتتبعون أن ظاهرة الادمان بالمغرب من بين الآفات المستعصية التي تنهش جسم المجتمع المغربي, إلا أنه لا يبدو سبيلا في الأفق لاستئصالها بالنظر إلى الانتشار الواسع لزراعة الحشيش بالمملكة واعتماد الكثيرين على بيعها لتحصيل لقمة العيش.

 

 إهمال تام من طرف الدولة لمشكلة الادمان

 

 

و تعيب الهيئات والجمعيات الحقوقية وفعاليات المجتمع المدني بالمغرب على الدولة إهمالها وعدم متابعتها لمشكلة الإدمان, حيث تبقى السياسات الحكومية في هذا المجال غير كافية في ظل اعتماد إطار تشريعي قديم لا يوفر الحماية اللازمة.

و كشف تقرير للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي المغربي, استنادا إلى آخر الأبحاث التي أنجزها القطاع الحكومي المكلف بالصحة بشأن الإدمان, أن تعاطي المؤثرات العقلية (يقصد به تناول أي مادة لها تأثير على الجهاز العصبي وعلى العمليات العقلية, سواء عن طريق الشم أو التدخين أو البلع أو الحقن) بين المراهقين لا يقل خطورة.

كما أن 9 في المائة من المستجوبين صرحوا بأنهم استهلكوا القنب الهندي مرة واحدة على الأقل في حياتهم (64 في المائة بدأوا استهلاكه قبل بلوغ سن 14 سنة).

كما أفاد 13.3 في المائة من المستجوبين بأنه سبق أن جربوا استهلاك الكحول, بينما صرح 5 في المائة منهم بأنه سبق لهم استهلاك المؤثرات العقلية. أيضا, فإن 1.4 في المائة منهم سبق لهم استهلاك الكوكايين.

و سبق للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي المغربي أن حذر من تفشي ظاهرة الإدمان وتعدد أشكالها في المملكة, بصورة مقلقة, في ظل ضعف السياسات العمومية لمعالجة الآفة.

و قدم المجلس في تقرير سابق له, حقائق ومعطيات حول السلوكات الإدمانية للمغربيين, خصوصا تلك التي لا يتم الاعتراف بها بعد بالقدر الكافي, ولا يتم التكفل الفعلي بها من طرف هيئات الحماية الاجتماعية ومعالجتها بوصفها أمراضا.

و رغم تصنيف المنظمة العالمية للصحة لحالات الإدمان ضمن الأمراض, مما يتطلب التكفل بها, إلا أن التقرير المغربي كشف عن ضعف هذا الجانب بالمملكة, حيث أكد أن “هيئات الحماية الاجتماعية لا تتكفل بما يكفي بهذه الحالات”.

و أوصى المجلس بوضع مخطط وطني للوقاية من الإدمان ومكافحته في الوسط المهني والتربوي, وفي المجتمع بصفة عامة.

لكن لا حياة لمن تنادي, فقد قابلت الدولة هذه الانشغالات بتقنين القنب الهندي (مخدر الحشيش) رغم الجدل الكبير الذي أثاره المشروع في الأوساط السياسية و الشعبية وعلى مواقع التواصل الاجتماعي, حيث تم التحذير من زيادة مساحات زراعة المخدرات وتفاقم ظاهرة الاتجار بها داخل البلاد وتنامي ظاهرة الاجرام.

للتذكير, كان التقرير العالمي حول المخدرات لعام 2022 الذي نشره مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة قد أكد أن المغرب يحتل صدارة الدول الرئيسية لمنشأ ومغادرة القنب الهندي, ما يجعل هذا البلد أكبر منتج ومصدر لهذا النوع من المخدرات.

اقرأ المزيد